السلام في كردستان تركيا وتأثيراته الإقليمية
نشرت مجلة الدبلوماسية المعاصرة مقالاً لسييد رايان آمير حول أوضاع المنطقة في ظل قرار حزب العمال الكردستاني التخلي عن سلاحه وحل منظماته، ذكر فيه بأنه وبعد أكثر من أربعين عامًا من الكفاح المسلح، بدأت هذه الجماعة بنزع سلاحها، في بادرة دراماتيكية تُشير إلى تحول جذري نحو المشاركة السياسية بعيدًا عن العنف، متسائلاً عما إذا كانت هذه الخطوة ذات أهمية في تمهيد الطريق لمصالحة حقيقية، تحقق مكاسب ملموسة للأكراد في جميع أنحاء المنطقة.
خطوة رمزية هامة
ووجد الكاتب في حفل نزع السلاح، الذي جرى في منطقة جبلية قرب الحدود التركية العراقية، أمراً بالغ الأهمية، لما رمز اليه من نهاية للمقاومة المسلحة وبداية لإعادة الاندماج السياسي، بغض النظر عن اختلاف المحللين في تقييمه، بين من وصفه "أفضل نتيجة ممكنة تفضي لإنهاء إراقة الدماء" ومن شكك فيه جراء خيبات عقود من الصراع ومحادثات السلام وخرق الاتفاقيات.
أنقرة والحل القانوني
ونقل المقال عن عدد من الخبراء قولهم بأن تركيا بحاجة لتشكيل لجنة برلمانية، تضع إطار عمل يُمكّن المقاتلين من إعادة الاندماج في الحياة المدنية، وإجراء إصلاحات قانونية موازية تُعالج حقوق المواطنة، والحريات اللغوية، وصلاحيات الحكم المحلي، كي يتحول نزع السلاح إلى عملية ذات آثار قانونية وسياسية وثقافية عميقة. وأكد الكاتب على أن التجارب في أيرلندا الشمالية وكولومبيا وسريلانكا وإسبانيا تؤكد لنا بأن إعادة الإدماج هي دائمًا الجزء الأصعب لأنها تتضمن إعادة بناء الحياة والمجتمعات والثقة وتتطلب فرصًا اقتصادية وقبولًا اجتماعيًا ورعاية نفسية وعدالة انتقالية وضمان المساواة.
تأثيرات على الساحة العراقية
وأوضح المقال بأن خطوة حزب العمال الكردستاني قد لقيت ترحيباً كبيراً من جميع القوى والأحزاب الكردية، بما فيها التي تعّد نظيرة للحزب، في العراق وسوريا وإيران، الاّ إنها جميعاً قد أكدت على أنها لن تحذو حذوها، وهو أمر قد يُضعف من التأثير الإيجابي للخطوة، الاّ إذا ما عمدت أنقرة إلى أكثر من الحكم الذاتي الكامل، بمعنى توسيع نهجها نحو اللامركزية وتقاسم السلطة وضمان جميع الحقوق الثقافية والإدارية.
وخلص المقال للإشارة إلى أن فشل الحكومة التركية في الاستفادة من هذه الخطوة الهامة واستخدامها فقط في حملات انتخابية شعبوية، يولّد مزيداً من انعدام الثقة وعودة للعنف، ليس في تركيا وحدها، بل وقد يتعدى ذلك إلى خارج الحدود الوطنية، ليشمل سوريا والعراق وإيران، ممهداً لفصل سياسي مختلف في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
أبعاد دولية
ولصحيفة ( The Conversation) البريطانية كتبت الأستاذة في جامعة لوند السويدية، بينار دينك، مقالاً وصفت فيه حفل نزع السلاح التاريخي باللحظةً المحوريةً في صراعٍ دام لأربعة عقود وراح ضحيته 40 ألف شخص، لحظة قد تُشير إلى بداية عهدٍ جديد. ورأت الباحثة في اعترافات الرئيس التركي بالفضائع التي أرتكبتها دولته ضد الكرد والتي دفع الجميع ثمنها على حد وصفه، مؤشراً على رغبة أنقرة بطيّ "صفحة طويلة ومؤلمة ومليئة بالدموع" وإنتهاج خط مؤسسي وشفاف.
واتفقت الباحثة مع أردوغان على أن القضية لا تقتصر على الكرد في تركيا فحسب، بل سيسري تأثيرها على العراق وسوريا، في ظل علاقات وثيقة وذات أفق واعد بين أنقرة وأربيل، وتجاذب أقرب للعداوة بين الأتراك وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسعى إلى الحفاظ على استقلالها العسكري ونظامها السياسي المستقل، وهو ما ترفضه دمشق وبالتالي راعيتها الإقليمية تركيا والدولية الولايات المتحدة.
وأشارت الكاتبة إلى أن أنقرة لا تصّر على نزع سلاح الفصائل الكردية في سوريا إضافة إلى سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، بل وتصرح أيضاً وعلناً على ضرورة توقف اتحاد مجتمعات كردستان (KCK)، عن النشاط في العراق. وأكدت على أن ما تحصل عليه تركيا من دعم أمريكي مباشر يأتي مقابل ما تلعبه من دور في التغييرات الجيوسياسية المتفاقمة في المنطقة لصالح واشنطن. وعلى الرغم من عدم ارتياح تل أبيب لهذا الدور، فإن تخلي واشنطن عن حليفتها قسد، يمثل درساً للعراقيين من العرب والكرد على حد سواء.