تُعد قضية استرداد العراق لممتلكاته وأصوله المفقودة في الخارج، واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003، لما لها من أهمية اقتصادية وقانونية وسيادية كبيرة؛ إذ تقدر قيمة هذه الأصول التي توزعت في دول آسيوية وأفريقية وأوروبية بحوالي 100 مليار دولار، وتشمل عقارات فاخرة ومزارع ومرافق نفطية ويخوت تمتلكها الدولة منذ عهد النظام السابق.
إن استعادة هذه الممتلكات لا تخلو من صعوبات جمة وإجراءات دولية معقدة؛ إذ يواجه العراق تحديات متعددة تتمثل في تسجيل الأصول بأسماء أشخاص وشركات وهمية، وغياب التعاون الكافي من قبل بعض الدول، إلى جانب التعقيدات القانونية والإجرائية لدى محاكم مختلفة حول العالم.
وجمدت أموال العراق في الخارج بعد فرض الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية خانقة على بغداد، جراء غزو النظام الديكتاتوري المباد للكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي.
موزعة في آسيا وأفريقيا وأوروبا
تقول منصة “أمواج” البريطانية، أن العراق يواجه صعوبات كبيرة في استرداد ممتلكاته وأصوله المفقودة في دول آسيوية وأفريقية وأوروبية، والتي تُقدّر قيمتها بنحو 100 مليار دولار. وتشمل هذه الأصول قصورًا وفيلات في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، إضافة إلى مزارع للشاي والمطاط والتبغ في ماليزيا وسريلانكا وفيتنام، ومصفاة نفط في الصومال وأراضيَ زراعية في نيجيريا واليمن.
وتضيف أمواج في تقرير لها، أن البرلمان العراقي أطلق في حزيران الماضي مبادرة لاستعادة هذه الأصول بعد تأكيد الرئيس الصومالي خلال القمة العربية الأخيرة أن مصفاة نفط عراقية قرب مقديشو ما زالت قائمة لكنها مهملة منذ عقود.
وينبه التقرير إلى أن الحكومة العراقية بدأت حملة للتحقق من ملكية هذه الأصول ومعالجة العوائق القانونية.
ويقدّر مشرّعون أن نحو 50 أصلاً رئيسياً لا يزال مجهول المصير، وتصل قيمتها الإجمالية إلى 80–100 مليار دولار.
حوافز قانون الاسترداد
ويمنح قانون الاسترداد حوافز للمبادرين بإعادة الأموال المنهوبة من العراق، إذ يؤكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أن النظام السياسي السابق على مدى أكثر من ثلاثة عقود وزع ممتلكات الدولة وأموالها الضخمة بين عواصم مختلفة حول العالم، وغالبًا ما كانت تسجل، بشكل غير مباشر، بأسماء أشخاص.
ويقول صالح في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن هذه الممتلكات تنوعت بين أرصدة مصرفية وأموال نقدية ويخوت وعقارات وقصور وأبنية موزعة في دول عدة، مشيرا الى ان قرارات مجلس الأمن، الصادرة عقب اجتياح الكويت، أتاحت لبعض الدول والشركات الاستحواذ على جزء من هذه الأموال والممتلكات بشكل صريح، فيما خضع جزء منها لدعاوى قضائية أفضت إلى السيطرة عليها.
ويضيف، أن العراق تمكن من استرداد قسم محدود من هذه الأموال، بينما لا يزال جزء كبير منها مسجلًا بأسماء أشخاص مجهولين أو وهميين، مبينا أن قانون الاسترداد الحالي "يمنح فرصة لمن يبادر بالاعتراف بامتلاك أموال تابعة للعراق، مقابل حصوله على نسبة تصل إلى 10 في المائة منها، في حال إقراره بأنها أموال عراقية وإبداء رغبته في إعادتها".
ويوضح أن "عملية الاسترداد معقدة وطويلة، إذ تتطلب رفع دعاوى قضائية وإثبات ملكية الأموال للعراق أمام محاكم مختصة في دول مختلفة، إضافة إلى الحاجة إلى ميزانيات وفِرق محامين متخصصة".
ويشدد صالح على أن الهدف الأساسي من هذه الجهود هو "قطع الطريق أمام الفساد وحماية المال العام، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل"، مؤكدًا أن الإصرار على الاسترداد، حتى بعد مرور عقود، يمثل رسالة واضحة بعدم التسامح مع أي تجاوز على أموال الدولة.
ويشير إلى أن "الاستيلاء على العقارات المسجلة بأسماء أشخاص يعدّ أحد أشكال الفساد العابر للحدود، ما يجعل العملية معقدة وطويلة، خصوصًا أن المشكلة تكمن في الخارج أكثر مما هي داخل العراق"، لافتاً الى أن "القيمة الفعلية لهذه الأصول غير معروفة بدقة، وأن ما يُعلن عنه هو مجرد تقديرات".
