شهدت مدن عراقية عدة خلال الأيام الماضية موجة احتجاجات متصاعدة ضد اتفاقية خور عبد الله، التي أثارت جدلًا واسعًا في الشارع العراقي بعد ما اعتبره المتظاهرون "تنازلًا صريحًا عن السيادة البحرية لصالح الكويت".
وانطلقت التظاهرات من النجف إلى بغداد، الكوت، البصرة، ميسان، وديالى، في تحرك شعبي موحد تحت شعار: "خور عبد الله عراقي.. والسيادة لا تُساوَم".
وفي ساحة التحرير ببغداد، احتشد العشرات رافعين الأعلام العراقية وشعار "خور عبد الله عراقي"، موجهين انتقادات لاذعة لعدم تفعيل قرار المحكمة الاتحادية رقم 105 لسنة 2023، الذي اعتبر الاتفاقية غير دستورية. في محافظة النجف، شهدت ساحة ثورة العشرين، وقفة احتجاجية حاشدة للناشطين والمواطنين، رفضًا لما وصفوه بتواطؤ في تمرير التنازل عن خور عبد الله.
كما عبّروا عن تضامنهم مع الكوت في فاجعة حريق الهايبر ماركت، مطالبين بالكشف عن المتورطين ومحاسبتهم.
في محافظة واسط (الكوت)، خرج العشرات مساء الجمعة في ساحة العامل، مطالبين بإلغاء الاتفاقية، ومؤكدين أن السكوت عنها خيانة للأجيال القادمة.
وهدد المحتجون بتصعيد التظاهرات بعد زيارة الأربعين في حال لم تُقدِّم الحكومة موقفًا رسميًا واضحًا.
وتجمّع مئات المحتجين أمام القنصلية الكويتية في البصرة، للتنديد بما اعتبروه "اتفاقية مذلة ومخالفة للدستور"، مطالبين الحكومة بإلغاء الاتفاق، ومؤكدين أن المسؤولين الداعمين له ارتكبوا "حنثًا باليمين الدستورية".
وقال الناشط علي العبادي: "الاتفاقية لا تمثل الشعب، والمحكمة الاتحادية أبطلتها، لكن تصريحات سياسية لاحقة حاولت الالتفاف على القرار". في ميسان، تظاهرت جموع أمام مبنى المحافظة، داعية لكشف الاتفاقيات السرية ومحاسبة المسؤولين.
وفي ديالى (بعقوبة)، رفع المحتجون لافتات تطالب بإعادة خور عبد الله إلى السيادة العراقية، وسط دعوات لحراك وطني واسع.
القاضي وائل عبد اللطيف أكد أن "القرار أودع في وزارة الخارجية وكان من المفترض إرساله للأمم المتحدة، إلا أن رئيس الوزراء امتنع عن ذلك، ما يستدعي استمرار الضغط الشعبي".
من جانبه، صرّح النائب عامر عبد الجبار بأنه جمع 194 توقيعًا نيابيًا لإجبار الحكومة على تنفيذ القرار، داعيًا رئيس الوزراء إلى الاستقالة إن لم يلتزم بتنفيذه. واتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، الموقعة عام 2012، جاءت استنادًا إلى قرار مجلس الأمن 833 لعام 1993 لترسيم الحدود بعد غزو الكويت.
وقد صادق عليها البرلمان العراقي بموجب القانون رقم 42 لسنة 2013، ودخلت حيّز التنفيذ بعد إيداع وثائقها لدى الأمم المتحدة.
لكن المحكمة الاتحادية العليا أبطلت التصديق في قرارها الأخير لعام 2023، معتبرة الاتفاقية مخالفة للدستور، وهو ما فتح الباب أمام أزمة سياسية وقانونية مستمرة حتى اليوم.
ويرى مراقبون أن قضية خور عبد الله تحولت من نزاع قانوني إلى قضية سيادية وشعبية كبرى، باتت تهدد الاستقرار السياسي وتضع الحكومة أمام اختبار حقيقي بشأن الالتزام بإرادة الشعب وقرارات القضاء.
ووسط تنامي الغضب الشعبي، يبدو أن الملف مرشح للتصعيد خلال الأسابيع المقبلة، ما لم تتخذ الحكومة موقفًا واضحًا ينهي هذا الجدل المتفاقم.