أزمة طاقة رغم الثروة النفطية
تحت هذا العنوان، كتبت فيليسيتي برادستوك مقالًا لموقع Oilprice، تحدثت فيه عن معاناة البلاد، التي تمتلك خامس أكبر احتياطيات نفطية مُثبتة في العالم وتُعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، من أزمة طاقة مستمرة وانقطاعات يومية في الكهرباء، نتيجة سنوات من الاضطرابات السياسية، وسوء إدارة الأموال العامة، وإهمال البنية التحتية للطاقة. ويأتي ذلك في وقت تُلحق فيه العقوبات الأكثر صرامة على الكهرباء الإيرانية ضررًا بالغًا بقطاع الطاقة العراقي، مما يُبرز الحاجة إلى الاستثمار لتحقيق استقلالية أكبر في مجال الطاقة على المدى الطويل.
لا موازنة بلا نفط
وذكرت الكاتبة أن عائدات الصادرات النفطية في العراق تُساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، حيث تمثل حوالي 90 في المائة من إجمالي إيرادات الحكومة. وأشارت إلى أن انخفاضها بنحو 22 في المائة بين عامي 2022 و2023، بسبب تراجع أسعار النفط الخام وانخفاض الإنتاج بعد تخفيضات "أوبك+"، وانقطاع الإمدادات من شمال البلاد، أدى إلى تأخير خطير في إقرار التشريعات الرئيسية والميزانية الوطنية، إضافة إلى تقييد التمويل لمشاريع الطاقة الكبرى.
رفض شعبي
وبيّن المقال أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمياه في جميع أنحاء البلاد يؤدي غالبًا إلى اندلاع عشرات الاحتجاجات الجماهيرية، خاصةً حين يتزامن ذلك مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة، التي تتجاوز 50 درجة مئوية وتؤدي إلى انهيار شبكة الكهرباء. فيما أصبحت الانقطاعات القصيرة التي تمتد لعدة ساعات أمرًا شائعًا، يعالجه السكان من خلال شراء الطاقة من مولدات أهلية تعمل بالديزل.
مشكلة مستعصية تبدو غريبة
وأعربت الكاتبة عن إن الدهشة من وجود أزمة طاقة في بلد يتميز بإنتاجه النفطي المرتفع وبتواجد كثيف لشركات أجنبية نشطة في هذا القطاع، سرعان ما تتبدد حين تتوضح العوامل التي أدت إلى ذلك، بدءًا من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وما أعقبه من سنوات اضطرابات سياسية، وسوء إدارة لقطاع النفط، والنقص الحاد في الاستثمار في الشبكة الوطنية، إلى جانب ترسخ حالة عدم اليقين السياسي، والفساد، واختلاس الأموال العامة المخصصة للبنية التحتية للطاقة.
وذكّرت الكاتبة بأن العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على واردات الغاز من دول أخرى لتوليد الطاقة - كإيران، التي توفر نحو 47 في المائة من الغاز الذي يستهلكه - يمتلك احتياطيات غاز كبيرة، لكنه يقوم بإحراقها منذ سنوات بدلًا من تطوير هذه الصناعة. وهو ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية هائلة وتلوّث بيئي خطير في آن واحد.
رُبّ ضارة نافعة
وأشارت الكاتبة إلى أن قرار إدارة ترامب بإلغاء الإعفاء الممنوح سابقًا للعراق من مشتريات الكهرباء الإيرانية، قد قلّل من قدرته على شراء الكهرباء من إيران، التي كانت تمثل حوالي 3 في المائة من إمدادات الطاقة في البلاد. ونقلت عن خبراء قولهم إن هناك فرصة لبغداد لمواجهة هذا المأزق من خلال زيادة استثماراتها في البنية التحتية للطاقة، التي أُهملت طويلًا.
ومع ذلك، أكد المقال على أن أزمة الطاقة في العراق لا يمكن حلّها بشكل فوري، حتى وإن كان بالإمكان تحفيز التنمية على المدى البعيد. فشبكة الكهرباء الحالية لا تولد أكثر من 28 جيجاواط، وهو حجم صغير جدًا بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 46 مليون نسمة، ويصل الطلب فيه خلال فترات الذروة إلى نحو 48 جيجاواط.
ويستدعي هذا الوضع تعزيز سلطة الحكومة المركزية، وزيادة الاستثمارات في تحسين وتوسيع شبكة النقل، ومشاريع الطاقة المتجددة، وتنويع مصادر الطاقة، وتعزيز أمنها على المدى الطويل، إضافة إلى تقليل قدرة الجارة الشرقية على التأثير في البيئة السياسية للبلاد.