اخر الاخبار

تتوقع مراصد بيئية عودة رائحة الكبريت مجددًا خلال الشهر الحالي، في ظل غياب إجراءات حقيقية لمعالجة مصادر الدخان الأسود الذي اختنق به سكان بغداد خلال العام الماضي.

ورغم تأكيد وزارة البيئة أن رائحة الكبريت لن تعود خلال شهر آب، مع احتمال ظهورها بشكل خفيف عند اعتدال الطقس، يرى مراقبون أن تجاهل اتخاذ إجراءات احترازية فعالة قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة هذا العام بشكل يفوق ما سُجل في السابق.

تراجع الإجراءات الوقائية

وحذر عضو مرصد العراق الأخضر، عمر عبد اللطيف، من احتمالية عودة رائحة الكبريت مجددا إلى أجواء العاصمة بغداد خلال شهر آب الحالي، نتيجة استمرار الأنشطة الصناعية الملوثة وتراجع الإجراءات البيئية الوقائية، وسط مخاوف من تداعيات صحية خطيرة على المواطنين، لاسيما في المناطق القريبة من مصادر الانبعاثات.

وقال عبد اللطيف لـ "طريق الشعب"، أن "العديد من الأنشطة الصناعية لا تزال قائمة، مثل معامل الطابوق ومحطات توليد الكهرباء ومصانع الأدوية، دون الالتزام بالمعايير البيئية المطلوبة"، مبينا أن هذه المرافق تستخدم أنواعا من الوقود الرخيص وغير المناسب للأجواء العراقية، مما يزيد من تركيز الملوثات في الهواء.

وأوضح أن "حرق النفايات بشكل غير قانوني، والاعتماد المفرط على المولدات والسيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، يساهمان كذلك في تفاقم مستويات التلوث"، مشيرا إلى أن "قلة المساحات الخضراء تُفقد العاصمة قدرتها الطبيعية على امتصاص هذه الانبعاثات".

وحول تداعيات هذا التلوث، أكد عبد اللطيف أن "رائحة الكبريت التي سُجلت في العام الماضي تسببت بأضرار كبيرة على الجهاز التنفسي لعدد من المواطنين، وخاصة في مناطق مثل بسماية والمناطق المجاورة لمواقع الأنشطة الصناعية"، وأضاف أن "التعرض المتكرر لهذه الملوثات قد يؤدي إلى أضرار على الجهاز العصبي، وقد يتسبب بظهور أمراض مزمنة وخطيرة على المدى البعيد".

إغلاق المشاريع المخالفة للبيئة

ودعا عضو مرصد العراق الأخضر الحكومة إلى "إغلاق جميع المشاريع الصناعية المخالفة للبيئة، والعمل على إعادة تقييم الإجازات الممنوحة لهذه المشاريع، والتأكد من استخدام تقنيات نظيفة ووقود صديق للبيئة".

كما شدد على ضرورة "دعم المركبات التي تعمل بالطاقة النظيفة، مثل الكهرباء أو الغاز، مقابل الحد من استخدام السيارات العاملة بالبنزين"، معتبرا أن "أعداد هذه المركبات في تزايد كبير، مما يفاقم أزمة التلوث".

وفي جانب آخر، انتقد عبد اللطيف ضعف الجهود المبذولة لزيادة الغطاء النباتي، مشيرا إلى أن "العاصمة بغداد تحولت إلى مدينة كونكريتية بالكامل، بعد تقلص المساحات الخضراء وقطع عدد كبير من الأشجار المعمرة".

وتابع عبد اللطيف بالقول إن "رائحة الكبريت لا تقتصر على بغداد وحدها، بل تمتد إلى المحافظات المجاورة، ما يجعل هذه الأزمة مسؤولية وطنية تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني".

مصادر رائحة الكبريت قائمة

من جهته، أكد المتنبئ الجوي صادق عطية أن ظاهرة رائحة الكبريت أو دخان الكبريت التي تشهدها العاصمة بغداد بين الحين والآخر، لم تنتهِ منذ ظهورها قبل قرابة عام، مشيرا إلى أن مصدر هذه الروائح لا يزال قائما، وأن المتغير الأبرز في مدى انتشارها هو اتجاه الرياح.

وقال عطية لـ "طريق الشعب"، إن "مصادر رائحة الكبريت ما زالت موجودة، وما يمنحنا فترات من انحسار هذه الروائح هو فقط تغير اتجاه الرياح". وأوضح أن "الرياح الشمالية الغربية عادة ما تدفع هذه الانبعاثات بعيد عن أجواء العاصمة باتجاه الجنوب الشرقي، ما يؤدي إلى تلاشي الرائحة".

أما في حال كانت الرياح جنوبية شرقية أو ساكنة، فإنها تسهم في نقل الروائح نحو مركز بغداد من مصادر تقع جنوب وجنوب شرق العاصمة، ما يؤدي إلى ازدياد تركيزها، لاسيما خلال الليل.

وبين عطية، أن المشكلة تزداد سوء في فترات الجفاف عندما تكون الرطوبة منخفضة، إذ أن أكاسيد الكبريت تبقى معلقة في الجو لفترة أطول، ولا تترسب مع الرطوبة أو قطرات الماء كما يحدث في الأجواء الرطبة، ما يجعل الرائحة طاغية بشكل أكبر.

وفي سياق حديثه، أشار عطية إلى غياب المعلومات بشأن الإجراءات الحكومية المتخذة للحد من هذه الظاهرة، رغم أن مصادر الانبعاثات معروفة وتتمثل في مكبات النفايات المفتوحة والمعامل العشوائية، خاصة تلك التي تعتمد على الحرق كوسيلة للتخلص من النفايات.

وقال عطية "لا نعرف ما هي الإجراءات التي تم اتخاذها خلال العام الماضي، رغم وضوح المصادر"، متسائلًا عن دور وزارة البيئة ومديرياتها في المحافظات في متابعة هذه الانبعاثات واتخاذ التدابير اللازمة؟".

واختتم حديثه بدعوة الجهات المعنية إلى تحمل مسؤولياتها، خصوصا في ظل استمرار هذه الظاهرة التي تؤثر على صحة المواطنين وجودة الهواء في العاصمة بغداد

مخلفات معامل الطابوق

بدوره، قال المتحدث باسم وزارة البيئة لؤي المختار، أن الوزارة تواصل تشديد الرقابة على حرق النفايات والمصانع التي تُعد من أبرز مصادر الانبعاثات الملوثة في العاصمة بغداد.

وأضاف أن المشكلة تبرز بشكل أوضح في المناطق التي تشهد كثافة في هذه الأنشطة، خاصة خلال فترات انخفاض درجات الحرارة، حيث تزداد احتمالية تراكم الغازات في الجو.

وتابع المختار في حديث لـ"طريق الشعب"، أن الوزارة لا تتوقع عودة رائحة الكبريت بقوة كما حدث في السنوات الماضية، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى الإجراءات التي تم اتخاذها على أرض الواقع. ومع ذلك، أوضح أن "رائحة الكبريت قد تعود إلى الظهور مع اعتدال الطقس ولا نتوقع طهورها خلال شهر اب المقبل".

وفي ما يتعلق بمعامل الطابوق، أوضح المختار أن أغلب هذه المعامل تعمل ضمن تصاريح قانونية، إلا أن مشكلتها الرئيسية تكمن في استخدامها لمعدات وآليات قديمة تعتمد على وقود ثقيل، ما يسهم في زيادة الانبعاثات الضارة. ولفت إلى أن هناك إجراءات تُتخذ حاليا لتحسين نوعية الوقود المستخدم، أو في بعض الحالات، السعي لتحويل هذه المعامل إلى استخدام الغاز المضغوط كبديل أنظف وأقل تلوثًا.

وأشار المختار أيضا إلى أن هناك مصادر تلوث أخرى تعمل خارج الإطار القانوني، مثل كور الصخر المخالفة المنتشرة في مناطق شرق بغداد، والتي تُعد من المشكلات البيئية الكبرى لكونها تعمل بالخفاء.

وأكد أن تعامل الوزارة مع هذه الأنشطة يعتمد على طبيعة المخالفة، فبعضها يُواجه بغرامات أو إنذارات، بينما تتخذ إجراءات أكثر صرامة بحق الحالات الأشد، وقد تصل إلى الإغلاق المؤقت أو الدائم، وحتى إزالة النشاط بالكامل إذا ثبت ضرره البيئي المباشر.