بعد يومين من ارتكاب الارهاب مجزرة دامية بحق المدنيين في ساحة الطيران وسط بغداد، عاود هجماته الجبانة مستهدفا عناصر من قوات الحشد الشعبي في صلاح الدين، متسببا باستشهاد واصابة عدد منهم، لتزداد حصيلة الشهداء خلال فترة وجيزة من المدنيين والعسكريين، وسط دعوات غاضبة الى معالجة الملف الأمني الذي يواجه عراقيل كثيرة انتجها الصراع السياسي والتجاهل لهذه الاعتداءات المتكررة.

تشييع شهداء الطيران

وشيَّع مئات المواطنين في بغداد، عدداً من الشهداء الذين قضوا في التفجير الارهابي المزدوج بساحة الطيران.

وأثار التفجير الذي أسفر عن استشهاد 32 مواطنا واصابة 110 أشخاص، بحسب وزير الصحة والبيئة حسن التميمي، غضبا واسعا ازاء هذه الفجوة الأمنية التي جاءت بعد فشل واضح في الحد من مسلسل استهداف الناشطين والمتظاهرين.

وقال المواطن، ابو الفضل علي، أحد الباعة في ساحة الطيران: “لم نتوقع هكذا انفجار، خصوصا بعد غياب طويل لمثل هذه العمليات الدموية نظرا لما حققته القوات الأمنية من نصر كبير على التنظيمات الارهابية، خلال الفترة الماضية”.

وتساءل علي خلال حديثه لـ”طريق الشعب”، عن “دور القوات الأمنية التي يفترض أن تحمي منطقة تعجّ بالفقراء والكادحين ومحدودي الدخل”، لافتا الى أن دماء الأبرياء “ستنسى تماما وسط دوامة الصراع السياسي وسباق المناصب والنفوذ، كما نسيت دماء الآلاف من المتظاهرين السلميين، في شكل يدلل على إهمال القوى المتنفذة الحاكمة لأرواح المواطنين”.

ووفقا لوزارة الداخلية، فإن “الانتحاري الأول فجّر نفسه في سوق البالة بعد أن ادعى أنه مريض وتجمّع الناس حوله، بينما فجر الانتحاري الثاني نفسه بعد قيام المتواجدين بنقل الشهداء والمصابين”.

وخلال الساعات الأولى من وقوع المجزرة الدموية، سعت جيوش الكترونية مشبوهة الى اثارة النعرات الطائفية، مستغلة مأساة الناس، ما أثار غضبا واسعا من المواطنين، وخصوصا المتظاهرين منهم الذين عدّوا الأمر “مبيتا ويوضح كيف تعتاش هذه القوى على الصراع والاقتتال الطائفي الذي انتهى وانكشفت أوراقه بعد انتفاضة تشرين”.

وعلّق النائب أحمد المشهداني، على هذه الحملة قائلا: “الإرهـاب الأعمـى لا يميـز بيـن عراقـي وآخـر. ونستغـرب مـن بعـض غربـان الشـر والطائفيـة الذيـن مازالـوا ينعقـون عنـد المصائـب ويبحثـون عمّـن ينعـق معهـم لمحاولـة نشـر روح الطائفيـة التـي غادرهـا العراقيـون بلا رجعـة لينسبـوا الأعمـال الإرهابيـة تبعـاً لأهوائهـم المريضـة، محاوليـن إربـاك الوضـع لخدمـة أجنداتهـم”.

إجراءات أمنية سريعة

وكان القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، قد وجه بإجراء تغييرات كبرى في الأجهزة الأمنية، عقب الانفجارين.

وبحسب بيان اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام، فإن الأخير “أمر بإقالة ونقل عدد من القادة من مناصبهم، منهم وكيل وزير الداخلية لشؤون الاستخبارات، مدير عام استخبارات ومكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية (خلية الصقور)، قائد عمليات بغداد، قائد الشرطة الاتحادية، مدير قسم الاستخبارات وأمن عمليات بغداد”.

وأكد الكاظمي وفقا لبيان صدر من مكتبه الاعلامي، عقب الجلسة الاستثنائية للمجلس الوزاري للأمن الوطني، “وضع خطة أمنية شاملة وفاعلة لمواجهة التحديات القادمة”.

وأضاف “من لا يرتقي الى مستوى مسؤولية حماية المواطنين وأمنهم، عليه ان يتنحى من موقعه”.

وشدد على أن “ما حصل لن نسمح بتكراره، وأن المنصب الأمني مسؤولية، وحين يحصل خرق يجب أن تتحمل القيادات الأمنية مسؤوليته”.

 وأكد خبير أمني، يوم أمس، ان التجاذبات والتقاطعات التي تشهدها العملية السياسية، كانت سببا في تردي الملف الأمني وانعكاساته التي ظهرت مجددا خلال التفجير المزدوج في ساحة الطيران. ويأتي هذا الحديث مع دعوات اطلقتها المفوضية العليا لحقوق الانسان، لمراجعة شاملة لأداء قوات الأمن، خصوصا وأن حادثة استهداف قوات الحشد الشعبي، جاءت بعد يومين فقط من تفجيرات بغداد.