ويخلص الى أن صندوق استرداد الأموال "يعمل بفاعلية كبيرة من خلال قراراته ورفع الدعاوى بالتنسيق مع الادعاء العام العراقي"، مشيراً الى أن هناك "تطوراً مهماً يتمثل في إدراج بنود خاصة بالتعاون مع العراق في أية اتفاقيات ثنائية، تنص على دعم جهود استرداد الأموال المنهوبة أو المستولى عليها".
بعض الدول غير متعاونة
من جانبه، قال مدير مكتب إعلام هيئة النزاهة، علي محمد، إن صندوق استرداد الأموال يعمل منذ عام 2012 على تتبع تلك الأصول والممتلكات، مبينًا أن العراق تمكن مؤخرًا من استرداد 150 مليون دولار، من أحد أزلام النظام السابق الذي شغل منصب مدير عام في جهاز المخابرات. وتتوزع هذه بين عقارات ومزارع ويخوت وغيرها.
وأضاف محمد في حديث مع "طريق الشعب"، أن تعقيد هذا الملف يعود إلى تسجيل الأصول بأسماء شخصيات أو شركات وهمية، أو بأسماء أشخاص آخرين، فضلًا عن عدم تعاون بعض الدول مع العراق في هذا الشأن. وأكد أن استرداد الأموال والممتلكات يمثل خطوة مهمة في إطار مكافحة الفساد ومنع استغلال أصول الدولة العراقية، مشددًا على أن الأرقام المعلنة بشأن قيمة هذه الأصول غير دقيقة بسبب غياب المعلومات الكاملة عنها.
وبيّن محمد، أن التعقيدات المرتبطة بهذا الملف "شديدة ومتعددة الأبعاد، إذ إن أغلب الأصول تم تسجيلها بأسماء شركات أو شخصيات وهمية، أو بأسماء أشخاص آخرين لا صلة لهم بالنظام السابق بشكل مباشر، ما يصعّب عملية إثبات ملكيتها للعراق"، مضيفاً أن بعض الدول "لا تزال غير متعاونة مع العراق في هذا المجال، ما يعرقل جهود الاسترداد ويطيل أمد القضايا القانونية المرتبطة به".
وأكد أن التحرك لاسترداد هذه الأموال والممتلكات يمثل خطوة جوهرية في إطار مكافحة الفساد، مشدداً على أن هذه الجهود تهدف إلى "حماية المال العام ومنع استغلال أصول الدولة العراقية التي تم الاستيلاء عليها أو تهريبها خلال الحقبة السابقة".
وأشار محمد إلى أن القيمة الحقيقية لهذه الأصول "لا تزال غير معروفة على وجه الدقة، وأن كل الأرقام المعلنة ليست سوى تقديرات تقريبية، نظراً لتعقيد عملية الحصر وصعوبة الوصول إلى المعلومات الدقيقة بشأنها".
وزاد بالقول: أن "الصندوق يعمل على رفع الدعاوى القضائية في الدول ذات العلاقة بالتنسيق مع الادعاء العام العراقي، ويتم نقل الملفات إلى المحاكم المختصة ضمن الولاية القضائية لكل دولة، بهدف إثبات ملكية العراق لهذه الأصول".
وشدد على أن العراق "يسعى في جميع الاتفاقيات الثنائية والدولية إلى تضمين بنود خاصة بالتعاون في ملف استرداد الأموال المنهوبة، لضمان استرجاع أكبر قدر ممكن من الأصول التي نُهبت أو سُجلت بطرق ملتوية".
وواصل الحديث أن هذه الجهود "لا تنطوي فقط على مجرد تحرك مالي، بقدر ما تمثله من ركيزة أساسية في تعزيز هيبة الدولة وترسيخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب و ترسيخ القيم القانونية وحماية المال العام من أي تجاوز مستقبلي".
عراقيل ومعوقات
وكان رئيس هيئة النزاهة محمد علي اللامي، وهو رئيس مجلس إدارة صندوق استرداد أموال العراق، أكد في حزيران الماضي، ضرورة استرداد أموال العراق المنهوبة.
ونوه اللامي في حينها، بأن "قانون صندوق استرداد أموال العراق رقم (9 لسنة 2012) المُعدَّل، يحتاج إلى بعض التعديلات المُهمَّة التي ينبغي للسلطة التشريعيَّة المبادرة لتشريعه".
ومن أبرز العراقيل والمُعوقات التي تقف حائلاً أمام إنجاح جهود الأجهزة الرقابية والقضائية الوطنية في هذه المهمة، هو ضعف الجهود الدولية في هذا الملف وعدم اتخاذها الإجراءات الكافية. كما أن السبب السياسي مهم جدا؛ اذ ان هناك جزءا من الأحزاب السياسية المتنفذة متورطة بالفساد وعمليات تهريب الأموال ونقلها للخارج، طيلة السنوات الماضية، وبالتالي فإن هذه الأحزاب والقوى لن تسمح بإقرار أي قوانين قد تمهد لمساءلتها، وهذا يعني أن استعادة الأموال مستقبلا تعتمد على المعادلة السياسية القادمة بعد الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني المقبل. ولو بقيت هذه الأحزاب مسيطرة على الوضع، فمن المستبعد أن يشهد ملف استرداد الأموال تفاعلا برلمانيا.