أزمة المياه.. سدود الجيران وفشل الحكومة
نشر موقع "تشاتام هاوس" (Chatham House) البريطاني مقالًا للباحث حيدر الشاكري حول أزمة المياه في العراق، أشار فيه إلى أن هذه الأزمة باتت تمثل خطورة جدية على الاستقرار، حيث تجف الأنهار بسبب التغير المناخي، وتُقلّص الدول المجاورة تدفّقات المياه، وتفشل الحكومة في إدارة أهم مواردها الحيوية.
مصدر للتوتر
وذكر الكاتب أن ندرة المياه في العراق لا تمثل أزمةً وطنية فحسب، بل تُشكّل أيضًا دافعًا متناميًا للتوتر الداخلي، إذ تزداد أعداد النازحين، ويتعمّق الفقر في المناطق الريفية، وتُؤجّج الاضطرابات، وتُخرَّب الحقول، وترتفع معدلات الملوحة والتلوث، وتنتشر الأمراض المرتبطة بذلك، ما يهدد الأمن الغذائي للبلاد ويجبر الحكومة على تعليق الخطط الزراعية لهذا الخريف، بما في ذلك زراعة القمح. كما جفّت الأهوار، ونزحت منها أكثر من 10,000 أسرة، خاصة بعد أن انخفضت الاحتياطيات المائية من 18 مليار متر مكعب العام الماضي إلى حوالي 1 مليارات متر مكعب اليوم.
من أسباب الأزمة
وحدد الباحث أسباب الأزمة في ثلاثة عوامل:، السياسات المائية لدول المنبع، والمتمثلة في السدود التركية والإيرانية المقامة على نهري دجلة والفرات، وثانيها غياب استراتيجية متماسكة تجاه دول المنبع لحماية حصة البلاد من المياه، وفشل السياسات المحلية نتيجة بطء الدبلوماسية المائية ولا مهنيتها، وتفشي الفساد، وثالثها المشكلة العالمية، والمتمثلة في انخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
ضغوط المنبع
وأكد الباحث أن الأمن المائي للعراق يتأثر بشدة بالبنية التحتية في تركيا وإيران، وبدرجة أقل في سوريا. ففي تركيا، يمتد مشروع جنوب شرق الأناضول على أكثر من 22 سدًا رئيسيًا و19 محطة كهرومائية على نهري دجلة والفرات.
تشمل المنشآت الرئيسية على نهر الفرات سدودًا مختلفة، مثل سد أتاتورك، أحد أكبر السدود في العالم، والذي ينظّم تدفّق المياه قبل دخول النهر إلى سوريا. أما على نهر دجلة، فيواجه سد إليسو—الذي اكتمل بناؤه عام 2020—انتقادات لتقييده تدفّقات المياه إلى العراق، بينما من المتوقع أن يُفاقم سد جيزرة (قيد الإنشاء) من قلة توافر المياه في المصب.
أما إيران، فقد أعادت هندسة تدفّقات المياه عبر السدود ومشاريع تحويل المياه على الروافد التي تغذّي نهر دجلة، كنهري سيروان (ديالى) والزاب الصغير، اللذين باتا من بين أكثر الأنهار تضررًا، جراء إقامة منشآت رئيسية مثل سدي داريان وسردشت، بالإضافة إلى تحويل المياه إلى الزراعة والطاقة الكهرومائية في مناطق أخرى. وتلعب سوريا دورًا صغيرًا نسبيًا في الأزمة، حيث يُنظّم سد الطبقة تدفّقات المياه من تركيا قبل دخول النهر إلى العراق.
إخفاقات داخلية وثغرات الحوكمة
وأشار المقال إلى أن تدابير الحكومة العراقية، التي أعلنت عنها، كبناء 10 سدود لحصاد مياه الأمطار في المناطق الصحراوية، وإسناد مشروع تحلية مياه البحر في البصرة إلى ائتلاف صيني–عراقي، جاءت بعد تفاقم الأزمة، وواجهت عثرات كثيرة نتيجة الفساد، وانعدام استمرارية السياسات، والإهمال الصريح.
تجسدت هذه العثرات في تأخيرات متكررة، وارتفاع في التكاليف، ونزاعات حول العقود، والمحاباة السياسية، وعمليات مناقصات غير شفافة، وغيرها. كما برزت خلافات حادة بشأن صفقات مع شركات تركية، حيث ورد أن إطلاقات المياه ارتبطت بمنح عقود بناء سدود لشركات أنقرة، ما حوّل الموارد الوطنية إلى أوراق مساومة.
وتحدث الباحث عن مشكلات شبكة الري، التي يعود تاريخ إنشائها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بحيث تعمل اليوم بنحو 60 في المائة فقط من طاقتها، مع خسائر فادحة ناجمة عن الري السطحي والقنوات غير المُبطنة.
وخلص الكاتب إلى أن عدم استجابة الجيران لطلبات العراق أو تنفيذ الاتفاقيات التي يوقعونها معه، يأتي على أرضية من الضعف الهيكلي، وغياب استراتيجية مائية متماسكة وطويلة الأجل، وضعف النفوذ والمصداقية، واستغلال الآخرين للانقسامات الداخلية، وانشغال النخب السياسية بمكاسب قصيرة الأجل وأجندات مجزأة.
توصيات
واختتم الباحث مقاله بعدد من التوصيات لتقليل حجم المشكلة، أبرزها، إنشاء هيئة وطنية للدبلوماسية المائية تتمتع بصلاحيات واضحة للتفاوض، ومراقبة التدفقات، والتنسيق بين الوزارات والمحافظات وإقليم كردستان، وإعطاء الأولوية لإعادة تأهيل البنية التحتية، والحد من الفساد، وتحديث أنظمة الري، وإشراك وسطاء دوليين موثوقين مثل الأمم المتحدة أو منظمات إقليمية، لتسهيل إبرام اتفاقيات ملزمة مع تركيا وإيران، فالحُكم، وليس الجغرافيا، هو الذي يحدد مستقبل المياه في العراق.