اخر الاخبار

مع اقتراب عمر الحكومة الحالية من نهايته، أخذت الوعود الكثيرة، التي أطلقتها قبل ثلاثة أعوام، في ما يخص حصر السلاح بيد الدولة، تتبخر، ومعها الكثير من الملفات التي تضمنها البرنامج الحكومي.

ولا يزال السلاح المنفلت يواصل تهديد الاستقرار والأمن، بالرغم من الحملات الحكومية بفرض السيطرة وتطبيق القانون.

خارج السيطرة

في هذا الشأن، قال الخبير الأمني سيف رعد أن حكومة السوداني واجهت منذ تسلّمها السلطة خروقات أمنية خطرة، بدأت بحادثة آلبوعيثة، عندما استخدمت إحدى الجهات المحسوبة على هيئة الحشد الشعبي، السلاح ضد قوات الشرطة الاتحادية على خلفية نزاع على قطعة أرض، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، في حين لم تُعلن نتائج التحقيقات وتم تسويف القضية.

وأضاف رعد في حديث لـ"طريق الشعب"، أن هذه الحادثة لم تكن سوى البداية، اذ تكررت الخروقات عبر سلسلة اغتيالات في بابل وبغداد من دون الكشف عن الجناة، مشيرا الى أن من أبرز التحديات الأمنية أيضاً "تسريب بيانات تخص الأجهزة الأمنية والوزارات وأرقام الضباط عبر قنوات على “تلغرام”، مبيناً أن رد الحكومة "كان ضعيفاً واقتصر على إغلاق التطبيق لأيام معدودة من دون إعلان نتائج التحقيقات أو كشف المتورطين".

وتابع الخبير الأمني ان هذه القضايا لم تكن عابرة، انما ترتب في الاساس بالسلاح المنفلت بشكل او بآخر.

وأشار إلى أن الحكومة أعلنت عن "خطة استراتيجية لحصر السلاح بيد الدولة، وأوكلت تنفيذها الى وزير الداخلية عبد الامير الشمري، وشملت تسجيل الأسلحة وربطها ببصمة جنائية، وتقديم حوافز مالية مقابل تسليم السلاح، لكنها اقتصرت على المواطنين والعشائر، ولم تمس جوهر المشكلة المتمثلة بسلاح الفصائل، ما جعل الخطة شكلية أكثر منها فعلية.

وزاد بالقول، أن المشكلة الكبرى هي ان "بعض الخروقات ارتُكبت باستخدام سلاح الدولة نفسه، كما حصل في حادثة السيدية التي استُخدم فيها سلاح وعجلات حكومية"، مؤكداً أن "الامر لم يعد يقتصر على السلاح غير المرخص، بل امتد الى استغلال المنظومة الأمنية الرسمية لأغراض غير مشروعة".

ورأى رعد، أن سياسة "مسك العصا من الوسط" التي انتهجتها الحكومة ساهمت في ترسيخ ظاهرة السلاح المنفلت، إذ ما زال هناك سلاح يخضع للقائد العام للقوات المسلحة، يقابله سلاح آخر مرتبط أيديولوجياً وإقليمياً بجهات خارج الدولة.

وختم قائلاً، انه “لا يمكن اعتبار ما يصدر من الحكومة عن إنجازات في ملف السلاح المنفلت منسجما مع الواقع، فالاجراءات لا تلامس جوهر المشكلة، والواقع الأمني يثبت أن التحدي أكبر بكثير، وأن السلاح غير الخاضع للدولة ما زال فاعلاً ومؤثراً في المعادلة الأمنية والسياسية على حد سواء".

دولة عاجزة

من جانبه، قال المراقب للشأن السياسي هاشم الجبوري، ان "هناك تسويقا اعلاميا للحكومة كانها حكومة تنمية وإعمار، ولكن إذا استعرضنا سريعاً ما يسمى بالانجازات سنجد أنها تقتصر على مجموعة من الجسور بكلف مالية خيالية مقارنة بجسور أُنجزت في حكومات سابقة، الأمر الذي يستدعي تدقيقاً مالياً شفافاً بخصوص المبالغ التي خُصصت لتلك المشاريع في الاساس".

