اخر الاخبار

برغم التصريحات الرسمية المتكررة والوعود عن مضي الحكومة العراقية قدماً في تنفيذ خطط مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، وكذلك نشاط هيئة النزاهة وإبرامها اتفاقات مع مختلف مؤسسات الدولة في اطار مكافحة الفساد، ما تزال الشكوك تتعاظم لدى المتابعين والخبراء بشأن جدية هذه المساعي، وسط غياب واضح للنتائج على مستوى “رؤوس الفساد الكبرى”، واستمرار الانتهاكات التي تطال المال العام دون رادع حقيقي.

ويجمع مختصون على أن مكافحة الفساد في العراق تفتقر إلى الإرادة السياسية، وتقتصر غالباً على استهداف الدرجات الوظيفية المتوسطة والدنيا، بينما يُستثنى المتورطون الفعليون في “شبكات الفساد المحمية سياسياً”.

توزيع واضح للأدوار!

المتخصص في مكافحة الفساد سعيد ياسين، يقول إن جهود هيئة النزاهة تنقسم إلى جانبين رئيسيين: تعزيز النزاهة من خلال الإجراءات الوقائية، والردع عبر التحقيق والمساءلة القانونية.

ويضيف ياسين في حديث مع "طريق الشعب"، أن الجانب الوقائي يرتكز على توزيع وتكامل الأدوار بين الهيئة والمؤسسات العامة، إلى جانب تفعيل التعاون الدولي مع المنظمات والدول التي يرتبط العراق معها باتفاقيات، أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، واتفاقية منظمة التعاون الإسلامي.

ويتابع أن هذه الإجراءات تهدف إلى نقل الخبرات، وتأسيس بيئة عمل قائمة على النزاهة، وذلك من خلال إدراج البرامج الوقائية ضمن فقرات البرنامج الحكومي، وتطبيقها بحسب القطاعات (التعليم، الدفاع، الصناعة، النفط، إلخ).

وعن العقود والمشتريات الحكومية، يوضح ياسين أن لكل مؤسسة خصوصيتها، مما يتطلب أدوات وقائية مناسبة لكل حالة. لكنه يؤشر وجود خلل في الجانب الردعي، فأكد أن التحقيق والتدقيق والإحالة إلى القضاء هي أدوات لاحقة، تُفعّل غالباً بعد وقوع الفساد.

ويشدد في ختام حديثه على أن أول خطوة في الوقاية هي اختيار القيادات الإدارية وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة، إلى جانب التدريب المستمر وتعزيز الالتزام بقواعد السلوك الوظيفي، لبناء منظومة فعالة لا تسمح بتكرار الانتهاكات.

ماذا عن كبار الفاسدين؟

من جهته، يقلّل المراقب للشأن السياسي داوود سلمان من فاعلية الاتفاقيات والتصريحات الحكومية المتعلقة بمكافحة الفساد، واصفاً إياها بأنها مجرد أدوات للتسويق الإعلامي لا أكثر.

يقول سلمان في حديث مع "طريق الشعب"، ان "هيئة النزاهة أعلنت عن أكثر من 11 ألف ملف فساد، لكنها بقيت مركونة على الرفوف، لأنها تتعلق بكبار الفاسدين من سياسيين وقادة أحزاب، الذين يُعدّون خطوطاً حمراء لا يسمح القانون ولا الإرادة السياسية بالاقتراب منهم"، بحسب حديثه.

ويضيف أن ما يجري في الواقع هو استهداف للموظفين الصغار كـ”كبش فداء”، يُضحّى بهم لتقديم صورة زائفة عن وجود إجراءات لمكافحة الفساد، في حين أن الرؤوس الحقيقية للشبكات الفاسدة لا تُمسّ.

ويشير سلمان إلى أن الفساد "يبدأ من القمة وليس من القاعدة. السياسيون والأحزاب يشرفون على عقود الوزارات، والمنافذ، والموانئ، والصفقات الكبرى، كما حدث في قضية نور زهير، وصفقات بيع ميناء الفاو، وغيرها من الأدلة الكثيرة والموثّقة التي لم تُتخذ فيها أي إجراءات رادعة".

وفي معرض تعليقه على الخلل في المنظومة العقابية، يشدد سلمان على أن "غياب العقاب يُشجع الفاسدين"، مستشهداً  بـ"الكثير من البراهين والمعلومات المُعلنة والمعروفة والمتداولة في الاعلام عن تورط مسؤولين عراقيين في صفقات فساد بمبالغ تصل إلى مليارات الدنانير، دون أن تتحرك الدولة للتحقيق".

واختتم حديثه بالقول: "ما لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية، وتشريعات قوية تُطبّق بلا تردد أو مجاملة، فإن مكافحة الفساد ستبقى مجرد شعارات مكررة لا تقنع الشارع ولا تغير الواقع".