حذر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، أمس السبت، من الفساد المالي والإداري المتفشي في مؤسسات الدولة العراقية ودوائرها وانعكاسه وتمدده في مجالات أخرى داخل البلاد، في وقت يرى مراقبون ان الفساد أصبح جزءا من بنية المنظومة السياسية، وأن الحديث عن معالجة هذا الفساد، في جميع الحكومات المتعاقبة، يجري للاستهلاك الإعلامي، لا أكثر.
عثرة أمام العدالة والتنمية
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، إن الفساد عثرة أمام العدالة والتنمية، مؤكدا أن محاربته واجب ومسؤولية دينية واخلاقية لأن المجتمعات الفاسدة لا تقوم لها قائمة.
وتطرق ايضا الى دور بعثة الأمم المتحدة في العراق في مكافحة الفساد، مبيناً إنها عملت على مدى السنوات الماضية، ولا تزال تعمل على وضع برامج واضحة لمكافحة الفساد، وسعت على مدى السنوات إلى تعزيز قدرات الهيئات الرقابية في مجال التحقق والشفافية، كما وضعت نُظما وأُسسا إذا ما طُبقت سترسخ قضاءً نزيهاً مستقلا خالياً من الفساد
واستطرد ممثل الأمين العام لبعثة الأمم المتحدة قائلا: أخشى ما أخشى على أي بلد عزيز كالعراق أن ينتشر فيه، ويتفشى الفساد، ولا احصره في الفساد السياسي فحسب - وهو خطير جدا - بل في الفساد بمفهومه الواسع سواء كان فسادا اخلاقيا أم ماليا أو إداريا أو قضائيا أو حتى علميا ومؤسسيا.
وختاما، دعا الحسان إلى الوقوف بـ"حزم وثبات ضد الفساد"، حاثا على "تعزيز معايير النزاهة واستقلال القضاء والشفافية ومحاسبة الفاسدين والمفسدين من دون انتقاء"، مردفا بالقول "اريد من قلب حريص على هذا الوطن للجميع إلى توخي النزاهة والتحلي بالمسؤولية حفاظا على مسيرة هذا الوطن بعيدا عن الطائفية والفئوية".
تخادم سياسي مع الرأسمال
وقال الرفيق ياسر السالم، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، إن مهمة إيقاف الفساد في العراق بالمفهوم الواسع، لا تقدر على مواجهتها جهة واحدة، انما أصبح منظومة متغلغلة في مفاصل الدولة، وانتشر في المجتمع أيضًا.
وأضاف السالم في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن كسر منظومة الفساد يتطلب إرادة سياسية من قوى نزيهة ذات منظور وطني ديمقراطي، إلى جانب إجراءات متكاملة تشمل تحقيق استقلال قضائي فعلي، وسياسات مالية شفافة، ومؤسسات رقابية فعالة.
وأوضح أن الفساد في العراق يمثل عملية تخادم سياسي مع رؤوس الأموال، حيث تكونت شبكة مصالح متشابكة بين الاقتصاديات الحزبية، والمؤسسات التنفيذية، ورؤوس الأموال النافذة على مدى السنوات الماضية.
وأكد السالم، أن القوى الحاكمة المحاصصاتية ليست لديها القدرة على إحداث تغييرات حقيقية، لأن منظومة المحاصصة تضمن توزيع إيرادات الدولة ومنافعها فيما بينها.
استهلاك إعلامي
الباحث بالشأن السياسي والقانوني د. سيف السعدي، يرى ان الفساد المالي والاداري هو جزء من بنية النظام السياسي من عام 2003 الى غاية يومنا هذا، بحيث لا يستطيع الاستمرار من دون الفساد كونه اصبح جزءا من بنيته السياسية والادارية، حتى اصبحت ديمومة هذه الطبقة السياسية مرتبطة بهذا الفساد.
وقال السعدي لـ"طريق الشعب" ان "اي حديث عن معالجة الفساد على مرّ الحكومات المتعاقبة هو للاستهلاك الاعلامي لا أكثر، كون اي عملية لمعالجة هذا الفساد تتطلب تغييرا جذريا شاملا للطبقة السياسية وهذا ما لم يحصل"، مبيناً ان "جميع الحكومات، كانت شكلت لجان لمعالجة الفساد، والمنهاج الحكومي احتوى على فقرات تتناول معالجة الفساد الاداري والمالي، ولكن ما يزال هذا الفساد يهدد مؤسسات الدولة، كوننا نتحدث عن خلل بنيوي في بنية النظام السياسي".
نظام كليبتوقراطي
وأشار إلى "وجود تخادم بين الطبقة السياسية، إضافة إلى الفساد المشرعن من اجل البقاء والاستمرار بهذا الفساد، بحيث وصلنا الى القول ان لجنة مكافحة الفساد بحاجة إلى لجنة مكافحة فساد والنزاهة كذلك والحارس بحاجة الى حارس بسبب الفساد".
وأشار السعدي إلى "التحذير الذي وثقه التقرير الاستعراضي في 24 اذار 2024 ورسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش الموجه الى رئيس مجلس الامن، وهذا التقرير يحتوي على 101 نقطة من 30 صفحة، وفي النقطة 28 قال ان العراق مهدد بسبب 3 اخطار، الاول هو هشاشة المؤسسات بسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والثاني بسبب السلاح المنفلت وهذا أيضا بسبب الفساد، والثالث هو ان تتشكل عصابات على غرار عصابات داعش واسماها بالجماعات الراديكالية وأيضا هذا الموضوع سببه الفساد، ولو كان هناك منظومة صحيحة ولا يوجد فساد لما شهدنا هشاشة في المؤسسات وسلاح منفلت وان تنبثق جماعات راديكالية".
وانهى بالقول ان "الجميع يحذر من الفساد في العراق، دول ومعاهد ومؤسسات، جميعها تحذر من خطر الفساد على النظام السياسي بعد عام 2003"، لافتاً الى ان "الفساد يهدد استمرارية النظام السياسي وممكن ان يسقط في اي لحظة بسبب توفر عوامل هذا السقوط، وبالتالي يهدد المنظومة السياسية".
محاصصات عائلية
من جانبه، قال الخبير في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين، ان المؤشر الدولي على العراق، وفق مؤشر مدركات الفساد، هو ان الفساد السياسي قد انتج الفساد المالي والإداري من خلال منظومة المحاصصة الطائفية التي ذهبت نحو محاصصات عائلية، وبالنتيجة حماية منظومة الفساد.
واضاف في حديث لـ"طريق الشعب"، ان "الضمان الوحيد للنهوض بالعراق هو العمل على نظام النزاهة الوطني، وتوفير إرادة سياسية ووعي عام وتعزيز القيم الإيجابية مع توزيع الأدوار بين السلطات والجهات الرقابية والإعلام والمجتمع المدني والجهات الدينية معززا بالتعاون الدولي"، لافتا الى ان "أبرز الأدوار يكمن في جودة التشريعات التي أوجدتها السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن المؤشر الدولي مؤخرا بما يخص التشريع الفاسد".
استنزاف أموال الدولة
واوضح ياسين، ان "هناك فجوات قانونية لدى العراق تجاه الالتزامات الدولية ابتداء بالوقاية لتعزيز النزاهة، وأخرى رادعة من خلال الملاحقة. وهنا نحتاج إلى تشريع قانون جديد للعقوبات، وهو مقدم من قبل السلطة القضائية منذ أربع سنوات"، مبينا ان "التدابير الوقائية تحتاج لتشريعات ذات جودة مع تكليف الكفاءة والخبرة والنزاهة في الوظائف القيادية، مع إعادة التدريب واعادة التأهيل بشكل دوري".
واشار الى ان "من التحديات الخطرة عدم وجود قانون للعقود والمشتريات الحكومية والتي تستنزف الاموال دون تحقيق الغايات التنموية، اضافة الى استحواذ الأطراف السياسية من خلال المحاصصة على الاموال والممتلكات العامة، من خلال العقود الحكومية والاستثمارية وبما يصطلح عليه باللجان الاقتصادية".
ونوه ياسين بـ "ضرورة السيطرة على الجرائم العابرة للحدود الوطنية مثل تجارة المخدرات وتهريب النفط والمقتنيات الثمينة وغيرها، وفق المعايير الدولية"، لافتا الى انه "مع وجود تقدم في الجريمة العابرة للحدود نحتاج إلى ضبط منافذ الحدود الدولية للعراق، البرية والبحرية والمنافذ الجوية، وتطبيق برنامج اسيكودا، فضلا عن اهمية العمل على الإصلاح المصرفي وأتمتة التعاملات الحكومية وتبسيط الاجراءات وحوكمة التعاملات اليومية لمنع واحتواء جريمة الرشوة التي تعتبر تحدي كبير امام الجمهور".