 ضرورة المراجعة الشاملة

وعدّ الخبير الأمني عماد علو، التجاذبات والتقاطعات السياسية المستمرة، قد ساهمت بترد الملف الأمني وانعكست على أداء قوات الأمن. وأشار علو خلال حديثه لـ»طريق الشعب»، إلى أن الكثير من قوات الأمن «انشغلت بحماية المنطقة الخضراء التي كانت هدفا لصواريخ الكاتيوشا، وهذا الأمر أربك المشهد وجعل القوات الأمنية تركز على حماية المنطقة بشكل كبير»، لافتا الى أن «جائحة كورونا لعبت دورا اخر حيث انشغل قسم كبير من قوات الأمن بمراقبة إجراءات منع التجوال والقرارات التي تنطوي ضمن هذا الاطار، لذلك شهدنا تراجعا أمنيا وخللا بمراقبة التنظيمات الارهابية التي استثمرت هذه المعطيات وضربت العاصمة في قلبها، كما ان المسؤولية لمواجهة هذه المخاطر تقع بشكل مشترك على أكثر من طرف وليس الحكومة وحدها».

وأردف الخبير «اجراءات رئيس الوزراء الاخيرة جاءت كردة فعل على الحادثة وكمحاولة لامتصاص النقمة والغليان الشعبي ازاء هذه الجريمة، ويمكن اعتبارها اجراءات صحيحة تعبّر عن رغبة القائد العام للقوات المسلحة بإجراء اصلاحات جذرية حقيقية في البنية الهيكلية والتنظيمية للمؤسستين الأمنية والعسكرية»، داعيا الى «القيام بجهود مكثفة من قبل أجهزة الاستخبارات لوضع حد للشبكة الارهابية او مضافاتها القريبة من العاصمة. حيث إن هذه العملية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة ما قام به داعش الارهابي منذ أكثر من عام ومحاولة تقربه من أبواب المدن. لذلك تبرز الحاجة الماسة الى اعادة النظر بأساليب العمل وتغيير نمط وسياق مواجهة الارهاب الذي غير استراتيجيته نحو حرب العصابات».

 إدانات عربية ودولية

ولاقى التفجير الارهابي، إدانات عربية ودولية واسعة من قبل السفارات والحكومات والمنظمات.

وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بيانا دان التفجير، داعيا الحكومة الى «تحديد هوية من يقف وراءه»، فيما توالت بيانات الادانة من سفارات وحكومات ومنظمات عديدة منها، تركيا، لبنان، تونس، فلسطين، الولايات المتحدة الامريكية، الاردن، قطر، اليمن، كندا، ايران، مجلس التعاون الخليجي، البرلمان العربي، الامارات، مصر، الاتحاد الأوروبي، السعودية، الكويت، الفاتيكان، اليابان، وغيرها.

 هجوم إرهابي جديد

وبعد يومين من وقوع المجزرة وسط بغداد، تعرضت قوات من الحشد الشعبي الى استهداف آخر ادى الى استشهاد وإصابة أكثر من 20 عنصرا في صفوف الحشد.

وقال صادق الحسيني، الناطق باسم الحشد الشعبي (محور ديالى)، في تصريح تناقلته وكالات الأنباء، إن الاستهداف اسفر عن «استشهاد واصابة اكثر من 20 مقاتلا، بينهم اثنان من القيادات الميدانية، وأن نقاط المرابطة المنتشرة على الحدود الفاصلة بين ديالى وصلاح الدين، تم الايعاز بتعزيزها بعد هجوم منطقة العيث شرقي محافظة صلاح الدين، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر».

وقام يوم أمس، أهالي مدينة الناصرية التي تشهد تظاهرات واسعة منذ انطلاقة انتفاضة تشرين، بتشييع جثامين شهداء الحشد الشعبي، وسط اجواء سادها الحزن والألم.

وعلّقت مفوضية حقوق الانسان من جانبها على تكرار العمليات الارهابية التي تستهدف ارواح المواطنين.

وقال عضو المفوضية، فاضل الغراوي لـ»طريق الشعب»، إن المفوضية «اصدرت بيانا رسميا ادان التفجيرات الاخيرة التي راح ضحيتها شهداء كثر وجرحى، نتيجة عدم التعامل الجيد مع المعلومات الاستخباراتية. كما ان تكرار الخروقات الأمنية في أكثر من مكان يجب ان لا يذهب ادراج الرياح، والمفوضية طالبت القائد العام للقوات المسلحة بمراجعة كل الخطط الأمنية ومحاسبة المقصرين».

وتابع الغراوي «المفوضية تعتبر الملف الأمني من الملفات الشائكة والمعقدة. وهي تتحدث عن ذلك بصراحة تامة، فهناك انتهاكات تقوم بها عصابات ارهابية لديها قوة كانت على الارض ولها امتدادات وعصابات تقوم بعمليات خطيرة، وبالتالي نحن نرى أن المعلومات أو بعض التقارير التي تتحدث عن انتهاء قوة الارهابيين غير صحيحة، ولا بد من ان تقوم الجهات المعنية بتكثيف جهودها والقيام بمراجعة شاملة من اجل انهاء هذا الملف الذي يتطلب القيام بمجموعة كبيرة من الخطوات».

عرض مقالات: