اخر الاخبار

شهدت قاعة مجلس النواب، أول أمس الثلاثاء، صخباً وجدلًا واسعين، في أثناء عرض وتصويت أعضاء البرلمان على قائمة السفراء الجدد التي أرسلها رئيس الوزراء، الى السلطة التشريعية، والتي مررتها الكتل النيابية من دون الاطلاع على السير الذاتية للمرشحين، الذين ترتبط غالبيتهم برؤساء تلك الكتل والأحزاب المتنفذة، وسط اتهامات لرئاسة المجلس بانتهاك الإجراءات القانونية والنصاب البرلماني.

ورحّب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بقرار البرلمان، مثمّنا "روح التعاون" التي أبدتها رئاسة المجلس ولجنة العلاقات الخارجية النيابية والقوى السياسية لحسم هذا الملف المعلق منذ عام 2009.

ويتناقض تصريح رئيس الحكومة مع الخلفية المهنية والتاريخية لقائمة السفراء، التي رسخت المحاصصة الحزبية والطائفية، بدلا من الكفاءة.

وبموجب "تفاهم غير معلن"، بين قوى إدارة ائتلاف الدولة، فإن كل كتلة أو حزب ضمن الائتلاف، يحصل على "نصيب" من البعثات الدبلوماسية، ويقوم بترشيح شخصيات مقرّبة منه، سواء كانت من داخل الحزب أو من الدائرة العائلية والموالين.

تشكيك بقانونية الجلسة

النائب عدنان الجابري أعرب عن استيائه من تكرار التصويت على "قضايا مهمة" دون توفر نصاب قانوني مكتمل.

وقال الجابري، انه "للأسف الشديد، نفاجأ، أكثر من مرة، من قبل رئيس مجلس النواب بالتصويت دون نصاب مكتمل في الجلسة"، مشيرا إلى أن "التصويت على مشاريع القوانين أو السفراء أو أي موضوع آخر يجب أن يكون فقط بحضور نصاب كامل، لضمان شرعيته".

وأضاف النائب، أن قائمة السفراء لم تكن معروضة مسبقًا للتصويت، إلا أن رئيس المجلس أدرجها كفقرة ضمن جدول الأعمال، وخلال التصويت أو قبله غادر العديد من النواب قاعة المجلس، ما أدى إلى كسر النصاب القانوني.

وأوضح الجابري، أن "بعض الأسماء في القائمة محترمة وتمثل شخصيات دبلوماسية وأكاديمية، لكن كثيرًا من الشخصيات غير معروفة، ولم تُعرض سيرهم الذاتية على النواب، ما أثار اعتراضات واسعة".

الطعن بالجلسة

وفي السياق ذاته، كشف النائب عامر عبد الجبار عن عزمه مع مجموعة نواب، الطعن في جلسة التصويت على السفراء، موضحا أن الجلسة عقدت بحضور 169 نائبا، وبعد عرض قائمة السفراء للتصويت انسحب نحو 30 نائبًا وغادروا القاعة، إلا أن التصويت تم على الرغم من كسر النصاب القانوني للجلسة.

وصوّت البرلمان على قائمة السفراء الجديدة بعد جدل نيابي واسع، وهي شملت أسماء 91 مرشحًا، بينهم عديد من الشخصيات المرتبطة بعلاقات أسرية وسياسية مع القوى النافذة.

واتهم زهير الفتلاوي، عضو مجلس النواب عن كتلة إشراقة كانون، رئاسة البرلمان بتمرير قائمة السفراء البالغ عددها 93 اسما دون توفير السير الذاتية للمرشحين أو اطلاع لجنة العلاقات الخارجية عليها، مؤكدًا أن التصويت تم بـ"نصاب غير مكتمل"، مشيرا إلى أن نحو 40 نائبًا غادروا القاعة أثناء التصويت.