وقال الجبوري في حديث لـ"طريق الشعب"، إن "سبب بروز هذه المجسرات وتسويقها على أنها إنجازات يعود الى أن الشعب لم يلمس أي منجز سابقاً، فتم تمرير الاستحقاقات الطبيعية وكأنها إنجازات استثنائية”، مشدداً على أن “الواقع مختلف تماماً؛ فالقطاع الصحي منهار بالكامل، والقطاع الصناعي شبه غائب، أما قطاع الكهرباء فقد أصبح عقدة أزلية ترافق العراقيين منذ سنوات طويلة، فأين الانجازات؟".

وفي معرض حديثه عن السلاح المنفلت، شدد الجبوري على أن “هذا الملف هو الأخطر والأكثر تعقيداً في العراق، إذ ينقسم إلى نوعين: منظم وغير منظم. فالمنظم هو السلاح الذي يمتلك صفة قانونية، لكنه يُستخدم خارج إطار الدولة وضد المواطنين، بل وحتى ضد القوات الأمنية، كما حدث مؤخراً في حادثة مديرية زراعة بغداد/ السيدية"، مشيرا الى انه كان من المفترض أن "يكون حاملو ذلك السلاح تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة، إلا أن ما رأيناه بعد الجريمة هو تصريحات مستفزة من أحد النواب المعروفين بانتمائهم لفصائل مسلحة، لم تكن سوى استهزاء بالقائد العام وبالأجهزة الأمنية".

وعدّ الجبوري، ان السلاح المنفلت تحول الى عامل موازٍ لسلطة الدولة، يتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، ويُستخدم وسيلة ابتزاز وضغط ضد مؤسسات الدولة وضد أي طرف يهدد مصالح حامليه، مضيفا ان "الأخطر من ذلك أن بعض هذا السلاح بات يمتلك غطاءً قانونياً وسياسياً، ما يجعله عصياً على المحاسبة أو حتى المساءلة، الأمر الذي يُفقد الدولة هيبتها أمام مواطنيها".

ورأى ان “الحكومة تعاني اليوم من صراع بين قوتين أساسيتين؛ الأولى تفرض هيمنتها عبر السلاح المنفلت بشكل صريح. والثانية تعمل على إضفاء صبغة قانونية على ذلك السلاح عبر دمجه أو منحه الشرعية. وفي كلتا الحالتين يبقى خارج سيطرة الدولة. وهذا يعني أن القرار السيادي مرهون بقوة السلاح، لا بقوة القانون”.

وختم الجبوري بالقول: “متى ما جرى تهديد مصالح القوى التي تحتكر السلاح، فإنها لن تتردد في استخدامه كأداة لهدم الدولة وقتل المواطنين. لذلك لا يمكن الحديث عن إنجازات أو إصلاحات حقيقية ما دام هذا السلاح طليقاً، فهو الخطر الأكبر على استقرار العراق ومستقبله”.

تحدٍ مستمر يهدد الدولة والسيادة

وفي سياق متصل، أكد المحلل السياسي داوود سلمان أن “الوضع الأمني الراهن في العراق يعكس فشل الحكومة في فرض سيطرتها على المنظومة المسلحة، ويبرز هشاشة الدولة في مواجهة السلاح غير الخاضع للرقابة، سواء كان مرتبطاً بفصائل مسلحة أو جهات داخلية تمثل سلطة موازية”.

وقال سلمان لـ”طريق الشعب”، أن “الملف الأمني لم يعد مجرد اختلال في الأداء الإداري أو قصور في التحقيقات، بل أصبح عامل ضغط سياسي يؤثر مباشرة على صنع القرار الوطني، ويشكل تهديداً للسيادة العراقية، إذ أن أي تحرك سياسي أو اقتصادي يتطلب مراعاة وجود هذه القوى المسلحة التي تمتلك القدرة على فرض إرادتها بالقوة”.

وأضاف أن “محاولات الحكومة الحالية لحصر السلاح بيد الدولة تبدو شكلية الى حد كبير، لأنها لم تمس جذر المشكلة المتمثل بالسلاح المرتبط بالفصائل أو الجهات ذات النفوذ الاقليمي، ما يضع هذه الاجراءات في خانة الدعاية السياسية، والتي هي بطبيعة الحال لا تغير من الواقع الأمني على الأرض”.

واختتم سلمان تصريحاته بالقول انه “بدون فرض سيطرة الدولة الكامل والحد من نفوذ السلاح المنفلت، سيبقى العراق رهينة للمصالح الخاصة والضغوط الاقليمية، وعرضة للابتزاز، ولن تتحقق الاصلاحات أو الاستقرار المنشود، إذ أن المعادلة الأمنية والسياسية مرتبطة بشكل وثيق بهذا الملف الحساس”.