اخر الاخبار

في بلد أنهكته الحروب والصراعات، تظل الطفولة واحدة من أكثر الفئات عرضة للتهميش والانتهاك. فبين الالتزامات الدولية الرفيعة، والواقع الميداني القاسي، تتسع الهوة التي تفصل النصوص القانونية عن حياة الأطفال اليومية. ورغم الخطوات الرسمية المعلنة نحو حماية حقوق الطفل، ما تزال التحديات قائمة، والمخاطر متزايدة، في ظل غياب تشريعات واضحة، واستراتيجيات فاعلة تُترجم الوعود إلى أمان حقيقي.

وأعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، في 6 آب الجاري، انضمام العراق رسمياً إلى التحالف العالمي لمسار إنهاء العنف ضد الأطفال، خلال مراسيم أقيمت في مقر الأمم المتحدة، ليكون بذلك الدولة الـ46 التي تنضم إلى هذا التحالف الدولي.

وقالت وكيل الوزارة للشؤون الاجتماعية، هدى سجاد، في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، إن هذا الانضمام "جاء نتيجة جهود ومتابعة مستمرة من وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، ويعكس التزام العراق بتعزيز حقوق الطفل ومكافحة جميع أشكال العنف ضد الأطفال".

وأضافت، أن الخطوة "حظيت بترحيب واسع من الأمم المتحدة"، معتبرة إياها محطة مهمة تعزز صورة العراق أمام المجتمع الدولي، وتؤكد سعيه نحو توفير بيئة آمنة وحامية للطفولة، وفق المعايير والاتفاقيات الدولية المعتمدة.

فجوة بين القوانين والواقع

وذكر مصطفى عبد الواحد، المدير التنفيذي لمنظمة تدارك لحقوق الإنسان، أن "العراق ورغم توقيعه ومصادقته على اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولين الاختياريين الملحقين بها، إلا أنه لا يزال يعاني من فجوة كبيرة بين الالتزامات الدولية والتطبيق الفعلي لها على المستوى الوطني".

وقال عبد الواحد لـ "طريق الشعب"، أن "الوضع القانوني الدولي للعراق جيد من حيث التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات، لكن المشكلة تكمن في ضعف التنفيذ على الصعيد الداخلي، حيث ما زال العراق متأخراً على المستوى القانوني والتشريعي في ترجمة تلك الالتزامات إلى تشريعات فعلية، وتعليمات واضحة، واستراتيجيات وطنية تُعنى بحقوق الطفل".

وأضاف أن "العراق يفتقر حتى الآن إلى برامج وخطط وطنية متكاملة لحماية الأطفال"، لافتاً إلى أن المؤشرات والإحصاءات المتوفرة توضح تدهورا خطيرا في واقع الطفولة، بما يشمل تفشي ظواهر مثل الاتجار بالبشر، تشغيل الأطفال، التسول، تجنيدهم في الجماعات المسلحة، وحتى الزج بهم في تجارة المخدرات.

وتابع ان "هناك مزاعم ومعلومات عن تورط منظمات إجرامية وأطرافا مسلحة في استغلال الأطفال في تجارة المخدرات، سواء في التوصيل أو الترويج، مستغلين أعمارهم الصغيرة لتفادي الرقابة الأمنية، وهذا يفاقم من خطورة الوضع".

وأشار عبد الواحد إلى أن الصراعات والحروب الداخلية التي مر بها العراق، وخاصة بعد أحداث 2014، ساهمت بشكل كبير في تراجع حقوق الأطفال، مشيرا الى ان "البرامج الحكومية المعنية بحقوق الطفل خلال وبعد فترات النزاع كانت ضعيفة جداً، ولم ترقَ إلى مستوى التحديات الميدانية".

كما سلط الضوء على مشكلة فقدان الوثائق الثبوتية لدى آلاف الأطفال، خصوصاً في مناطق النزاع، نتيجة فقدان أو اختفاء آبائهم، وهو ما تسبب في حرمانهم من التعليم، والخدمات الصحية، والضمانات القانونية. واستشهد بتقارير من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين والصليب الأحمر الدولي التي تشير إلى وجود نحو 250 ألف مفقود في العراق خلال العقد الأخير، كثير منهم من أولياء أمور الأطفال.

وأكد عبد الواحد وجود معلومات تُشير إلى قيام بعض الفصائل المسلحة المدعومة من الدولة بتجنيد أطفال دون سن 15 عاماً خلال النزاعات المسلحة، وهو ما يشكل انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الطفل.

وشدد عبد الواحد على ضرورة تبني العراق استراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد لمعالجة واقع حقوق الطفل، داعيا إلى إنشاء مؤسسات وأقسام متخصصة داخل الوزارات تُعنى برصد وتقييم مؤشرات وضع الأطفال، ووضع سياسات فعالة تستجيب لمخاطر التدهور الذي تعاني منه هذه الفئة الهشة.

غياب التشريعات المحلية!

وقال أحمد الموسوي، المدير التنفيذي لجمعية مراقبة حقوق الإنسان العراقية، إن العراق قد صادق على معظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، باستثناء اتفاقية واحدة تتعلق بحقوق العمال المهاجرين، وهو بصدد الموافقة عليها مؤكداً في الوقت نفسه أن العراق ملتزم باتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى البروتوكولات الملحقة بها.

وأوضح الموسوي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "ما يُثار مؤخراً بشأن التحالف الدولي المتعلق بحقوق الطفل ليس اتفاقية، بل هو تحالف يهدف إلى تعزيز الضمانات الخاصة بحماية الطفولة، وهي خطوة إيجابية تصب في مصلحة الأطفال في العراق". لكنه أشار إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التشريعات المحلية التي تتماشى مع هذه الاتفاقيات الدولية.

وأضاف انه "برغم أن العراق صادق على اتفاقية حقوق الطفل، إلا أنه حتى الآن لا يمتلك قانونا واضح لحماية الطفل. بالرغم من وجود مسودة لقانون حماية الطفل موجودة منذ سنوات في أدراج مجلس النواب، لكنها لم تر النور بعد".

وشدد الموسوي على أهمية دعم هذا التحالف الدولي للهياكل الوطنية المعنية بحقوق الطفل، مثل وزارات العدل، والعمل والشؤون الاجتماعية، والتخطيط وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة. وأكد أن هذه الجهات تحتاج إلى "الدعم الفني والتشريعي لتتمكن من أداء دورها بفعالية".

كما لفت إلى أن السياسات السكانية التي تتبناها الدولة تتضمن فقرات متعلقة بحقوق الطفل، معتبرا أن انضمام العراق إلى مثل هذه التحالفات يمكن أن يسهم في تعزيز الضغط وكسب التأييد نحو تشريعات أفضل.

وأعرب الموسوي عن أمله بأن يشهد البرلمان العراقي في دورته المقبلة خطوات حقيقية نحو إقرار القوانين المعنية بحقوق الإنسان، وعلى رأسها قانون حقوق الطفل، مشيراً إلى أن العديد من هذه القوانين لا تزال معلقة في مجلس النواب دون تصويت.