اخر الاخبار

في لحظة سياسية مشحونة تسبق الانتخابات النيابية المقبلة، عاد ملف استبعاد المرشحين ليتحوّل إلى بؤرة جدل ساخنة تهدد ثقة الشارع بالعملية الانتخابية. فقرارات المفوضية العليا للانتخابات باستبعاد مئات المرشحين، بينهم نواب حاليون وقيادات سياسية ومدنية، لم تُقرأ بوصفها إجراءات قانونية فحسب، بل انطلقت معها تساؤلات عميقة حول مدى حياد المؤسسات المعنية وقدرتها على حماية التنافس الانتخابي من شبهة التسييس والتصفية.

موقف تحالف البديل

وأعرب تحالف البديل عن استنكاره الشديد لقرار استبعاد النائب سجاد سالم، أمين عام حزب الاستقلال، من خوض الانتخابات المقبلة، مؤكداً أنه يدرس جميع خياراته بشأن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، ما لم تُعالج هذه القرارات التي وصفها بـ"الجائرة".

وقال التحالف في بيان صحفي، إنّ "هذا القرار يمثل استهدافاً مباشراً للقوى المدنية والوطنية التي وقفت بوجه الفساد وسعت إلى ترسيخ الدولة المدنية بعد التغيير في عام 2003". وأضاف أن "هذا الإقصاء لا يطعن فقط بحقوق أفراد، بل يطعن بجوهر العملية الديمقراطية، ويحوّل التنافس السياسي إلى عملية انتقائية تُدار بعيداً عن إرادة الشعب، ويرسل إشارات خطيرة عن نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة".

وتابع البيان، أن "تحالف البديل يعلن بجدية أنه يدرس كافة الخيارات بشأن مشاركته في الانتخابات، ما لم تُعالج هذه القرارات الجائرة، ويُعاد الاعتبار للنواب والشخصيات الوطنية المستبعدة"، مشدداً على أن "أي عملية انتخابية قائمة على الإقصاء والتهميش، لن تعبّر عن الإرادة الشعبية الحقيقية، ولن تسهم في بناء الدولة العادلة التي يستحقها العراقيون".

 إحصائية المفوضية حول المستبعدين

ويأتي موقف تحالف البديل في وقت أعلنت فيه المفوضية استبعاد 627 مرشحاً من أصل 7440 مرشحاً حالياً، وذلك لأسباب تتعلق بإجراءات المساءلة والعدالة، والقيود الجنائية، ونقص الوثائق، إلى جانب قرارات قضائية.

وجاء في الإحصائية التي أصدرتها المفوضية، أمس الاول الأحد، أن "عدد المستبعدين بلغ 290 مرشحاً بسبب إجراءات المساءلة والعدالة، و106 مرشحين بسبب القيود الجنائية، فيما تم استبعاد 4 مرشحين وُصفوا بالمزورين، إضافة إلى 15 مرشحاً بقرار من مجلس القضاء الأعلى".

وأضافت المفوضية، أن "34 مرشحاً استبعدوا بسبب نقص الوثائق الدراسية، و10 آخرين من المكون المسيحي، بينما تم استبعاد 163 مرشحاً، بناءً على طلبات الاستبدال من القوائم، فضلاً عن 5 مرشحين ضمن خانة (أخرى)".

وأكدت الإحصائية أن "المجموع الكلي للمرشحين المستبعدين بلغ 627 من أصل 7440 مرشحاً مسجلاً حالياً".

ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات النيابية في 11 تشرين الثاني المقبل، وسط حضور مراقبين محليين ودوليين، فضلاً عن مشاركة منظمات مختلفة. كما أصدرت المفوضية في 20 آب الجاري قراراً يحدد مدة السماح للتحالفات والأحزاب السياسية باستبدال مرشحيها المستبعدين، بحيث يكون آخر يوم لذلك في 4 أيلول، مع استمرار تقديم البدائل لمدة ثلاثة أيام بعد نشر قرار الاستبعاد على الموقع الرسمي للمفوضية.

مقومات نزاهة الانتخابات

من جانبه، أكد الرفيق حسين النجار، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ضرورة ان يجري التحضير للانتخابات بصورة شفافة، وان تطبق القوانين التي تضمن منع التلاعب بالأصوات وتؤمن النزاهة والعدالة. وفي مقدمة ذلك ابعاد القوى السياسية التي تمتلك اذرعاً مسلحة او تدعمها، وذلك وفقاً لقانون الاحزاب النافذ، وان تجري مراقبة تمويل الحملات الانتخابية وضمان عدم الاعتداء على المال العام والسلطة وتجييرها لصالح قوى سياسية معينة.

وألمح النجار في حديث لـ"طريق الشعب" الى ان هناك "تطبيقا كيفيا" للقانون، محذرا من استخدامه بالخصوم السياسيين وابعادهم عن الترشح للانتخابات، من دون الكشف عن الإجراءات ومبررات الاستبعاد بصورة شفافة، واعلان المخالفات التي ارتكبها المرشحون، بصورة واضحة.

