اخر الاخبار

أثارت مدونة تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، التي أقرها مجلس النواب، مؤخرا، جدلاً واسعاً بسبب انعكاساتها المحتملة على حقوق النساء والمجتمع؛ إذ حذر مراقبون من أن المدونة تمنح الزوج سلطة تعديل العقود على أي مذهب دون موافقة الزوجة، ما يجعل خيارات النساء القانونية ضعيفة، ويزيد من معدلات الفقر عبر حرمانهن من حقوقهن الاقتصادية. كما قد تؤدي إلى ظهور زواجات غير منظمة خارج القضاء، ما يرفع المخاطر الصحية والنسبية ويهدد الأسرة والمجتمع.

وبحسب تحليلات قانونية فإن المدونة تتضمن أكثر من 300 مادة يصعب استيعابها خلال فترة قصيرة، بما فيها أحكام تمنح الزوج سلطة مطلقة على حياة الزوجة، وتقيّد حقوق الأخيرة في الميراث والحضانة، ما يتعارض مع مبادئ العصر الحديث. كما يمكن أن تهمش المدونة دور القضاء في المسائل الشرعية وتفتح الباب لتفسيرات فقهية متباينة بين المذاهب، مما يخلق قوانين متناقضة ويؤدي إلى تمييز ديني بين المواطنين ويهدد وحدة المجتمع.

تحول عقد الزواج الى تجاري

وحذرت الناشطة النسوية رؤى خلف من التداعيات القانونية والاجتماعية الخطرة للمدونة الجديدة، مؤكدة أنها قد تقوض حقوق النساء، وتزيد من ضعفهن الاقتصادي والاجتماعي.

وقالت خلف لـ "طريق الشعب"، إن المؤيدين للمدونة ينقسمون إلى فئتين، الأولى تعتمد على فهم سطحي للمعلومات، حيث يقرأ الأشخاص سطرا أو خمسة أسطر فقط، دون التعمق في محتوى الصفحات الكاملة أو الصياغة المعقدة للمدونة، وهو ما يؤدي إلى انتشار معلومات مغلوطة. أما الفئة الثانية، فهي تصدق أخبارا مضللة عن حرية الزواج والتسجيل على أي مذهب، معتقدين أن الزوجين يمكنهما اختيار أي مذهب بحرية تامة.

وأضافت خلف، أن الواقع مختلف تماما حيث يحق للزوج تعديل العقد على أي مذهب دون علم الزوجة أو موافقتها، ما يجعل خيارات النساء القانونية ضعيفة وضعف الضمانات موجود.

وأكدت أن هذه القوانين تؤثر ليس فقط على الزوجة، بل على الأجيال القادمة؛ فاختيار الأب لمذهب معين، مثل المذهب الجعفري، يلزم الزوجة وأولاده مستقبلا بهذا المذهب، حتى لو لم يكن اختيارهم الشخصي.

من الجانب الاقتصادي والاجتماعي، رأت خلف أن المدونة ستزيد من معدلات الفقر بين النساء، عبر حرمانهن من حقوقهن الاقتصادية، بدءًا من الميراث وحتى النفقة، ما يعزز أزمة اقتصادية قائمة ويزيد من التفاوت الاجتماعي. وأضافت أن المدونة قد تؤدي إلى ظهور زواجات غير منظمة خارج القضاء، مما يزيد من المخاطر الصحية والنسبية بسبب نقص الفحوص الطبية وفحوص الأمراض الوراثية، وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا للأسرة والمجتمع.

وأشارت إلى أن المدونة بُنيت على أساس عقد تجاري وليس عقدا أسريا، وأن معظم شروطها موجهة ضد النساء، وكأنها أداة جنسية أكثر منها حماية قانونية.

وقالت انه "لو نظرنا إلى صياغة المدونة، نجد أنها تشبه القوانين في بعض الدول التي تنظم الدعارة، حيث تُحل الأزمة الاقتصادية عبر تقنين استغلال النساء، بدلا من معالجتها".

واختتمت رؤى خلف حديثها بالتحذير من أن استمرار تطبيق المدونة بصيغتها الحالية سيزيد من معاناة النساء على المستويين القانوني والاجتماعي، ويضع الأسرة والمجتمع أمام تحديات كبيرة في المستقبل.

لا تتوافق مع المعايير الإنسانية؟

من جهته، ذكر المحامي محمد جمعة، أن مدونة الأحوال الشخصية التي قرأها في مجلس النواب لا يمكن استيعابها وفهمها في ساعة واحدة، مشيراً إلى أن عدد مواد المدونة يتجاوز 300 مادة، ما يجعل من المستحيل على أي شخص الاطلاع عليها وفهمها خلال مدة قصيرة.

