اخر الاخبار

في ظل تدهور حاد في الموارد المائية واشتداد تأثيرات الجفاف والتغير المناخي، يواجه العراق أزمة مائية حادة تجلت بوضوح في انخفاض مخزون سد الموصل، وتذبذب إيرادات المياه من الدول المجاورة.

هذه العوامل، بحسب معنيين، إلى جانب تفاقم نقص المياه في المناطق الجنوبية، تضع البلاد أمام تحديات جسيمة، تهدد الأمن المائي والاستقرار الاجتماعي والامن الوطني.

يؤكد مختصون أن الأزمة لم تعد كما في السابق تشمل محافظة بعينها، بل انها بدأت تتوسع لاسيما في محافظات البصرة وذي قار والمثنى حتى وصلت للديوانية، محذرين من ان موجات الجفاف تدفع السكان إلى النزوح من مناطقهم، بحثاً عن مصادر مياه آمنة، ما يفاقم الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ويهدد استقرار المجتمعات المحلية.

الموارد المائية توضح

في هذا الصدد، أكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، أن سد الموصل يُعدّ أحد أهم السدود العراقية، وتبلغ سعته الخزنية ما بين 10 و11 مليار متر مكعب، إلا أن المخزون الحالي لا يتجاوز ثلث هذه السعة.

وقال شمال في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الوزارة تتعامل مع السد باعتباره خزيناً استراتيجياً، ولا تطلق منه المياه إلا لتلبية الاحتياجات الضرورية، مبيناً أن الإيرادات الواردة من تركيا متذبذبة، حيث تكون أحياناً مساوية للكميات المطلقة وأحياناً أقل منها.

وأقرّ شمال بأن الوضع المائي للبلاد “معقد وصعب ويرتقي إلى درجة عالية من الحساسية وبعض الخطورة”، لكنه أكد أن الوزارة تعمل بشكل حثيث على إدارة الموارد المائية والتعامل معها بحرص.

وأشار شمال إلى أن الحملة الوطنية التي تنفذها الوزارة لإزالة التجاوزات على الأنهر والجداول، بالتنسيق مع القوات الأمنية، أسهمت في توفير كميات جيدة من المياه، معرباً عن أمله في تجاوز الأزمة الحالية عبر تضافر جهود الجميع.

ونفى المتحدث ما تم تداوله مؤخرا بشأن فراغ سد الموصل في الوقت الحالي، مؤكداً أن هذه المعلومات “عارية عن الصحة وبعيدة عن الحقيقة”، واصفاً إياها بـ”غير الدقيقة والمضللة”.

خطورة الوضع المائي

من جانبه، حذّر رئيس المرصد العراقي الأخضر، عمر عبد اللطيف، من خطورة الوضع المائي في العراق، مؤكداً أن البلاد “أهدرت معظم خزينها المائي، وعلى شفا التوقف التام عن الإطلاقات المائية”، بعد أن تم تصريف معظم المخزون في سد الموصل لصالح محافظة البصرة، في محاولة لمعالجة مشكلة الملوحة هناك، ما أدى إلى جفاف الأهوار.

وقال عبد اللطيف لـ"طريق الشعب"، إنّ المياه التي تصل إلى أهالي البصرة تعاني من مشكلات كبيرة، أبرزها الملوحة ووجود الشوائب والديدان، محذراً من أنّ هذا الواقع "فاقم أزمة المياه بدلاً من حلّها".

وأضاف عبد اللطيف، أن الإطلاقات التركية خلال شهري تموز وآب "كانت أقل بكثير من المعلن، إذ لم تتجاوز 100 متر مكعب بالثانية، رغم الحديث عن 400 متر مكعب"، معتبراً ذلك “كمية غير مجدية”.

وطالب الحكومة بإرسال وفد سياسي وفني عاجل للتفاوض مع تركيا لزيادة الإطلاقات المائية، مؤكداً أن مقاطعة البضائع التركية “ليست حلاً عملياً” في ظل اعتماد السوق العراقية بشكل واسع على هذه المنتجات.

ولفت عبد اللطيف إلى أن أزمة المياه "بدأت تضرب محافظات جديدة، بعد أن كانت مقتصرة على السماوة وذي قار والبصرة، إذ وصلت آثارها إلى الحلة والكوت والديوانية، ما تسبب في نزوح الأهالي من بعض المناطق، وهو ما قد يمتد إلى بغداد إذا استمر الوضع الحالي".

فيما حذّر من أن هذا النزوح قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية في المحافظات المستقبِلة، مؤكدا أن ملف المياه “يمثل قضية أمن قومي”.

وشدد على ضرورة أن تدير وزارة الموارد المائية هذا الملف داخلياً بكفاءة أكبر، من خلال تنظيم حصص المحافظات والسيطرة على بحيرات الأسماك والتجاوزات على مصادر المياه، إضافة إلى تحسين أداء المفاوض العراقي في الملفات الخارجية مع تركيا وإيران، ولا سيما أن “قوات سوريا الديمقراطية” تسيطر على منابع نهر الفرات، وهو ما يؤثر كذلك في موقف تركيا التي تسعى لحرمانهم من المياه.

واختتم عبد اللطيف بالقول: إن "على العراق أن يسبق الأزمات بحلول استراتيجية لا أن ينتظر وقوعها"، محذراً من أن ضعف التصريحات الرسمية حول حجم الخزين المائي قد يمنح دول الجوار أوراق ضغط إضافية في المفاوضات".

أخطاء استراتيجية

الى ذلك، أكد خبير السياسات المائية، رمضان حمزة، أن الواقع المائي في العراق “بائس” منذ فترة طويلة، وأن ما تعيشه البلاد هذا العام، رغم قسوته، قد يكون أفضل مما ستشهده في العام المقبل، مشيراً إلى أن 2025 تمثل “ذروة الجفاف”.

وقال حمزة في حديثه مع "طريق الشعب"، إن "الكثير من العيون والينابيع جفت بالكامل، في ظل انخفاض التصاريف المائية، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الغطاء النباتي، مقابل توسع عمراني “بشراهة” على حساب المساحات الخضراء"، لافتاً إلى أن هذه المؤشرات كانت "متوقعة نتيجة ضعف الإدراك وسوء الإدارة المائية، فضلاً عن استغلال دول المنبع لملف المياه للمساومة، وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية".

وأشار إلى أن شح المياه "بات ينعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين، حيث أصبحت العديد من المدن تعتمد على صهاريج الماء التي قد لا تصل إلا كل يومين، في حين أن المياه التي تصل غالباً لا تصلح للشرب وإنما للاستخدامات المنزلية البسيطة".

وانتقد حمزة، قرار وزارة الموارد المائية في وقت سابق بإطلاق كميات كبيرة من مخزون سد الموصل، وصلت إلى نحو ألف أو ثلاثة آلاف متر مكعب بالثانية، في وقت كان الخزين يبلغ نحو سبعة مليارات متر مكعب، ليهبط الآن إلى أقل من مليار، معتبراً ذلك “خطأً استراتيجياً” تسبب في استنزاف الخزين الاستراتيجي للدولة.

وشدد على أن "بقاء الوضع الحالي من دون زيادة في الإطلاقات المائية سيؤدي إلى انخفاض المخزون إلى ما يُعرف بـ”الميت”، أي الكمية التي لا يمكن استخدامها إلا لتغذية محطات الإسالة، مؤكداً أن هذه الكمية محدودة للغاية ولا تكفي لتأمين احتياجات البلاد".

واختتم حمزة بالقول: إن على الدولة أن "تضع خططاً استراتيجية تمنع تكرار هذه الأخطاء، منها تقييد زراعة المحاصيل الشرهة للمياه في سنوات الشح، وتعويض الفلاحين مالياً بدلاً من استنزاف الخزين الاستراتيجي، حفاظاً على الأمن المائي للعراق".