اخر الاخبار

تواجه محافظة نينوى أزمة حقيقية في تنفيذ المشاريع الحكومية، حيث تتوقف عشرات المشاريع الحيوية بسبب الفساد والمماطلة، فيما يبقى المواطنون يدفعون ثمن التأخير والإهمال.

من المستشفيات إلى الطرق وشبكات المياه، تتكدس المشاريع على الورق، وسط وعود متكررة لم تتحقق على أرض الواقع، فيما تشير الجهات الرسمية إلى تحديات مالية وإدارية تعرقل الإنجاز.

الفساد.. مرض مزمن

الباحثة في دراسات السلام والناشطة المجتمعية سرّاء الدباغ، من محافظة الموصل، تقول إن الفساد والرشاوى في كل محافظة أو مدينة عراقية يشكلان آفة ومرضا خطيرا ينعكس على مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع على حد سواء، مشيرة إلى أن محافظتها بعد عمليات التحرير، أصبحت تقاسي هذا المرض المزمن، وانعكاسه على المواطنين، خاصة أولئك الذين يسعون لإنجاز معاملاتهم واستكمال حقوقهم الأساسية مثل التعويضات، معاملات العقارات والخدمات العامة، حيث يضطرون لدفع الرشاوى لإتمام الإجراءات القانونية.

وأضافت الدباغ لـ “طريق الشعب”، أن الفساد ينعكس بشكل مباشر على مؤسسات الدولة ويؤثر على الثقة بين المجتمع والموظفين، مؤكدة أن المشاريع المخصصة لنينوى أو مدينة الموصل غالبًا ما تُنجز وفق عقود وهمية ومرتبطة بالرشاوى، وهو ما يؤدي إلى ضعف جودة العمل.

وأوضحت أن هذا يظهر في المشاريع التي تُنجز بمبالغ كبيرة، لكنها تتعرض لتلف سريع، نتيجة استخدام مواد رديئة لتقليل التكاليف وزيادة الأرباح على حساب الجودة.

وأكدت أن أكثر حالات الرشوة انتشارا في نينوى ترتبط بالتسجيل العقاري وبيع وشراء الأراضي والمجمعات السكنية، وكذلك في التوظيفات الأمنية والقضائية، حيث يُطلب أحيانا دفع مبالغ مالية للحصول على الوظيفة، مشيرة إلى أن الرشاوى تشمل البلديات وقطاعات الكهرباء والخدمات العامة. وحذرت الدباغ من أن استمرار الوضع دون رقابة فعّالة من الجهات المعنية سيؤدي إلى تفاقم المشكلة ويجعل السيطرة عليها شبه مستحيلة، مؤكدة أن التعامل مع الفساد يتطلب وجود آليات رقابية قوية لضمان حماية الحقوق وتحسين أداء مؤسسات الدولة.

نسبة الكوميشن 15 بالمائة

من جهته، أشّر المهتم بالشأن المحلي في محافظة نينوى، علي العكيلي، وجود عشرات المشاريع المتلكئة في المحافظة، نتيجة الفساد والعمولات التي كانت تفرض على مقاولي تلك المشاريع، مؤكدا ان أكثر من 50 مشروعاً توقف عملها بسبب نسب عمولات تصل إلى 15 بالمئة.

وقال العكيلي، ان هذه “الكوميشنات” تفرضها جهات حزبية ومكاتب اقتصادية تابعة لها في المحافظة، ما أثر بشكل كبير على تنفيذ المشاريع الحيوية، مبينا ان عدد المشاريع المتلكئة في المحافظة يتجاوز 150 مشروعاً، موزعة على مختلف القطاعات، منها مشاريع الطرق والمياه والصرف الصحي، إضافة إلى مشاريع القطاع الصحي والخدمي.

وأضاف المتحدث، ان صور الفساد والعمولات هذه، لا تقتصر على مشاريع نينوى، انما قد تطال جميع المحافظات العراقية، خاصة تلك المتعلقة بالخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطنين اليومية، راهنا تسريع معالجة المشاريع المتلكئة بـ”تعزيز الرقابة ومحاسبة الجهات المسؤولة عن تعطيلها، لضمان استكمالها”.