وأوضح جمعة في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الأمر يشير إلى أن بعض أعضاء مجلس النواب صوتوا على المدونة دون دراستها أو الاطلاع على محتواها بشكل فعلي"، معتبراً أن الهدف من التصويت كان مرتبطاً بالمصالح الانتخابية أكثر من كونه استناداً إلى فهم قانوني دقيق للمواد.

وأضاف أن المدونة تحتوي على مواد عدة تتعلق بحقوق الإنسان، لكنه وصف بعضها بأنها "غير متوافقة مع العصر الحديث". وذكر أمثلة على أحكام دينية موجودة في القانون، مثل "اللعان"، الذي يسمح للزوج بالتطليق من زوجته دون الحاجة إلى شهود أو إثباتات، معتبراً أن هذه الأحكام تعطي الزوج سلطة مطلقة على حياة الزوجة وحقوقها، وهو ما يتعارض مع الفلسفة الحديثة لحقوق المرأة.

وتطرق جمعة أيضاً إلى مسائل أخرى، مثل حقوق الزوجة في الميراث والحضانة، مشيراً إلى أن بعض الأحكام الدينية تجعلها محرومة من هذه الحقوق، بما فيها حضانة الأطفال بعد سن معينة أو عند زواجها مجدداً، مؤكداً أن هذه المواد تشكل قيوداً على حرية المرأة وتضارباً مع مبادئ العصر الحديث.

وأشار المحامي إلى أن المدونة تنظر إلى المرأة على أنها واجبها الأساسي هو تمكين زوجها من المعاشرة الزوجية، وهو نص قانوني "غير صحي" في الوقت الحاضر، معتبراً أن هذه النظرة تعكس منظومة قديمة لا تتماشى مع حقوق المرأة الحديثة.

واختتم جمعة حديثه بالقول إن المدونة بحاجة إلى مراجعة شاملة لتحديث أحكامها بما يتوافق مع المعايير الإنسانية وحقوق الإنسان، ومراعاة التطور الاجتماعي والثقافي للمرأة في المجتمع المعاصر.

تضعف قدرة النظام القضائي

فيما قالت الناشطة النسوية سرى سالم، أن "إقرار مدونة تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق سيؤدي إلى تهميش دور القضاء في المسائل الشرعية، ويضعف قدرة النظام القضائي على حماية المرأة والطفل، محذرة من انعكاسات خطيرة على المجتمع والوحدة الوطنية".

واضافت سالم لـ "طريق الشعب"، إن "التعديلات الأخيرة أثارت قضايا طائفية قد تؤثر سلباً على التماسك الوطني، وتجعل العراق في موقف متناقض مع التزاماته الدستورية والدولية"، مشيرة الى أن "نقل السلطة في مسائل شخصية مثل الزواج والطلاق والميراث والحضانة من القاضي إلى رجال الدين، قد يؤدي إلى تطبيق تفسيرات فقهية مختلفة باختلاف المذاهب، مما يخلق قوانين متناقضة وغير متساوية، ويؤدي إلى تمييز ديني بين المواطنين، في انتهاك صريح للمادة 14 من الدستور العراقي التي تنص على المساواة أمام القانون وعدم التمييز على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو المعتقد".

وأشارت الناشطة إلى أن النساء، بمختلف مذاهبهن، سيكونن الأكثر تضرراً من هذه التعديلات، مبينة أن بعض المذاهب تسمح بزواج الفتيات في سن التاسعة، وتجيز تعدد الزوجات والزواج المؤقت، وتسمح بإبرام عقود الزواج خارج المحاكم المختصة، ما يؤدي إلى فقدان حقوق الطرف الأضعف، غالباً المرأة.

وتابعت أن ذلك قد يجبر النساء على اللجوء إلى دعاوى إثبات الزوجية والنسب للحصول على حقوقهن في المهر والنفقة والميراث، وأوضحت أن فشل المرأة في إثبات الزواج سيؤدي إلى حرمانها من حقوقها ورفض نسب أطفالها لوالدهم.

وأكدت سالم أن هذه التعديلات تمثل "كوارث مجتمعية" تهدد مكانة العراق، وتجعل البلاد في مؤخرة الأمم وأضحوكة للعالم، داعية إلى مراجعة شاملة للمدونة بما يضمن حقوق المرأة والطفل ويحافظ على وحدة المجتمع ومبادئ المساواة والعدالة.