قبل أيام قليلة من حلول الموعد الذي حدده البنك المركزي لتوقيع المصارف على تعهد الإصلاح في 31 آب الجاري، تزايدت الانتقادات الموجهة لهذه الخطوة، واصفة إياها بأنها “إعلان إبادة للجهاز المصرفي العراقي”، ومؤكدة أنها قد تؤدي إلى إضعاف الثقة بالقطاع بدلاً من إصلاحه.
ويرى مختصون أن إلزام المصارف بتوقيع تعهدات صارمة في توقيت ضيق، ومع وجود عقوبات مفروضة على أكثر من 40 مصرفاً، أمر غير عملي ولا يتناسب مع طبيعة السوق العراقية. ويحذرون من أن هذه الإجراءات، إذا مضت دون تعديل، ستدفع بعدد كبير من المصارف إلى الانكماش وربما الخروج من الخدمة، ما يهدد استقرار النظام المالي ككل.
الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج اعتبر أن “البديل عن هذه التعهدات هو فتح قنوات حوار جدية مع إدارات المصارف، والوصول إلى حلول عملية ومباشرة، بعيداً عن الإجراءات الروتينية غير القابلة للتطبيق”. وأضاف في تصريح لـ”طريق الشعب”: “المصارف العراقية بحاجة إلى إصلاحات هيكلية ومتابعة ميدانية حقيقية، لا إلى فرض التزامات شكلية قد تفشل في تحقيق أي نتيجة عملية”.
وأكد الفرج أن موقفه ينسجم مع ما جاء في بيان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن الإصلاحات المصرفية، حيث شدد على أهمية التشاور مع المصارف والتدرج في التنفيذ، بما يتناسب مع قدرات السوق المحلية ومتطلبات المعايير الدولية.
وبحسب ما أعلنه البنك المركزي، فإن خطة الإصلاح تتضمن رفع رؤوس أموال المصارف إلى 400 مليار دينار، أو دمجها مع مصارف أخرى، مع اشتراط شريك أجنبي ودفع رسوم سنوية تصل إلى 22.4 مليون دولار لمدة أربع سنوات.
كما تتضمن الخطة قيوداً جديدة على ملكية الأسهم، منها ألا تتجاوز حصة الأقارب حتى الدرجة الرابعة نسبة 10%، وهي نقطة أثارت اعتراضات واسعة من قبل المصارف الخاصة.
وفي هذا السياق، قال نائب المدير التنفيذي لرابطة المصارف الخاصة، أحمد الهاشمي، إن “الرابطة قدّمت ملاحظاتها إلى البنك المركزي الذي يتفاوض حالياً مع شركة (أوليفر وايمان) لإيجاد حلول وسط”. واعتبر أن تطبيق هذه المعايير على 43 مصرفاً معاقباً وممنوعاً من بيع الدولار “شبه مستحيل”، داعياً إلى صياغة خطة إصلاح توفر بيئة مصرفية مناسبة داخل العراق، وتراعي خصوصية الواقع الاقتصادي.
من جانبه، أكد محافظ البنك المركزي، علي العلاق، أن “الشريك الأجنبي لم يعد شرطاً إلزامياً”، موضحاً أن خطة الإصلاح “مستندة إلى القوانين والمعايير الدولية” وليست مبتدعة.
وأضاف أن “الغاية من هذه المعايير هي تعزيز استقرار المصارف وضمان قدرتها على التعامل الخارجي والداخلي”، مشيراً إلى أن المصارف التي لا تستطيع الالتزام بالخطة “ينبغي أن تقدم حلولاً بديلة لمعالجة وضعها”.
وكان بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء قد أكد أن السوداني اطّلع على آخر تطورات ورقة الإصلاح المصرفي، مشدداً على “ضرورة اعتماد نهج تشاركي وتشاوري بين البنك المركزي والمصارف العراقية، عبر تشكيل لجان فنية مشتركة لمراجعة المتطلبات وضمان توافقها مع الواقع الاقتصادي الوطني”.
وأوضح البيان أن الإصلاح المصرفي ينبغي أن يقوم على “فتح حوار موسع لتوضيح الجوانب الفنية ومناقشة آليات التنفيذ بشكل تدريجي”، مؤكداً أن “الهدف من الإصلاح ليس الإقصاء بل التمكين، وأن أبواب النقاش مفتوحة بما يخدم الصالح العام والاقتصاد العراقي”.