اخر الاخبار

ماذا بعد انسحاب الأمريكان؟

في طاولة حوار مستديرة، طرح موقع المجلس الأطلسي عشرة أسئلة على خبراء في السياسة الدولية حول إنهاء العراق والولايات المتحدة لعملية "العزم الصلب"، التي انطلقت لمواجهة تنظيم داعش ولتحقيق الاستقرار الإقليمي. وخلصت المناقشات إلى أن الفترة القادمة ستكون فترة فرص وتحديات وعدم يقين في آنٍ واحد، وستشهد العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق تطورات مهمة، معتبرين الانتقال إلى إطار أمني ثنائي اختبارًا مهمًا لكلا البلدين، يتطلب التزامًا مستدامًا في مجالات محددة، لضمان استمرار الاستقرار وتحقيق ردع فعّال ضد التهديدات الداخلية والخارجية.

تعاون ثنائي

وركز المشاركون على أن إنهاء المهمة قد يمثل فرصة لإعادة بناء الشراكة بعيدًا عن التوترات السياسية السابقة، مع تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بما يخدم استقرار العراق وتنميته. ورأى بعضهم أن الانسحاب يمثل انتقالًا إلى شراكة ثنائية تركز على مكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، وأمن الحدود، والمناورات العسكرية، وتبادل المعلومات والتعاون الأمني، فيما تساءل آخرون عن حقيقة الانسحاب في ظل غياب المعطيات حول استمرار وجود القوات الأمريكية وعددها ومواقعها. وأعرب بعضهم عن اعتقاده بأن الانسحاب الكامل يمثل إضعافًا للنفوذ الأمريكي مقابل تعزيز النفوذ الإيراني ونشاط داعش، الذي لا يزال يشكل تهديدًا إقليميًا وعالميًا.

نقطة تحول هامة

وجد المشاركون في نهاية المهمة نقطة تحول كبيرة في العلاقة الأمريكية–العراقية، توفر فرصة لإعادة تشكيل ليس فقط الشراكة الأمنية، بل العلاقة الشاملة بين البلدين، بعد أن اعتبر العراق الانسحاب تأكيدًا لسيادته، فالوجود العسكري الأمريكي كان ولا يزال قضية خلافية داخلية، وقد يؤدي تطبيع هذه الشراكة الأمنية إلى تقليل هذا التوتر. وأعرب بعضهم عن اعتقادهم بأن الانسحاب يمثل، بالنسبة للولايات المتحدة، نهاية أول تدخل عسكري كلف مليارات الدولارات وآلاف الأرواح، وأسفر عن تراجع أهمية العراق في الوعي العام الأمريكي، وحتى بين صُنّاع القرار في واشنطن.

ودعا عدد من المشاركين إلى توسيع العلاقة الثنائية عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك الاستثمار في قطاع الطاقة العراقي، الذي لا يزال غير مستغل بشكل كافٍ، معتبرين أن تعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة يمثل مساهمة جادة في استقراره وأمنه على المدى الطويل.

وجود كارثي

وقيّم المشاركون المهمة العسكرية الأمريكية في العراق بأنها مزيج من النجاحات والإخفاقات؛ ففي الوقت الذي أسهمت فيه بالإطاحة بنظام صدام حسين وهزيمة داعش، فإنها أدت إلى زيادة الانقسامات الطائفية، وزعزعت الاستقرار الإقليمي، وأحدثت تراجعًا في بنية العراق التحتية، وتسببت بخسائر بشرية جسيمة أثّرت على نسيجه الاجتماعي. ورأى بعضهم أن المهمة الأمريكية قد أسفرت، من منظور جيوسياسي، عن نتائج غالبًا ما يُنظر إليها على أنها عكس ما كان مقصودًا.

وكانت التكلفة الإنسانية للتدخل الأمريكي فادحة؛ فقد لقي مئات الآلاف من المدنيين العراقيين حتفهم، ونزح ملايين آخرون، وتعرضت البنية التحتية للبلاد لأضرار كارثية. وبعيدًا عن الدمار المادي، مزّقت الحرب النسيج الاجتماعي، وأضعفت ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وخلّفت جيلًا بأكمله مثقلًا بآثار الحرب النفسية والاجتماعية. وبالنسبة لكثير من المراقبين، فإن هذه الآثار الإنسانية والتنموية تمثل الجانب الأكثر مأساوية واستمرارية في إرث المهمة الأمريكية.

نكسة استراتيجية

ورأى بعض المشاركين بأن نهاية عملية "العزم الصلب" قد تأخرت ثماني سنوات، بعد تحقيق هدفيها المعلنين: القضاء على التهديد الوجودي لعملية التحول الديمقراطي في العراق والنظام السياسي الذي يقود هذا التحول، وإعادة تشكيل الجيش العراقي كقوة أمنية أكثر ثقة، قادرة على حماية الشعب من تهديد مشابه مستقبلي. ولهذا، فإن عدم إنهاء المهمة كان سيبعث برسالة خاطئة للشعب، مفادها أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق سيستمر إلى أجل غير مسمى.

ووجد بعض المشاركين في الانسحاب نكسة استراتيجية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، إذ أنها غيّرت توازن القوى الإقليمي لصالح إيران، وأضعفت تحالفات واشنطن. وغالبًا ما يُستشهد بتجربة العراق كمثال تحذيري على ما يُعرف بـ"التوسع الجيوسياسي المفرط"، حيث يؤدي النجاح العسكري قصير المدى إلى زعزعة الاستقرار طويل الأمد.

واعتبر المشاركون أن الغزو وتبعاته، وطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العراق والمنطقة، كانت سببًا رئيسيًا في صعوبة إقناع الشعب العراقي بفكرة وجود شراكة متبادلة الفائدة بين البلدين.

ما الذي يحمله الغد؟

وحول اليوم التالي، ذكر المشاركون بأن تحسنًا في العلاقات الثنائية بين واشنطن وبغداد يمكن أن يتحقق، مما قد يثير مخاوف طهران ويدفعها إلى عرقلته، خاصة إذا تعلق الأمر بتوسيع العلاقات الاقتصادية أو غيرها من أشكال التعاون. واستنتجوا أن العراق بحاجة إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الولايات المتحدة وإيران، وهو توازن صعب، لأن أياً من الطرفين لن يكون راضيًا بالكامل عن النتيجة.