اخر الاخبار

بعد عقود من هيمنة شركات محددة على قطاع الاتصالات في البلاد، وقعت الحكومة العراقية، أخيراً، عقد تأسيس الشركة الوطنية لخدمات الاتصالات الهاتفية النقالة، كشركة مساهمة عامة، تقدم خدمة الجيل الخامس “5G” المتطورة. ومن المقرر أن تساهم في الشركة ثلاث جهات حكومية رئيسية وهي كل من صندوق تقاعد موظفي الدولة، المصرف العراقي للتجارة، وشركة السلام العامة التابعة لوزارة الاتصالات.

وطبقا لمختصين، فإن خطوة تأسيس الشركة يجب أن تتبعها الحكومة بـ"تخصيصات مالية كبيرة، إضافة إلى تشكيل وتدريب فرق فنية مختصة بهذا المجال".

ويعد ملف شركات الهواتف النقالة من الملفات الشائكة والمثيرة للجدل، إذ أقدم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي على تجديد رخص شركات الهاتف النقال في 8 تموز 2020، لمدة 5 سنوات، من دون أن توفي الشركات ما بذمتها من أموال لخزينة الدولة.

وسمح قرار التجديد لـ (الشركات الرئيسية الثلاث) بالسيطرة على كافة حزم الاتصال، أي احتكرتها بالكامل، وبحصولها على حزم إضافية كان من المفترض أن تكون مخصصة لشركة اتصال رابعة، وهي الشركة الوطنية التي جرى تأسيسها أخيرا.

لا تقييد للقطاع الخاص

وفي إعلان التأسيس الرسمي، أكد رئيس الوزراء، ان الهدف هو ان تكون الشركة منافساً فعالًا لبقية الشركات في تقديم أفضل خدمات الاتصالات، التي أصبحت تشمل الاقتصاد والتعليم والتنمية بشكل عام.

وقال السوداني، إن هذه الخطوة تعد الأولى من نوعها بدخول ثلاث جهات حكومية في تأسيس شركة للهاتف النقال، مع إتاحة الاكتتاب أمام المواطنين للمساهمة في رأس المال، كأحد المسارات التي تعتمدها الحكومة لتعزيز الاقتصاد غير النفطي.

وأضاف أن تأسيس الشركة لا يعني تقييد القطاع الخاص، وإنما خلق بيئة تنافسية تضمن تقديم أفضل الخدمات للمواطنين. وأكد ضرورة استكمال الإجراءات لضمان إطلاق الخدمة، خصوصًا مع توفير خدمة الجيل الخامس “5G” المتطورة التي ستكون متاحة لكافة المواطنين.

وتعد خدمات الاتصالات والإنترنت في العراق من الأسوأ في بلدان المنطقة والأعلى تكلفة أيضا، فبطاقات التعبئة أسعارها مرتفعة مقارنة بالخدمات المقدمة، إذ أن البطاقة الواحدة تستخدم لإجراء المكالمات الهاتفية والرسائل النصية، وتحتسب المكالمة فيها بالدقائق وليس بالثواني.

كما يعاني المواطن من ضعف جودة الاتصالات داخل المدن.

 ما شروط نجاحها؟

من جهته، قال الباحث في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، إن التعاون بين الشركة الوطنية للاتصالات وشركة فودافون البريطانية يمثل فرصة استراتيجية للعراق، إذا ما استُغلت بشكل صحيح.

وأضاف حنتوش لـ"طريق الشعب"، أن هذه الشركة، بصفتها جهة حاصلة على رخصة من هيئة الإعلام والاتصالات، ستعمل تحت إشراف الهيئة، مع تمويل من صندوق التقاعد والمصرف الوطني، ما يضمن توفير إطار مالي وإداري متين.

وتابع حنتوش، أن نجاح الشركة في تقديم خدمات اتصالات عالية الجودة يمكن أن يجعلها الرائدة في السوق المحلية خلال فترة زمنية قصيرة، لافتاً الى أن دمج الخبرة العالمية لشركة فودافون مع الدعم الحكومي، سيشكل نموذجاً عملياً يمكن الاستفادة منه لتعظيم أرباح الشركة ودعم خزينة الدولة.

وزاد بالقول: إن المشروع يمثل نموذجاً يحتذى به لتعظيم العائدات وتعزيز كفاءة القطاع العام، مؤكداً أن الهدف هو خلق بيئة استثمارية مستدامة، تخدم المستهلكين وتحقق استفادة الدولة بشكل مباشر.

 فرصة لتطوير السوق وكسر الهيمنة

من جانبه رهن المختص في الشأن التكنولوجي، سامر الظفيري، نجاح الشركة الوطنية للاتصالات بـ"تقديم خدمات جاذبة ومتنوعة لاستقطاب المستخدمين، على ان تكون خدمات ذات جودة وتعزز قدرة منافستها، إضافة لتطبيق معايير صارمة في إطار الجودة والخدمة، إلى جانب الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وبرامج تتبع الأداء لضمان استمرارية العمل بكفاءة".