مجلس المحافظة يؤشر تجاوزات مالية

بدوره، كشف عضو مجلس محافظة نينوى أحمد الكيكي، عن وجود بعض القضايا التي أثيرت حول إدارة المشاريع في المحافظة، حيث هناك تقارير عن تجاوزات مالية وسوء إدارة في تنفيذ بعض المشاريع من حيث التأخير أو غير مطابقة المواصفات المتفق عليها، مشددا على متابعة هذه القضايا والعمل على معالجتها.

وقال الكيكي، إن المحافظة شهدت في عام 2024 تنفيذ وإنجاز العديد من المشاريع ضمن موازنة تنمية الأقاليم، حيث تم إنجاز أكثر من 1700 مشروع، شملت قطاعات حيوية مختلفة، مبينا أن المشاريع الصحية تضمنت إنشاء 12 مستشفى و50 مركزا صحيا، إضافة إلى بناء أكثر من 500 مدرسة موزعة على الموصل والأقضية والنواحي.

كما أشار إلى المشاريع الكبيرة الجاري تنفيذها مثل المستشفى العام بسعة 600 سرير، والذي تمت إحالته على شركة تركية ومستشفى البعاج بسعة مائة سرير.

وقال المسؤول المحلي لـ “طريق الشعب”، أن مشاريع البنية التحتية ركزت على بناء الجسور وتوسيع الطرق، فيما شملت مشاريع الخدمات البلدية تطوير شبكات المياه والصرف الصحي وتنفيذ مشاريع لتنظيف وتجميل المدينة، منبها الى أن المحافظة تواجه تحديات مالية مرتبطة بإدارة وتنفيذ المشاريع، خاصة في ظل الضغط على الميزانية العامة والحاجة الكبيرة لإعادة الإعمار، بعد الدمار الذي لحق بالمنطقة خلال السنوات الماضية.

وخلص الى ان بعض المشاريع قد تأخرت أو لم تكتمل في الوقت المحدد بسبب قلة التمويل، علما أن قيمة المشاريع المدرجة ضمن موازنة المحافظة بلغت حوالي 600 مليار دينار عراقي.

مشاريع.. حبر على ورق

الى ذلك، أطلق الناشط المدني حجي شلال، انتقادات حادة لأداء الجهات المسؤولة عن تنفيذ المشاريع في قضاء سنجار والمناطق المحيطة به، مؤكداً أن الفساد والمماطلة يعرقلان إنجاز مشاريع حيوية ينتظرها المواطنون منذ سنوات.

وقال شلال في حديث لـ “طريق الشعب”، أن “هناك تلكؤا واضحا في مشاريع حيوية، مثل مشروع بناء مستشفى بسعة 100 سرير في سنجار، إذ جرى وضع الحجر الأساس له، لكن لم يتم الشروع بأعمال البناء حتى الآن، وهو ما يعكس حجم الفساد والتباطؤ في التنفيذ”.

وأضاف شلال، أن جامعة سنجار تعاني المصير ذاته، موضحاً “حتى الحجر الأساس الذي وُعدنا به من قبل مجلس الوزراء لم يُنفذ، وهناك أيضاً مشاريع أخرى مثل مستشفى العام ومستشفى القحطانية، لم يُحدد مصيرهما أو تُباشر أعمالهما”.

وأشار الناشط إلى أن مشاريع الطرق والبنى التحتية في القضاء بقيت حبراً على ورق، على الرغم من أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أعلن مطلع العام الجاري عن 89 مشروعاً يفترض تنفيذها، من بينها مشاريع خدمية في سنجار. وتابع: “حتى الآن، لم يتحقق شيء ملموس، باستثناء وعود متكررة لا تتجاوز التصريحات الإعلامية”.

وبحسب شلال، فإن المشكلة لا تتعلق فقط بالإهمال من قبل الجهات المحلية في نينوى، وإنما تمتد إلى الفساد الإداري والمالي المستشري في الدوائر الحكومية، مشيرا الى انه “للأسف، في كل مؤسسة هناك من يعرقل معاملات المواطنين إلا مقابل دفع الرشاوى، سواء في النقلات أو الترفيعات أو حتى أبسط الإجراءات الإدارية، وهو أمر يفاقم معاناة الناس”.

واعتبر أن استمرار هذا النهج يعكس إهمالاً مقصوداً بحق قضاء سنجار وأهله، على الرغم من تخصيص أموال من صندوق إعمار سنجار.

وختم حديثه بالقول: ان “المواطنين يدفعون ثمن الفساد والمماطلة، فيما المشاريع تبقى معلّقة بين وعود الحكومة وإرادة المتنفذين”.