استفاقت مدينة السليمانية، فجر الجمعة (22 آب 2025)، على وقع اشتباكات مسلحة عنيفة دارت في محيط فندق "لالە زار" في حي سرجنار، المقر الذي يقيم فيه لاهور شيخ جنكي، رئيس حزب جبهة الشعب. وبحسب بيان جهاز أمن إقليم كردستان، فإن العملية التي استمرت نحو ثلاث ساعات أسفرت عن اعتقال لاهور شيخ جنكي واثنين من أشقائه، فيما قُتل ثلاثة من عناصر الجهاز وأصيب 19 آخرون بجروح.
موقف الشيوعي الكردستاني
وعلّق الحزب الشيوعي الكردستاني على الأحداث ببيان شديد اللهجة، محذراً من خطورة اللجوء إلى العنف في حل الخلافات السياسية.
وطالب الحزب بوقف فوري للاقتتال وإبعاد الخلافات السياسية والقانونية عن دائرة العنف، معتبرا "ما يجري خطيرا وغير شرعي ومخالفا للقوانين النافذة في الإقليم والعراق، وقد يؤدي إلى اضطرابات أوسع".
الحزب دعا جميع القوى السياسية في الإقليم إلى العمل المشترك والتنسيق لوقف العنف، مؤكداً أن نتائجه "لن تصب في مصلحة الشعب الكردي، بل تهدد استقراره وأمنه".
موقف حكومة الإقليم ورئاسته
من جانبها، شددت حكومة إقليم كردستان في بيان صادر عن مكتب رئيسها مسرور بارزاني على ضرورة إحلال "القانون محل القرار الحزبي والعنف"، مؤكدة أن ما جرى ناجم عن "خلاف داخلي بين الاتحاد الوطني الكردستاني وجبهة الشعب"، وأن رئاسة الحكومة لم تكن على علم بتفاصيل الهجوم حتى لحظاته الأخيرة.
وأشار البيان إلى أن جهوداً بذلت لتجنب وقوع القتال، إلا أن العملية نُفذت رغم ذلك، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
وأضاف "نشعر بقلق وحزن عميقين جراء هذا الحادث، وعلى الجميع تغليب القانون وعدم تعريض استقرار الإقليم للخطر".
أما رئاسة إقليم كردستان، فقد أكدت بدورها في بيان منفصل، ضرورة حل الخلافات عبر القانون بعيداً عن العنف، مشددة على حماية أرواح وممتلكات المدنيين والحفاظ على أمن واستقرار السليمانية.
موقف الأمم المتحدة والولايات المتحدة
واثارت الأحداث أيضاً قلقاً دولياً؛ إذ أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بياناً أعربت فيه عن أسفها لسقوط قتلى وجرحى، مطالبة الأطراف كافة بضبط النفس وتجنب أي عمل قد يعرض حياة المدنيين للخطر. وشددت يونامي على ضرورة ضمان "عملية قضائية عادلة ومحايدة" بحق جميع المتورطين، بما ينسجم مع أحكام الدستور العراقي. الموقف تكرر أيضاً من قبل السفارة الأميركية في بغداد، التي دعت بدورها إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار على العنف.
خلفية الصراع
وتعود جذور ما جرى في السليمانية إلى الانقسام العميق داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل جلال طالباني عام 1975. فبعد وفاته، تصاعدت الخلافات على قيادة الحزب بين قيادات الصف الأول، لاسيما بين ابن أخيه بافل طالباني وابن شقيقه من جهة الأم لاهور شيخ جنكي.
في عام 2021، بلغ الصراع ذروته عندما أطاح بافل طالباني بشريكه لاهور شيخ جنكي من موقع القيادة المشتركة للحزب، متهماً إياه بـ"التجاوز على الصلاحيات" و"إدارة أجهزة أمنية خاصة". بينما اعتبر لاهور أن ما جرى كان "انقلاباً داخلياً" هدفه إقصاؤه وتفرد جناح واحد بالسلطة.
منذ ذلك الحين، انقسم الاتحاد الوطني فعلياً إلى جناحين، يسيطر على الأول جناح بافل طالباني المسيطر على المقرات الرئيسية في السليمانية ومؤسسات الحزب الرسمية.
اما جناح لاهور شيخ جنكي الذي شكّل لاحقاً حزباً جديداً تحت اسم "جبهة الشعب"، فقد حاول الحفاظ على قاعدته الشعبية، خصوصاً في السليمانية وكرميان وخانقين.