وقال الظفيري في حديث مع "طريق الشعب"، أن وجود شركة مدعومة حكومياً، يسمح بكسر احتكار وهيمنة الشركات الخاصة المعروفة في السوق العراقي، شرط أن يتم توفير إطار تنظيمي واضح، ودعم مالي واستراتيجي من قبل الدولة لصالح عمل هذه الشركة، إلى جانب دعم الشراكات الدولية التي تقدم خبرة عالمية في مجال الاتصالات.

وأضاف “إذا نجحت الشركة في الالتزام بالمعايير المهنية والتقنية العالية، يمكن أن تصبح نموذجاً يحتذى به في تطوير قطاع الاتصالات، وتحقيق منافسة عادلة تخدم المستهلكين وتعزز مكانة العراق في السوق الاقليمية”.

 ثلاث محاور أساسية

وعضّد الخبير الاقتصادي، صالح الهماشي، من طرفه، ما ذهب اليه الظفيري، بالقول أن "اهمية الشركة الوطنية للاتصالات، تكمن في انها من الممكن ان تحقق تأثيرا مباشرا على السوق المحلية، وخلق منافسة عادلة".

وقال الهماشي في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن نجاح هذه الشركة مرهون بثلاثة محاور: "الإطار التنظيمي والرقابي الصارم لضمان الشفافية ومكافحة الفساد، التمويل الذكي والاستثمار المستدام لدعم مشاريع تكنولوجية حديثة؛ والاهم هو الشراكات التقنية العالمية للاستفادة من خبرات الشركات العالمية الرائدة، مع الحفاظ على الملكية الوطنية والمعرفة التقنية.

واكد أن تحقيق هذه الشروط يسمح بتقديم نموذج اقتصادي علمي يجمع بين الربحية والاستدامة ودعم خزينة الدولة.

 صراع محتمل بين أطراف حكومية

بدوره، قال الخبير في مجال الاتصالات والمعلومات التقنية عمار داود العيثاوي، إن "تشكيل شركة وطنية للاتصالات خطوة مهمة، إذا ما أديرت بالشكل الصحيح، فهذه الشركة يمكن أن تحقق أرباحا هائلة جداً للدولة".

ونبّه إلى أن هناك صراعا بين الجهات المختصة حول عمل شركات الاتصالات في العراق، فشركة (سي أم سي) التابعة لهيئة الإعلام والاتصالات هي المسؤولة عن إعطاء التراخيص، ووزارة الاتصالات هي المسؤولة عن البنى التحتية، والصراع بين هذه الجهات، سوف يشتد مع وجود مردودات مالية.

 تفاصيل الرخصة الرابعة

وفي تشرين الاول من 2023، قرّر مجلس الوزراء منح الرخصة الرابعة للهاتف النقال إلى شركة السلام العامة التابعة لوزارة الاتصالات، لتأسيس شركة وطنية جديدة تدير شبكة اتصالات حديثة تعتمد على تقنيات الجيل الخامس (5G) لأول مرة في العراق، بالشراكة الفنية مع شركة فودافون العالمية.

وأبرز الجهات المشاركة في المشروع، هي: شركة السلام العامة (مملوكة لوزارة الاتصالات، تمثل الجهة التنفيذية الحكومية للمشروع)، وشركة NMTC الوطنية (تم تأسيسها لتكون حاملة للرخصة)، اضافة الى الشركاء الماليون: هيئة التقاعد الوطنية (صندوق التقاعد)، ومصرف التجارة العراقي TBI، والشريك الفني (فودافون البريطانية، تقدم خدمات استشارية وتشغيلية دون تملك الحصة).

فيما تتراوح الكلفة الإجمالية التقديرية لتأسيس الشبكة وتشغيلها بين 1 إلى 2 مليار دولار أمريكي، تشمل: البنية التحتية الأساسية، التراخيص الترددّية، الأنظمة التشغيلية والدعم الفني، الإنفاق التسويقي وتطوير الشبكة.

وبناءً على تحليل السوق، من المتوقع أن تتجاوز أرباح الشركة السنوية 150–200 مليون دولار خلال السنوات الخمس الأولى، مع نمو سنوي يتراوح بين 8% إلى 12%، وتُعاد الأرباح إلى الدولة وصناديق التقاعد، ما يعزز الأثر الاقتصادي والاجتماعي.

أخيرا، يمثّل مشروع الرخصة الرابعة للهاتف النقال في العراق فرصة استراتيجية لإحداث نقلة نوعية في قطاع الاتصالات، وتمكين الدولة من بناء نموذج وطني ربحي وخدمي، لكن نجاح هذه الخطوة يتطلب إدارة كفوءة، شفافية عالية، وتحقيق توازن بين الجوانب التقنية، الاقتصادية، والاجتماعية.