اخر الاخبار

بعد أكثر من عقدين على سقوط النظام الديكتاتوري، لا يزال مسار الديمقراطية في العراق، يواجه تحديات كبيرة تجعلها تجربة ناقصة وهشة. فظاهريا، تبدو العملية السياسية قائمة، مع انتخابات متكررة، لكن الواقع يكشف العكس من ذلك. فالسلطة السياسية في العراق  بحسب مراقبين، ما زالت تهيمن عليها الطائفية والمحاصصة، فيما يشكل الفساد المالي والسياسي وانتشار السلاح المنفلت عوائق رئيسة أمام أي تقدم ديمقراطي حقيقي، ليبقى التحدي الأكبر بحسبهم، هو تحويل الشكل الديمقراطي الراهن إلى ممارسة فعلية ومؤسسات قوية، قادرة على حماية الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية.

 طائفية ومحاصصة سياسية

من جانبه، اكد المنسق العام للتيار الديمقراطي، أثير الدباس، أن التجربة الديمقراطية في العراق ما زالت تعاني من أزمات بنيوية عميقة تهدد مسارها الطبيعي، مشيرا الى أن “الديمقراطية في العراق لم تُطبق منها سوى الانتخابات، وحتى هذه العملية يشوبها الكثير من الخلل والانتهاكات”.

وقال الدباس في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "الطائفية السياسية ونظام المحاصصة، إلى جانب هيمنة قوى سياسية محددة وانتشار السلاح المنفلت والمال السياسي الفاسد، تمثل أبرز العقبات التي واجهت العراق بعد 2003".

وأضاف أن هذه العوامل “التهمت جوهر الديمقراطية، وجعلتها شكلاً بلا مضمون، أو شبه ديمقراطية تُدار وفق توازنات مصالح ضيقة بعيداً عن مفهوم الدولة المدنية”.

وتابع أن أي حديث عن انتعاش الديمقراطية في العراق لا يستند إلى واقع ملموس، ما دامت هذه الممارسات قائمة، وما دام قانون الأحزاب غير مطبق بشكل صارم، وما دامت الميليشيات تتحكم بمصائر الناس بقوة السلاح.

كما أكد الدباس أن المال السياسي الفاسد شكّل أحد أخطر التحديات، إذ أسهم في تشويه العملية الانتخابية وإفراغها من معناها، محذراً من أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى “تآكل ثقة المواطن بالنظام السياسي برمته، ويزيد من عزوف الناخبين عن المشاركة، وهو ما يهدد مستقبل الديمقراطية في البلاد”.

وعدّ المنسق العام للتيار الديمقراطي، أن ما يجري في العراق اليوم لا يمكن وصفه بالديمقراطية الحقيقية، انما هي “ديمقراطية مسلوبة، سُلّمت للطائفية والمحاصصة والسلاح والفساد. ونحن في التيار الديمقراطي ومعنا القوى المدنية سنواصل النضال من أجل بناء صيغة أفضل للديمقراطية، تستند إلى العدالة والمواطنة وسيادة القانون”.

وختم الدباس بالقول: “رغم صعوبة المرحلة وضخامة التحديات، إلا أننا نؤمن أن لا بديل عن الديمقراطية كخيار وطني شامل، ونعمل على إعادة الاعتبار لها عبر ترسيخ قيم المواطنة، والحؤول دون التوظيف السياسي للدين، وبناء مؤسسات دولة قوية قادرة على حماية حقوق المواطنين بالتساوي”.

 مختزلة بالانتخابات

على صعيد اخر، اعتبر رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي، حيدر سعيد، ان العراق بعد نحو ربع قرن من تجربة الديمقراطية، بحاجة إلى وقفة جادة لتقييم منجزاتها، مشيراً إلى أن العملية الديمقراطية في البلاد اختزلت اليوم في الانتخابات فقط.

وقال سعيد في تصريح لـ"طريق الشعب"، ان الديمقراطية تمارس في العراق بعيداً عن المخرجات الحقيقية للعملية الديمقراطية، مثل سيادة القانون، واستقلال القضاء، والحريات العامة”.  وأضاف أن "الوضع غير المستقر الذي عاشه العراق على مدار السنوات الماضية، دفع بعض الأطراف إلى الاعتقاد بأن السلطة الصارمة والقوية هي الحل الأمثل، وهو ما أدى إلى تقويض فرص بناء ديمقراطية حقيقية".

