اخر الاخبار

قبل ان يتحول الى مكب للنفايات ومصدر للأمراض والفيروسات، كان أيقونة بارزة في حياة الناس الذين يعيشون في تلك الاحياء المحاذية له. فنهر ديالى كان يمد الاهالي بمياه الشرب وسقي المزروعات.

ويتنصل الاهالي من مسؤولية ذلك الواقع المأساوي الذي يعيشه النهر، متهمين دوائر الدولة برمي نفاياتها بين جرفيه، بينما لم تبادر الجهات المعنية الى انقاذه، انما لها دور مباشر في يحصل له. 

محطات معطلة

وأجرت “طريق الشعب” جولة في منطقتي جسر ديالى والنهروان، فوجدت أن سكان تلك المناطق يعيشون تدهورا بيئيا؛ اذ تقوم آليات عملاقة تابعة الى مديريات امانة بغداد بنقل ورمي مخلفات الصرف الصحي الى مجرى النهر. وفي الوقت نفسه تشهد محطات تصفية المياه التابعة الى امانة بغداد، والتي تقع  على طرف النهر، تعطيلا وإهمالا منذ عقود.

ويقول المواطن علي محمد لـ”طريق الشعب”، ان “وحدات تصفية المياه الثقيلة معطلة منذ العام 2003 بينما تدعي امانة بغداد بأن قلة الإيرادات المالية تمنع معالجة ذلك”، مؤكدا أن “امانة بغداد تعمل اليوم على مد أنابيب عملاقة لمجاري الصرف الصحي الى ضفاف النهر، دون تصفية تذكر”.

ويشير الى أن النهر كان مصدرا لحياة الأراضي المجاورة، لكنه اصبح اليوم عبارة عن نهر ميت يتغذى على مياه المجاري التي تدفع عبر المضخات الى الأراضي الزراعية في منطقة النهروان شرق بغداد.

امانة بغداد لا ترد 

وحاولت “طريق الشعب” الاتصال بالجهات المعنية في أمانة بغداد، لكنها لم تفلح بالتواصل مع المسؤولين المعنيين، الذين وصلتهم رسالة الكترونية من الجريدة، تتضمن الاشارة الى اتهامات المواطنين، وتطلب منهم الرد او التعقيب على احاديثهم لكن احداً لم يرد.

المزارعون يشكون التلوث 

وكان اغلب سكان المناطق المحاذية للنهر يعيشون على الزراعة قبل العام 2003، لكنهم اليوم تركوا المهنة، وتحول كثير منهم الى أعمال أخرى بسبب التلوث الكبير لمياه نهر ديالى، فضلا عن قلة الدعم الحكومي للأسمدة، بحسب حديث المزارع عبد الله علي من أهالي منطقة جسر ديالى القديم. 

وقال علي لمراسل “طريق الشعب”: ان هناك “احواضا عملاقة لترسيب المياه واستخراج الفضلات وتحويلها الى اسمدة للزراعة، كانت تعمل في السابق، إلا أنها اهملت وتوقفت بعد عام 2003 لأسباب مجهولة”.

باعوا الأراضي

في حين ذكر المزارع رياض نوري لـ”طريق الشعب” ان “90 بالمائة من مزارعي منطقتي ديالى والنهروان عملوا على بيع أراضيهم، نتيجة للتلوث الكبير في مياه النهر، والذي ساهم في حرق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وبالتالي خسائر غير قليلة للفلاحين”.

واكد ان “مزارعي المنطقة طالبوا وزارة الموارد المائية بحل ازمة نهر ديالى، الا ان الرد يأتي في كل مرة (ان الجارة ايران هي من عملت على غلق المياه الى نهر ديالى وتحويل مجرها دخل أراضيهم)”.

ويقدّر رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في قضاء المدائن عباس جبار عبد علي، لـ”طريق الشعب”، مساحات الأراضي الزراعية التي تضررت في منطقة المدائن “بحدود 250 الف دونم”. اما منطقة ديالى فقد اندثرت اراضها الزراعية بشكل كامل، جراء شح المياه وتلوثها.

خارج الخطة الزراعية

ويقول، ان “وزارة الوارد المائية عملت هذا العام على حرمان مزارعي قضاء المدائن من الزراعة واخراجهم من الخطة الزراعية، بسبب قلة الإيرادات المائية واستغلال الموجود في توفير مياه الشرب”.

ويضيف أن “المتوفر من مياه نهر ديالى لا يصلح بأي شكل من الاشكال الى استخدامات الانسان، لكونها مياه مجار ملوثة”.

المتحدث باسم الوزارة حميد النايف قال لـ”طريق الشعب”: ان “الجزء الأكبر المتضرر من جراء تلوث النهر وشح المياه هو الأراضي الزراعية التابعة الى محافظة ديالى”.

واكد بالقول ان “الأراضي الزراعية في ديالى استبعدت هذا الموسم عن الخطة الزراعية، نتيجة لقلة الإيرادات المائية الواردة من الجانب الإيراني، وبالتالي لم توافق وزارة الموارد المائية على الخطة الزراعية في محافظة ديالى”.

حفر الآبار

وبخصوص الإجراءات أوضح ان وزارته “عملت على استحصال موافقة من وزارة الموارد المائية لصالح المزارعين بحفر الابار”.

وحول نسب الأراضي الزراعية المتضررة التي تتغذى على نهر ديالى، بيّن ان “الوزارة لا تمتلك أي إحصائية بهذا الخصوص”.

إيرادات النهر صفر

من جانبها، أكدت وزارة الموارد المائية ان “ملوثات مياه نهر ديالى كبيرة، وان ما زاد من الطين بلة هو قطع الجانب الإيراني للمياه، وتحويل مجرى الأنهر الى داخل أراضيها”.

المتحدث باسم الوزارة عون ذياب، قال لـ”طريق الشعب” ان “الإيرادات المائية من الجانب الايراني الى نهر ديالى تراجعت الى الصفر في معظم الأيام، إضافة الى ان موسم الجفاف هو الاخر تسبب باستفحال المشكلة التي الحقت الضرر بالمناطق الزراعية التي تتغذى على نهر ديالى”.

وأضاف أن “الوزارة تبذل اليوم جهوداً كبيرة لتوفير مياه الشرب فقط. وعملت في نفس الوقت على منح الموافقات للمزارعين بالاستفادة من مياه الابار الزراعية”.

إيران تتملص من التفاوض

وحول مفاوضات الوزارة مع الجانب الإيراني، بيّن ذياب ان “الوزارة الى الان لم تمنح فرصة للتفاوض مع الجانب الإيراني بهذا الخصوص، وذلك بسبب الاعذار كتشكيل الحكومة الإيرانية وغيرها”.

وقال إن وزارته لم تبد أية قناعة بالأعذار الايرانية “لأنه يمكن لمؤسسات معنية ان تخوض تلك المفاوضات، بعيدا عن ازمات الوضع الداخلي”.

العراق في موقف محرج

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشأن المائي تحسين الموسوي: أن “السياسات المائية الخاطئة التي عملت وتعمل بها الحكومات العراقية في ملف المياه، جعلت من العراق بموقف محرج امام المنظمات الدولية”.

وأوضح لـ”طريق الشعب” ان العراق يفتقر الى العديد من الاليات المتقدمة، والتي يعتمد عليها العالم في استخدامات المياه منها استخدام نظام المراشنة في سقي الأراضي الزراعية، وتشغيل محطات تصفية المياه وتقليل التلوث المائي وغيرها من الاليات التي لم يلتزم بها العراق على الرغم من التوصيات الدولية”. 

ويحذر من دخول العراق في ازمة مياه كبيرة بحلول العام 2025 الا ان المعطيات تؤكد ان العراق دخل فعلا منذ العام الماضي بأزمة شح المياه التي ستؤدي الى ارتفاع كبير بنسب التلوث. وبالتالي انتهاء التنوع الاحيائي، وهلاك مساحات غير قليلة من الأراضي الزراعية.

عرض مقالات: