اخر الاخبار

غزو العراق

وأفكار نائب الرئيس

نشرت صحيفة بوليتيكو مقابلة مطوّلة أجراها إيان وارد مع نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، خُصِّصت للتعرّف على تأثير خدمته في العراق على تكوين شخصيته، وكيف شكّل احتلال هذا البلد — الذي شارك فيه كجندي في مشاة البحرية — جزءًا من أيديولوجيته في السياسة الخارجية.

اكتشاف الخديعة

وذكر الكاتب أن فانس، الذي كان مغرمًا بمهمة الذهاب إلى الشرق الأوسط "لقتل الإرهابيين"، أدرك مبكرًا أن القوة العسكرية الأمريكية وحدها عاجزة عن تحويل مجتمع معقّد إلى ديمقراطية على النمط الغربي، وأن الغزو زاد من صعوبة تلك المهمة بزعزعته استقرار المجتمع العراقي.

ويبدو أن مشاركته في حماية انتخابات عام 2005، وما شهدته من طائفية وعنف سياسي ورشاوى، ساهمت في ترسيخ قناعته باستحالة استخدام القوة العسكرية الأمريكية لبناء ديمقراطية من الصفر، حيث كتب عن تلك الفترة في عام 2020 يقول "عدتُ عام 2006 متشككًا في الحرب والأيديولوجية التي قامت عليها".

يمين شعبوي

ووفق المقابلة فقد ظهرت تأثيرات تلك الحرب على فانس في مواقفه الرافضة لتقديم مساعدات عسكرية أمريكية إضافية لأوكرانيا، وتركيّز خطابه الشعبوي على نقد وازدراء النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، التي قال إنها كذبت عليه عندما أخبرته بأنها تخوض الحروب "من أجل الحرية والديمقراطية". واعتبر أن وعود "مؤسسة السياسة الخارجية في هذا البلد كانت مجرد مزحة"، على حد تعبيره.

ولم تقتصر تلك التأثيرات على مناهضة التدخل العسكري على الساحة الدولية، بل شملت أيضًا تكوين العديد من الأفكار والميول التي حدّدت فلسفته السياسية الأوسع، والمتمثلة بتشككه في النخب السياسية، وعدائه لوسائل الإعلام، ونظرته المتناقضة إلى الديمقراطية الليبرالية، وأفكاره التقييدية بشأن الهجرة والمواطنة الأمريكية.

إخفاء التغييرات

وأوضح الكاتب بأن فانس بعث من العراق العديد من التقارير الإخبارية ذات المحتوى العسكري واللغة الأدبية الراقية، باعتباره مراسلًا ميدانيًا. وبينما اختار زملاؤه أسلوب إرنست همنغواي في كتابة المراسلات، كان فانس مغرمًا بطريقة فوكنر. وقد خلت تلك التقارير من شكوكه حول مسار مهمة الولايات المتحدة، حيث استمر في امتداح دور قوات بلاده في مساعدة العراقيين على إعادة بناء بلدهم والاعتناء بأنفسهم.

ورغم الادعاءات التي كانت تُضخ له ولزملائه حول إنجازات قوات الاحتلال وقرب انسحابها، فقد اكتشف سريعًا زيف تلك الادعاءات، سواء من خلال التوسّيع المتواصل لقاعدة عين الأسد التي خدم فيها، أو في ازدياد عدد القتلى الأمريكيين، أو الفشل في تهدئة "المتمرّدين" العراقيين، أو عدم إرساء ديمقراطية مستقرة في البلاد.

وأضاف المقال بأن فانس، وبعد أن كان يجادل بأن الشعوب المضطهدة حول العالم تتطلّع إلى الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية كنماذج للأنظمة السياسية الليبرالية التي تطمح إلى تبنّيها، وأن على هذه الدول التزامًا أخلاقيًا وحافزًا جيوسياسيًا لتلبية هذا التطلّع، اكتشف واقعًا مختلفًا تمامًا في العراق، فقد خيّمت الصراعات الطائفية والعنف السياسي العلني على مرحلة الاستفتاء على الدستور والانتخابات، وقال عن ذلك: "هؤلاء الناس لطفاء، ولكنهم لا يكترثون لهذا الأمر إطلاقًا".

دروس مستخلصة

وبيّن المقال بأنه وحينما أشادت إدارة بوش بالانتخابات ووصفتها بأنها "لحظة فارقة في مسيرة الحرية"، استخلص فانس ثلاثة دروس رئيسية من تجربته مع الديمقراطية العراقية المتعثّرة:

الدرس الأول: أن خبراء السياسة الخارجية في الولايات المتحدة كانوا مخدوعين بأيديولوجيتهم الخاصة. ففي واشنطن، كان المعلقون يفسّرون عدم حماس العراقيين للديمقراطية الغربية من منظور سياسي، معتبرين أن العراقيين استاؤوا من انتهاك الولايات المتحدة لسيادتهم الوطنية وردّوا بمقاومة سياسية منظمة. لكن على أرض الواقع، أدرك فانس أن معظم العراقيين يتعاملون مع الصراع بواقعية، فقد جعل وصول القوات الأمريكية البلاد أقل أمانًا واستقرارًا، لذا أرادوا رحيل الولايات المتحدة.

اما الدرس الثاني: أن الديمقراطية، على عكس الفولاذ أو أشباه الموصلات، ليست سلعة قابلة للتصدير بسهولة، إذ "لا يمكنك فرض الديمقراطية على الناس".

ويشير الدرس الثالث الى أن العراقيين كانوا مدفوعين بالحاجة الملحّة إلى الأمن، وربما لا يكترثون كثيرًا بالديمقراطية، فكل ما يريدونه هو بلد آمن.

نقد ما بعد الحرب

بعد تسريحه من الخدمة العسكرية، كتب فانس سلسلة مقالات ألقى فيها باللوم في الحرب على بوش والنخب الجمهورية، التي — حسب رأيه — ضحّت بالأمريكيين البيض بأعداد كبيرة من أجل أوهامها بتصدير الديمقراطية حول العالم، وهو ما أسفر عن "حكومة عراقية عاجزة وغير منظّمة، وشرق أوسط أسوأ حالًا بشكل أقسى مما وجدناه عليه".