وأكد أن الحديث عن ان الديمقراطية في البلاد تشهد فترة انتعاش غير دقيق، فيما الواقع يشير إلى العكس، مشدداً على أن “الديمقراطية في العراق اختزلت في مجرد أداء شكلي، ونجد ان العراق في الكثير من المؤشرات والتصنيفات لا يصنف على انه دولة ديمقراطية”.

ورأى أن التحدي الأكبر يكمن في "ترسيخ المبادئ الديمقراطية بشكل متكامل، بعيداً عن الانحيازات الطائفية والحزبية، وبما يضمن استقرار المؤسسات وسيادة القانون وحماية الحريات الأساسية للمواطنين".

ناشئة وهشّةوتواجه تحديات كبرى

وعلى صعيد متصل، وصف الكاتب والصحفي زياد العجيلي الديمقراطية في العراق بأنها “ناشئة وهشة”، مؤكداً أن البلاد لم تتمكن منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 من تأسيس تجربة ديمقراطية حقيقية.

وقال العجيلي في حديث مع "طريق الشعب"، انه من غير الممكن أن "نطبق الديمقراطية كاملة خلال 23 سنة فقط. حتى الثورات الكبرى في أوروبا، مثل الثورة الفرنسية، استغرقت أكثر من مئتي عام لتثبيت مبادئ الديمقراطية ومواجهة معادياتها”.

وأشار العجيلي إلى أن "ما يُمارس حالياً في العراق لا يمكن اعتباره ديمقراطية فعلية، بل هو “شبه ديمقراطية” محدودة تقتصر على الانتخابات"، واصفاً الانتخابات بأنها “الحلقة الأضعف في النظام الديمقراطي”.

واكد أن القوى السياسية تختزل الديمقراطية في هذه العملية فقط، متجاهلة بقية أركانها الحيوية مثل حرية التعبير، حرية الصحافة، حقوق الإنسان، التنظيم السياسي، وفصل السلطة عن المحاصصة الطائفية والحزبية.

وأضاف انه “حتى الديمقراطية الناشئة، إذا صح التعبير، فهي غير مكتملة وهشة. فلم نشهد ظهور قوى ديمقراطية مؤثرة في المشهد السياسي، وما زلنا بعيدين عن ترسيخ مبادئ الديمقراطية الأساسية".

وحول المرحلة الحالية الحساسة التي يمر بها العراق، رأى العجيلي أن البلاد بحاجة إلى زعامات سياسية حقيقية لتنظيم الوضع الداخلي، مبينا انه “لا وجود اليوم لقوى سياسية متماسكة، بل أفراد يشكلون فرقاً سياسية متفرقة، وفي ظل هذا الواقع الصعب، لا بد من قيادة واضحة لتوحيد الرؤى وضبط أداء المؤسسات لضمان استقرار الدولة”.

وختم العجيلي حديثه بالقول إن “المرحلة الحالية حرجة وتتطلب تركيزاً على بناء الديمقراطية بشكل متكامل، بعيداً عن المحاصصة والطائفية والفساد، لضمان مستقبل أفضل للعراق”.

 ديمقراطية هجينة

اما الناشط السياسي مهتدى أبو الجود، فقد اعتبر أن تجربة الديمقراطية في العراق “تقتصر على الشكل فقط”، مشيراً إلى غياب الفصل الفعلي للسلطات، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية الرأي، بينما هذه هي أسس رئيسية تقوم عليها أي ديمقراطية في العالم.

وقال ابو الجود في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الديمقراطية، وفق التجارب العالمية، تصحح نفسها بوجود أصحاب الرأي، والصحافة الحرة، والكتابة، والثقافة، والإعلام، والحركات السياسية والأحزاب الناشئة، لكن الواقع العراقي  عكس ذلك تماماً، لا سيما في ظل الاستبعادات السياسية للمرشحين الذين تختلف توجهاتهم مع الحكومة والسلطة الحالية"، وهو ما اعتبره دليلاً على اتجاه النظام نحو المزيد من الشمولية والاستبداد.

وأضاف أبو الجود ان “الديمقراطية لا يمكن اختزالها بالانتخابات، فالمواطن لا يقتصر دوره على التصويت فقط، إذ له حقوق وواجبات متعددة ضمن منظومة كاملة من المؤسسات والضوابط التي تحمي الحريات وتضمن العدالة والمساءلة”.

وختم قائلاً: “إذا حاولنا وصف الديمقراطية في العراق اليوم بكلمة واحدة، فهي، هجينة، تجمع بين عناصر من الديمقراطية والاستبداد”.