اخر الاخبار

الذاكرة لا تُدفن.. إنها تعود دائمًا، بأسماء الوقائع، والشهداء، بصورهم، بصدى أصواتهم في الساحات.

ما زالت انتفاضة تشرين، بعد مرور ست سنوات، تُقلق، وتُربك من يخاف الناس حين ينتفضون، وتُرعب من يعرف أن الذاكرة الحية أخطر من السلاح. واليوم، تعود المحاولة من جديد، ولكن بصيغة مختلفة: "مشروع استثماري" أُعلن عنه في 31 تموز 2025، يقضي بتحويل مبنى ما بات يعرف بـ"المطعم التركي"، إلى مستشفى. في الظاهر يبدو "المشروع" عملا خدميا، أما في الباطن، فهي محاولة ممنهجة لطمس أحد أبرز معالم الذاكرة الكفاحية الحديثة للعراقيين.

لقد شكل مبنى "المطعم التركي"، المطلّ على ساحة التحرير بجدارية جواد سليم من جهة، ومن الجهة الأخرى على دجلة وجسر الجمهورية، منصة للمقاومة المدنية السلمية، وفضاء للحرية، وبُرجًا رمزيًا لأحلام جيل! لا يمكن فصل هذا المبنى عن مشهد تشرين التحرري، تمامًا كما لا يمكن سلخ ساحة التحرير عن مسيرة النضال الوطني العراقي الحديث. فالمبنى، الذي سكنته أنفاس المتظاهرين وسهر فيه الشجعان على حُلمٍ بحياةٍ عادلة واسترداد وطن، ليس مجرد هيكل من الإسمنت المُتعب. إنه شاهدٌ، ومرآةُ وطنٍ حي وقف فيه شبابه ليطالبوا بما هو حق: "نريد وطن"!

وهنا علينا التذكير بالمشروع المتكامل الذي تم إعداده تحت إشراف المعماري سامان كمال، استجابة ووفاء لانتفاضة تشرين، بهدف تحويل المبنى إلى متحف خاص بذاكرة تشرين، وفتح أبوابه على الساحة ليكون جزءًا من الفضاء والذاكرة العامة. لم يكن المشروع استذكارًا للماضي فقط، بل توظيفا للذاكرة من أجل بناء وعي مدني جديد، يحترم الكرامة والحرية والعدالة.

بلدان كثيرة تحتفي بمواقع نضالها، وتحوّلها إلى معالم تربية وأمل. أما هنا، فيُراد لنا أن ننسى. ويُراد للذاكرة أن تُهدم، لا أن تُذكّر وتُطالب، ذاكرة لا تُشعل وجدانًا من جديد، فالذاكرة الجماعية ليست مجالًا للمساومات السياسية، إنها ملك الشعب، ودم الضحايا، وحق الأجيال القادمة.

ما يحدث في ساحة التحرير ليس تبديل اسم مبنى بآخر، بل محاولة خنق ساحات حرية التعبير والاحتجاج: من المطعم التركي إلى ساحة التحرير، من ساحة الحبوبي الى ساحة ثورة العشرين، في استهداف للفضاء الوطني العراقي الجامع للكفاح والابداع! يريدون محو كل ذلك بخطوة انتقامية باردة. كأن السلطة تفضّل مجددًا إعادة صبغ الجدران بدل الإصغاء لما نقشته دماء الشباب عليها، كأن الوطن يمكن أن يُشفى بنسيان الجرح، لا بتكريمه.

المثقفون والفنانون والنقابات وقوى المجتمع المدني الحية، وجميع أحرار العراق مطالبون بالوقوف بوجه هذه الهجمة، التي تُخفي خلف نواياها "التعميرية"، رغبة انتقامية دفينة بمحو كل أثر لتشرين من الوجدان العراقي.

ندعو كل الاطراف المسؤولة ومن ضمنها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والهيئات المستقلة ومن ضمنها هيئة الاستثمار الى التحرك الفوري لمنع هذا الإجراء ودعوة الجهات المعنية إلى الاستثمار والبناء الحقيقي في المؤسسات الصحية الموجودة والمستقبلية وضمن التصميم الأساسي لبغداد، والذي يشمل عشرات المستشفيات غير المنجزة وعدم السماح للعشوائية بتصدر المشهد.

في ساحة التحرير، حيث تلتقي جدارية فائق حسن بجدارية جواد سليم، وبينهما تمثال الأمومة لخالد الرحال، وعلى مقربة منها متحف الفن الحديث (قاعة كولبكيان).. هنا اجتمع الابداع بالوثبات، واختلطت دماء العراقيين، وذابت الهويات المذهبية والمناطقية في اسم واحد: العراق! هنا وُلدت ذاكرة تشرين. وهنا ستبقى!

ذاكرة تشرين.. لا تُهدَم، بل تُروى، وتُصان، وتُعلّم.

بغداد، 9 آب 2025

 

الموقعون بحسب الأسبقية:

1- زهير الجزائري (روائي)

2- إيمان خضير (مخرجة سينمائية)

3- خالد مطلك (كاتب)

4- علي بدر (كاتب)

5- د.الناصر دريد (أستاذ جامعي)

6- ضياء الشكرجي (كاتب)

7- د.جاسم الحلفي (باحث بالحركة الاجتماعية)

8- خالد سليمان (كاتب وباحث بيئي)

9- فرح سالم (كاتبة وصحفية)

10- سليم سوزه (كاتب)

11- د.أمل الجبوري (شاعرة وأستاذة جامعية)

12- د.فارس حرام (شاعر وأكاديمي)

13- منتظر ناصر (كاتب وصحفي)

14- سامانط نوح (كاتب وصحفي)

15- د.حكمت سليمان (أكاديمي)

16- سعدون ضمد (إعلامي وأكاديمي)

17- سامي شاتي عبيد ناشط (أكاديمي وباحث)

18- علاء الدليمي (ناشط وأحد جرحى تشرين)

19- هادي مجيسر صالح (والد أحد شهداء تشرين)

20- مشتاق عبدمناف الحلو (كاتب)

21- رند ثابت (فنانة)

22- علي المدن (باحث)

23- دلوڤان برواري (محامي وصحفي)

24- أسماء جميل رشيد (باحثة وأكاديمية)

25- سلمان هاشم ناشط (فنان تشكيلي نحات)

26- واثق لفتة (ناشط سياسي)