يشكّل التصنيف الائتماني أحد أبرز المؤشرات المالية التي تعتمدها المؤسسات الدولية في تقييم أوضاع الدول الاقتصادية والمالية. إذ يلعب دوراً كبيراً مثلا في جذب المستثمرين كما يؤثر بصورة مباشرة في ثقتهم وتدفق رؤوس الأموال.
ويؤكد مختصون أهمية هذا التصنيف بالنسبة للاقتصادات النامية، إذ يمكن لتحسّنه أن يفتح آفاقاً أوسع أمام تمويل المشاريع الاستراتيجية وجذب الاستثمارات الأجنبية، بينما يؤدي تراجعه إلى ارتفاع كلفة التمويل وتراجع جاذبية بيئة الأعمال.
فريق وطني لتحسين التصنيف
وعملت الحكومة مؤخرا على تشكيل فريق وطني برئاسة محافظ البنك المركزي وعضوية ممثلين عن وزارات المالية والنفط والتخطيط، وهيئة الأوراق المالية والقطاع المصرفي، بهدف إعداد استراتيجية متكاملة لتحسين التصنيف الائتماني السيادي للعراق.
وسيعمل الفريق، بحسب بيان حكومي، على التنسيق المباشر مع وكالات التصنيف العالمية (Fitch، S&P، Moody’s)، ووضع خطط عملية لتعزيز الحوكمة وإدارة المخاطر المالية، وتطوير بيئة الأعمال بما ينسجم مع برامج الإصلاح الاقتصادي.
تصنيف متدن نسبياً
في هذا الصدد، قال أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن التصنيف الائتماني يمثل انعكاساً دقيقاً لقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية، ومدى استقرارها الاقتصادي والسياسي في الوقت نفسه.
وقال السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن العراق "ما يزال يصنّف في مستويات متدنية نسبياً نتيجة عوامل متشابكة، أبرزها الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية التي تشكل أكثر من 90 في المائة من دخل البلاد، ما يجعله عرضة مباشرة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية".
وأضاف، أن التحديات الأمنية والسياسية المستمرة، الى جانب تفشي الفساد وضعف البنية التحتية الاقتصادية، تحدّ من إمكانية تحسين موقع العراق في التصنيفات الدولية.
وبيّن، أن تحسين هذا التصنيف "ليس بالأمر المستحيل، لكنه يتطلب خطوات عملية تبدأ بتنويع مصادر الدخل الوطني عبر تنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، فضلاً عن إجراء إصلاحات مالية تقلّص العجز وتضبط مستويات الإنفاق العام".
ونبه الى أن الاستقرار السياسي والأمني يشكلان "عاملاً حاسماً، كون المؤسسات المالية الدولية تقيّم قدرة العراق على إدارة المخاطر إلى جانب قدرته على السداد"، لافتاً إلى أن "أي تقدم في ملف مكافحة الفساد أو تعزيز الشفافية المالية سينعكس إيجابًا على ثقة المستثمرين".
وأشار السعدي إلى أن رفع التصنيف الائتماني للعراق ستكون له انعكاسات مباشرة ومؤثرة، إذ يساهم في تقليل كلفة الاقتراض من الأسواق العالمية، ما يمنح البلاد قدرة أكبر على تمويل مشاريعها الاستراتيجية بأسعار فائدة أقل.
ولفت الى أن تحسن التصنيف "سيسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، نظراً لاعتماد الشركات العالمية عليه كمعيار أساسي لقياس المخاطر".
وواصل السعدي القول ان “ارتفاع التصنيف درجة واحدة فقط يمكن أن يخفض كلفة الفائدة على القروض السيادية بنسبة تتراوح بين 1 الى 1.5%، وهو ما يعني توفير مئات ملايين الدولارات سنوياً".
