مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقبلة، تتصاعد المخاوف حول نزاهة العملية الانتخابية، بعد استبعاد اكثر من 700 مرشح لأسباب متعددة؛ إذ يرى مراقبون أن الانقسامات السياسية، وحجم الإنفاق الضخم على الدعاية التي لم تبدأ رسميا بعد، وغياب الثقة الشعبية بالمنظومة الحاكمة، يزيد من التعقيدات المحيطة بالاستحقاق القادم.
وتعد الانتخابات البرلمانية القادمة، من أكثر الدورات تعقيدا منذ سنوات، بحسب المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم، ووجود المال السياسي، الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
استغلال المال السياسي
وكان تحالف الشبكات والمنظمات الوطنية لمراقبة الانتخابات في العراق، حذر قبل يومين، من تصاعد ظاهرة الدعاية الانتخابية المبكرة واستغلال المال السياسي من قبل بعض الأحزاب والتحالفات، قبل تحديد أرقام القوائم والمرشحين.
وأكد التحالف، أن هذه الممارسات تمثل خرقاً صريحاً للقانون وتمسّ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، داعياً المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تشمل إنذار القوائم المخالفة وإزالة الإعلانات الدعائية المخالفة خلال 48 ساعة.
من جهته، أكد رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عماد جميل، أن المفوضية شكلت ما يقارب عشرين لجنة مركزية في مكاتب المحافظات إضافة إلى لجان في إقليم كردستان، تتولى مهمة رصد المخالفات الانتخابية وتلقي البلاغات من المواطنين والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين.
وأوضح جميل، أن بعض الجهات المخالفة جرى تنبيهها، فيما فُرضت غرامات مالية على من استمر في تجاوزاته، بلغت بين مليوني وخمسة ملايين دينار، خاصة فيما يتعلق بمخالفات النشر الدعائي.
وأضاف أن المفوضية حددت موعد انطلاق الحملات الانتخابية في التاسع عشر من الشهر الجاري، وتنتهي قبل أربع وعشرين ساعة من يوم التصويت المقرر في التاسع من تشرين الأول، حيث يبدأ الصمت الانتخابي.
وأشار إلى أن أي دعاية انتخابية خارج هذه المدة تعد مخالفة قانونية قد تصل عقوبتها إلى استبعاد المرشح أو الحزب من المنافسة، لاسيما إذا تضمنت خطاباً طائفياً أو محرضاً.
مخالفات الدعاية المبكرة
من جانبها، شددت عضو الفريق الإعلامي في المفوضية نبراس أبو سودة، على أن المفوضية تتابع المخالفات الخاصة بالدعاية المبكرة وتتخذ بشأنها الإجراءات القانونية اللازمة، بما يضمن عدالة المنافسة وتكافؤ الفرص. وجددت التأكيد على التزام المفوضية الكامل بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة وفق السياقات الدستورية والقانونية.
وفي سياق الاستعدادات الفنية، صادق مجلس المفوضين مؤخراً على الانتشار النهائي لسجل الناخبين الخاص بالتصويت العام، وبدأت المفوضية باتخاذ إجراءات طباعة السجل وتوزيعه على المراكز الانتخابية ضمن المدد المحددة. كما تواصل المفوضية استكمال طباعة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون بطاقة بايومترية في مطابع دولية، على أن يجري توزيعها منتصف الشهر الحالي عبر ١٠٧٩ منفذاً ثابتاً، إضافة إلى الفرق الجوالة التي ستصل إلى المناطق النائية، وفق خطة لوجستية بالتنسيق مع اللجنة الأمنية العليا للانتخابات.
أما أوراق الاقتراع، فهي قيد الطباعة وتشمل نموذجين: الأول خاص بالقوات الأمنية والنازحين، والثاني للاقتراع العام الذي يطبع بشكل منفصل لكل محافظة بحسب القوائم والمرشحين. وسيجري توزيع هذه الأوراق فور وصولها إلى العراق، ضمن خطة لوجستية معدة مسبقاً وبجدول زمني يتناسب مع موعد الانتخابات.
رغم إعلان المفوضية فرض غرامات مالية على المخالفين تراوحت بين مليوني وخمسة ملايين دينار، إلا أن هذه العقوبات تبدو في نظر كثير من المراقبين غير رادعة بما يكفي. فالمبالغ المفروضة لا تعادل في بعض الحالات أكثر من عشرة في المائة من كلفة لافتة دعائية واحدة، ما يجعل بعض الكيانات السياسية تنظر إليها كجزء من "تكلفة الحملة" وليس كعقوبة تستحق التوقف أو إعادة النظر في السلوك الانتخابي.
هذا الواقع يثير تساؤلات حول جدوى هذه الغرامات في ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين، إذ قد يستغل المرشحون ذوو الإمكانات المالية الكبيرة هذا الهامش القانوني لتكثيف دعاياتهم المبكرة أو غير المشروعة، فيما يلتزم المنافسون الأقل موارد بالقانون، مما يخل بمبدأ العدالة الانتخابية.
ويرى مختصون أن المفوضية بحاجة إلى إعادة تقييم آليات الردع، عبر رفع سقف الغرامات وربطها بحجم الإنفاق الانتخابي أو اللجوء إلى عقوبات أشد مثل الحرمان المؤقت أو الاستبعاد الكامل عند تكرار المخالفات، بما يحافظ على نزاهة العملية الانتخابية وثقة الناخبين.