وفسّر النجار، قرارات إبعاد عدد من المرشحين، بما في ذلك قائمة تحالفنا (تحالف البديل) في المثنى بصورة كاملة، بحجة نقص الأوراق، وكذلك استبعاد النائب سجاد سالم، بأنها "محاولة لفرض الهيمنة وإبعاد الأصوات المعارضة للقوى الماسكة بالسلطة".

وتابع، أن هناك قوى سياسية ومرشحين ونوابا يخالفون القانون بصورة علنية، ويحشدون طائفياً دون ان يجري محاسبتهم، فهل هناك معايير معينة تنطبق على هؤلاء، ولا يجري إبعادهم، بينما تنطبق على الآخرين.

وأضاف، ان "ضمان نزاهة الانتخابات ووقوف المفوضية على مسافة واحدة من الجميع، يتطلب منها ان تعلن الإجراءات التي تتخذها بصورة شفافة، دون ان تسمح للقوى السياسية المتنفذة في التدخل في شؤونها".

مخاوف من "تصفية حسابات"

وفي السياق، اعتبر المراقب السياسي هاشم الجبوري، أن الاستبعادات الأخيرة قد تمثل "تصفية حسابات سياسية"، لاسيما أن بعض المستبعدين هم أعضاء في مجلس النواب لدورات عدة أو سبق أن تسلموا مناصب عليا في الدولة.

وأوضح الجبوري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "الآليات المعتمدة من هيئة المساءلة ولجنة تحديد حسن السيرة والسلوك لم تكن واضحة بما يكفي"، مبيناً أن "المشكلة ليست فقط في شمول بعض المرشحين بإجراءات المساءلة والعدالة، فهذا أمر دستوري وملزم، بل في الطريقة التي فُهم بها موضوع حسن السيرة والسلوك، حيث لاحظنا حالات استبعاد ربما لأسباب تتعلق بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو لذرائع غير واضحة".

وزاد بالقول أن "بعض المرشحين المستبعدين عليهم دعاوى قضائية لم تُحسم بعد أمام القضاء، والقاعدة القانونية تقول إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بقرار قضائي مكتسب للدرجة القطعية، وهو ما يجب أن يكون الفيصل في تحديد أهلية المرشح".

وأشار الجبوري إلى أن "ما يُثار في الشارع حول استغلال النفوذ السياسي لإقصاء خصوم، يُعد مؤشراً مهماً حتى وإن لم تتوفر أدلة قاطعة، لأنه يعكس قناعة عامة تتنامى بين المواطنين"، لافتا إلى أن "التوقيت غير المناسب للإجراءات يثير الشكوك ويهدد الثقة بالعملية الانتخابية، كونها تبدو خاضعة لمزاجية سياسية وانتقائية في التطبيق".

وأضاف قائلاً ان "لسنا هنا للتشكيك بنزاهة القضاء، لكنه يفترض أن يكون الملاذ الآمن للمواطن. إلا أن الطريقة التي جرت بها عمليات الاستبعاد، والحملات المصاحبة لها، أوحت وكأنها أقرب إلى تصفية سياسية، ما يضع العملية الانتخابية برمتها موضع تساؤل، إذ يشارك من يراد له المشاركة ويُستبعد من لا يراد له".

واستشهد الجبوري بمثال حديث قائلاً: "لاحظنا قبل أيام شمول محافظ نينوى السابق بإجراءات المساءلة والعدالة، رغم أنه لم يُشمل حين كان محافظاً أو قائداً في عمليات التحرير، وكل ذلك يزعزع الثقة الهشة أصلاً بالعملية الديمقراطية".

جدل متصاعد ومسؤولية المفوضية

ويؤكد مراقبون، أن استمرار المفوضية العليا للانتخابات في الاكتفاء بالتصريحات المقتضبة، يضعها في مواجهة مباشرة مع الشارع ومع القوى السياسية على حد سواء، إذ أن استبعاد أي مرشح لا يُعَد قراراً إدارياً عابراً، بل مساساً بحق التمثيل السياسي، وجزءاً من الثقة العامة بالعملية الانتخابية.

ويحذر المراقبون من أن غياب بيان رسمي واضح ومفصل يشرح آلية الاستبعاد وأسبابه، ويحدد ما يدخل ضمن صلاحيات المفوضية وما يقع خارجها، يفتح الباب أمام الشائعات والتكهنات، بما قد يحول الخلافات القانونية إلى أزمة سياسية تضرب نزاهة الانتخابات المقبلة.

وينقل المراقبون عن مصادر من داخل المفوضية تأكيدها، ان عدد المستبعدين سوف يتراوح بين 850 الى الف مرشح.

ويجمع المراقبون على أن الشفافية في هذا الملف تمثل شرطا أساسيا لحماية العملية الانتخابية من التشكيك والاهتزاز، مؤكدين أن المفوضية مطالبة بخطاب رسمي جامع يضع النقاط على الحروف، وأن تستند قراراتها إلى أسس قانونية واضحة، لا نزاعات أو اصطفافات.