اخر الاخبار

في خطوة تُعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، أعلنت وزارة الزراعة بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي عن إطلاق مبادرة التأمين الزراعي البارومتري، التي تستهدف حماية صغار المزارعين من المخاطر المناخية المتزايدة التي تهدد إنتاجهم الزراعي، خاصة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.

ورغم التفاؤل بهذه المبادرة، فإن خبراء البيئة والناشطين يؤكدون أهمية تبني حلول استراتيجية شاملة تتجاوز التعويضات المالية لتشمل إعادة التخطيط الزراعي، دعم التقنيات الحديثة، وتفعيل رقابة دقيقة تضمن عدالة توزيع الدعم وشفافية البيانات.

مشروع تجريبي قابل للتوسع

وللإيضاح اكثر حول البرنامج قالت منسق الوزارة مع برنامج الأغذية العالمي، بروج محمد، أن المشروع أُطلق بعد استحصال الموافقات الرسمية في العام الماضي، مؤكدةً أن البرنامج يستهدف في مرحلته الأولى ست محافظات، هي: نينوى، كربلاء، البصرة، صلاح الدين، واسط، ومحافظة سادسة ستحدد لاحقاً.

وبيّنت محمد في حديثها لـ"طريق الشعب"، انه تم اختيار عاملين أساسيين من المخاطر: الجفاف وارتفاع درجات الحرارة لصرف التعويضات.

وأشارت إلى أن المشروع نُفذ في مرحلته الأولى بشكل تجريبي في ثلاثة أقضية في نينوى وفي محافظة كربلاء، مبينة انه تم تعويض مزارعين في نينوى بعد ثبوت حالات الجفاف بينما لم تُسجل في كربلاء نسب جفاف مرتفعة تتيح صرف التعويضات.

وأكدت أن المؤشرات المتعلقة بدرجات الحرارة اعتمدت ابتداءً من الشهر السابع، على أن يتم صرف التعويضات بعد تحديد الأولويات استناداً إلى البيانات المناخية المستلمة وان المشروع يستهدف أصحاب الحيازات الصغيرة (أقل من 10 دونمات).

وبينت أن المرحلة الأولى من المشروع شملت نحو 500 مستفيد، جرى تعويض 400 منهم حتى الآن، مؤكدةً أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وتأتي بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي.

وذكرت محمد، أن نجاح التجربة الحالية سيفتح الباب أمام توسيع البرنامج ليشمل مخاطر أخرى مثل الفيضانات وغيرها، لاسيما أن العراق من أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية. كما نوهت الى أن تبني الحكومة للمشروع على نطاق أوسع ليغطي فئات أوسع من المزارعين في جميع المحافظات سيعتمد على مدى نجاحه.

واختتمت أن تقييم نجاح التجربة سيتم بعد انتهاء المرحلة الثانية وشمول المحافظات الست كافة.

غياب التخطيط العلمي

من جهته، قال مدير منظمة الحقوق الخضراء، فلاح الأميري، أن التعامل مع نتائج المشكلات دون التعمق في أسبابها يعكس فقداناً للتخطيط العلمي المدروس، سواء في مؤسسات الدولة أو في البرامج الحكومية.

واضاف الأميري في حديث مع "طريق الشعب"، أن الحالة التي يمر بها العراق تتطلب فهماً عميقاً للمشكلة وآثارها، ووضع حلول استراتيجية بعيدة المدى، بدلاً من مجرّد إسكات الأصوات أو استغلال الفرص في تسييس الإنفاق العام.

وتابع أن "الظلم البيئي الذي يتعرض له المواطن العراقي بشكل عام، والمواطن البصري بشكل خاص، يؤثر على مختلف القطاعات ومنافذ الحياة، وليس فقط على صغار الفلاحين"، مشيرا الى ان هؤلاء الفلاحين "سيظلون يعانون من ضعف الإنتاج بسبب المنافسة القوية مع المنتجات المستوردة المتوفرة في السوق، والتي تُعد من أبرز أسباب تراجعهم".

ونوه إلى أن "العودة إلى وزارة الزراعة وإعادة التخطيط والتنظيم للمزارع الحكومية أمر في غاية الأهمية، خصوصاً للمنتجين ذوي التكلفة المرتفعة، حيث يتم احتساب كل أبواب الإنفاق بدقة، مع تشديد الرقابة والضمانات الأصولية، وليس فقط على مواطن يملك بعض الدونمات البور التي تُحتسب كأرض زراعية. كما أن نسبة التعويض يجب أن تقابلها استثمارات في السكن المخصص للأراضي الزراعية".

واكد الأميري، أن "الخطط التي ستنفذها الحكومة بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي تتيح فرصة للاستفادة من الأموال في تأسيس مشروع تدوير المياه واستخدامها في الزراعة، وهو ما يحتاجه العراق اليوم بشكل منطقي وعلمي".

وخلص الى القول: أن "مثل هذه البرامج، رغم كونها فريدة في المنطقة، لا تعني بالضرورة نجاحها أو فائدتها، وأن عدم تطبيقها في دول المنطقة يُؤكد محدودية أثرها".

الشفافية والعدالة في التغطية الجغرافية

من جهته، قال الناشط البيئي حيدر شاكر إن إطلاق أول برنامج للتأمين الزراعي البارومتري في العراق يمثل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح لمواجهة تداعيات التغير المناخي، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة أن ترافق هذه المبادرة آليات واضحة للرقابة والتقييم المستقل، خصوصاً في ما يتعلق بشفافية البيانات المناخية واعتمادها كأساس للتعويضات.

وأضاف شاكر في تصريح لـ”طريق الشعب”، أن العراق يواجه تهديدات بيئية متزايدة، أبرزها الجفاف، التصحر، وارتفاع درجات الحرارة، مؤكداً أن هذه الظواهر لم تعد موسمية أو طارئة بل باتت سِمة مستدامة تهدد الأمن الغذائي وسبل عيش آلاف العوائل الزراعية، ولا سيما أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يشكلون الفئة الأضعف في سلسلة الإنتاج الزراعي.

وأشار إلى أن نجاح المرحلة التجريبية من المشروع يجب ألّا يُقاس فقط بعدد المستفيدين، بل بمدى عدالة توزيع الخدمات، ودقة قياس المؤشرات المناخية، ومدى موثوقية مصادر البيانات التي تُبنى عليها قرارات التعويض.

وزاد بالقول أن “من غير المقبول أن يُحرم مزارعون من حقوقهم بسبب خلل في آليات الرصد أو فجوات في تغطية المحطات المناخية”، داعيا إلى ضرورة أن تتضمن المراحل المقبلة إشراكاً حقيقياً لممثلي المجتمع المحلي والخبراء البيئيين في عملية التخطيط والتقييم.

وحذر من أن تغييب الرأي المحلي "يُضعف فعالية أي مشروع، مهما كان طموحه".

كما شدد على أهمية التوسّع النوعي في المشروع ليشمل مخاطر مناخية أخرى كالعواصف الترابية والفيضانات، وضرورة بناء قاعدة بيانات وطنية موحدة ومحدثة، تربط بين وزارتي الزراعة والموارد المائية وهيئة الأنواء الجوية، لتكون مرجعاً لاتخاذ القرارات.

واختتم بالقول إن العراق بحاجة إلى انتقال من “ردود الفعل” إلى “التخطيط الاستباقي” في ملف البيئة والمناخ، معتبرًا أن أي مشروع تأميني لا يُربط بسياسات مائية مستدامة وتشجيع الزراعة الذكية مناخيًا، سيبقى مجرد حل إسعافي مؤقت.