وأضاف الفتلاوي، أن هذا النهج ليس جديدًا، وأن البرلمان سبق أن أصدر قرارًا تشريعيًا عام 2008 سمح بتقاسم المناصب العليا بين الكتل السياسية، وهو ما اعتبره خرقًا للمادة 61 من الدستور التي تشترط ترشيح السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة بعد تقديم السير الذاتية والتصويت عليهم فرديًا. وأوضح الفتلاوي أن "75% من الأسماء المدرجة في القائمة الحالية تعود لأقارب الأحزاب والسياسيين، مقابل 25% فقط من العاملين في السلك الدبلوماسي، ما أضعف الأداء المهني".

وأكد الفتلاوي، أن كتلته ستتجه إلى المحكمة الاتحادية لتقديم طعن رسمي في شرعية التصويت داخل القبة.

من جانبه، أعرب النائب عن المكون التركماني ارشد الصالحي في مقطع مصور عن استغرابه من فوضى وعدم انتظام في آلية تمرير القوانين، محملا هيئة الرئاسة متمثلة برئيس البرلمان محمود المشهداني مسؤولية الأخطاء والمخالفات القانونية في تمرير قائمة السفراء المثيرة للجدل.

مصالح شخصية وحزبية

بدوره، وصف المحلل السياسي داوود سلمان ما جرى داخل البرلمان بأنه "فوضى معيبة" تعكس خللاً عميقًا في عمل المؤسسة التشريعية، مشيرًا إلى أن غالبية الأعضاء يسعون لتحقيق مصالح شخصية وعائلية وحزبية على حساب المصلحة الوطنية، معتبراً أن هذا السلوك يمثل انحرافًا عن القيم الأساسية للديمقراطية ومسار بناء الدولة.

وأضاف سلمان، أن ما شهده البرلمان "يعكس سيطرة فئة محددة على المؤسسات والقوانين"، وأن "برلمان بهذا الشكل لا يمتلك القيم الأساسية لقيادة الدولة، ولا يستطيع توجيهها نحو التنمية والإصلاح".

وأوضح أن إجبار الأعضاء على التصويت وفق إرادة رئيس البرلمان يعد مثالا صارخا على "الدكتاتورية السياسية داخل قبة التشريع".

وأشار سلمان إلى أن المشهد المعيب لا يرسل رسالة إيجابية للمواطنين أو للدول التي يمثلها العراق دبلوماسيًا، محذرًا من أن الأداء الحالي للبرلمان سيؤدي إلى تراجع الثقة الشعبية في المؤسسات، وزيادة عزوف المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية، وفتح المجال أمام فوضى مؤسساتية أكبر.

وأكد أن استمرار هذه الحالة من الفوضى والإهمال السياسي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحدار على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مؤكدًا أن البرلمان يفتقر للرؤية والاستراتيجية لبناء دولة قوية ومستقرة، وأن الحلول لا تأتي عبر المناورات السياسية أو المصالح الضيقة، بل بالالتزام بالقوانين والدستور واحترام إرادة الشعب.

وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات، رحّبت وزارة الخارجية بتصويت البرلمان على قائمة السفراء، واعتبرت أن هذه الخطوة ستعزز الحضور الدبلوماسي للعراق على الساحة الدولية، وتوسع شبكة العلاقات مع الدول الأخرى، فضلاً عن دعم الجهود الرامية لحماية المصالح الوطنية العليا وخدمة الجالية العراقية في الخارج.

وأكدت الوزارة التزامها بتمكين السلك الدبلوماسي من أداء مهامه بشكل يليق بمكانة العراق ودوره الإقليمي والدولي.

في نهاية المطاف، قد تُسجّل جلسة البرلمان يوم الثلاثاء، ليس فقط كحدث برلماني لتعيين السفراء، بل كمرآة تعكس التحديات العميقة التي تواجه العملية السياسية في العراق، بين مصالح سياسية ضيقة وفوضى مؤسساتية واضحة، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة البرلمان على لعب دوره الوطني الفاعل في ظل هذه الانقسامات الداخلية.

وتبقى الكلمة الفصل الآن للمحكمة الاتحادية، التي سيكون عليها أن تحكم في شرعية جلسة شابها الشك من جميع النواحي: النصاب، الشفافية، والدستورية. وقرارها لن يحسم مصير سفراء فحسب، بل سيحدد مصداقية واحدة من أهم مؤسسات الدولة العراقية.