وخلص السعدي الى أن التصنيف الائتماني للعراق يشكل مرآة حقيقية لوضعه الاقتصادي والسياسي والأمني، وأن أي "إصلاحات جدية في هذه المجالات ستعزز موقعه الدولي وتزيد من قدرته على استقطاب التمويل والاستثمارات، ليصبح أداة فاعلة في دعم التنمية المستدامة وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي".
الإصلاحات المطلوبة
من جانبه، بين المختص في الشأن الاقتصادي صالح الهماشي، أن التصنيف الائتماني يُعد من المؤشرات الجوهرية التي تقيس قدرة الدول على الوفاء بالتزاماتها المالية في مواعيدها المحددة، موضحاً أن أهميته تكمن في كونه يحدد كلفة الاقتراض ومدى قدرة الدولة على النفاذ إلى أسواق المال العالمية، فضلاً عن كونه معياراً أساسياً يلعب دوراً في تقييم ثقة المستثمرين وحجم تدفق رؤوس الأموال.
وقال الهماشي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن واقع التصنيف الائتماني للعراق "ما يزال ضمن الفئة غير الاستثمارية، وهو ما يعكس حجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، وفي مقدمتها الاعتماد المفرط على النفط كمصدر وحيد تقريباً للإيرادات العامة، إلى جانب تقلب أسعاره في الأسواق العالمية".
وأضاف أن "ضعف تنويع القاعدة الاقتصادية، واستمرار المشكلات الهيكلية في الحوكمة، وارتفاع المخاطر السياسية والأمنية، كلها عوامل تُبقي العراق عند مستويات منخفضة نسبياً، على الرغم من امتلاكه نقاط قوة واضحة مثل الاحتياطي النفطي الكبير ووجود احتياطيات مالية خارجية قادرة على دعم الاستقرار عند ارتفاع أسعار الطاقة".
وبيّن، أن تحسين موقع العراق في هذا التصنيف "يتطلب خطوات إصلاحية حقيقية، تبدأ بوضع إطار مالي متوسط الأجل يحد من مستويات العجز والدين العام، مع العمل على تنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات لتقليل الارتهان لعائدات النفط".
وشدد في السياق ذاته على ضرورة إصلاح البنى التحتية، وخاصة قطاع الكهرباء، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد بما يعيد الثقة للمستثمرين المحليين والأجانب".
وأوضح أن وكالات التصنيف الدولية "تُقيّم الدول وفق مجموعة من المعايير، في مقدمتها الأداء الاقتصادي ومعدلات النمو، استدامة المالية العامة والدين، وضع ميزان المدفوعات والاحتياطيات، مرونة السياسة النقدية وسعر الصرف، إلى جانب جودة المؤسسات ومستوى الاستقرار الأمني والسياسي".
أما بشأن انعكاسات تحسن موقع العراق في التصنيف، فأكد الهماشي أنها ستكون "مباشرة وملموسة، إذ يؤدي رفع التصنيف إلى تقليل كلفة الاقتراض من الأسواق العالمية وخفض نسبة الفوائد على القروض السيادية، وهو ما يمنح الحكومة قدرة أكبر على تمويل مشاريعها الاستراتيجية بكُلف أقل".
ونوه الى أن تحسّن التصنيف "سيسهم في توسيع قاعدة المستثمرين ويمنح العراق فرصة أطول لآجال الاستحقاق، فضلًا عن أنه يعزز ثقة القطاع الخاص ويفتح الباب أمام شراكات اقتصادية أوسع"، مبيناً أن "انعكاس ذلك لا يقتصر على الأسواق المالية فحسب، بل يمتد ليشمل دعم الاستقرار النقدي وتعزيز قيمة الدينار العراقي على المدى المتوسط".
وزاد الهماشي بالقول أن التصنيف الائتماني يمثل انعكاسا مباشرا لمدى جدية الاصلاحات السياسية والاقتصادية، وأن أي تقدم حقيقي في هذه الملفات سيضع البلاد على مسار أكثر استقراراً، ويجعلها أكثر قدرة على تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي.