اخر الاخبار

العراق في عين العاصفة

نشرت مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية على موقعها مقالاً عن أوضاع العراق في ظل الحرب الدائرة في المنطقة والعدوان الذي شنه الكيان على غزة ولبنان وإيران، ذكرت فيه بأن الشرق الأوسط عموماً يواجه اختبارًا جيوسياسيًا جديدًا. فبينما يراقب العالم المواجهة الخطيرة بين إيران وإسرائيل، تتكشف دراما عراقية، لا تقل أهمية في ظل عناوين الأخبار، فالبلد العالق جغرافيًا وتاريخيًا وسياسيًا بين الجبهتين، بات يواجه سؤالاً، لم يُّطرح بجدية قبل الآن، ويتعلق بماهية سياسته الخارجية وأولوية مصالحه الوطنية.

العلاقات الإقليمية

وذكر المقال بأنه ولسنوات، كان هناك محور غير رسمي، مكون من تحالفات سياسية موازية لنظام الدولة، شمل إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وشكّل نوعًا من الدفاع الأمامي ضد إسرائيل، وهو ما دفع بطهران لتمويله بالمال والسلاح والنفوذ السياسي والأيديولوجي، قبل أن يشهد هذا المحور بعض التراجع بسبب الحرب الأخيرة، رافقه تجنب إيراني للتدخل العسكري المباشر، وتقديم المصالح الوطنية على تعهدات الولاء الأيديولوجية، مما آثار تساؤلات عديدة لدى العراقيين، عما إذا كان عليهم أن يعتمدوا ذات الاستراتيجية. واعتبر المقال ذلك سبباً لعدم مشاركة حلفاء طهران في المعارك، وفق حسابات سياسية، أخذت بنظر الاعتبار أمرين، أولهما عدم  وضع حكومة بغداد في موقف صعب، لاسيما في وقت يسعى فيه رئيسها بالفعل لحماية البلاد من صدام مفتوح مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، وثانيهما استعداد هذه القوى للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني، في بلد، يعيش نظاماً سياسياً معروفا بهياكله الزبائنية، حيث تعني الأغلبية البرلمانية أكثر بكثير من مجرد سلطة تشريعية، لأنها تتيح الوصول إلى الموارد والحصانة والشرعية الدولية، وفق تصور كاتب المقال.

هل يمكن درء الخطر؟

وأشار الكاتب إلى أن من يعتقد بأن العراق قادر على البقاء بمنأى عن الصراع على المدى البعيد يقع في تقدير خاطئ للواقع، فالعراق ليس مجرد جار لإيران بل هو بالنسبة لها ركيزة استراتيجية، ترتبط بالتاريخ المشترك والتشابه المذهبي والترابط الاقتصادي، وهو في ذات الوقت ساحة هشة لعبور الأسلحة وإقامة صلات تحالفية وكسب المزيد من الأتباع، وبشكل قد تكفي شرارة محلية فيه لإشعال حريق إقليمي.

وحذر المقال من حجم المخاطر الاقتصادية لانفجار إقليمي، فإذا ما أُغلق مضيق هرمز - أهم طريق لنقل النفط في العالم - فإن الصادرات العراقية من النفط ستتوقف بنسبة تزيد عن 95 في المائة، معّرضة العراق الذي تعتمد ميزانيته الوطنية بشكل شبه كامل على صادرات النفط لصدمة اقتصادية في وقت قصير جدًا، وقد تغمره موجة محتملة من اللاجئين، تُثقل كاهل البنية التحتية العراقية، المُنهكة أصلًا.

الديمقراطية الهشة

ونبه الكاتب إلى مخاطر استغلال البعض، من عشاق الاستبداد، للأوضاع لشن حملات قمعية على المعارضين، وهو أمر بدت ملامحه بالظهور في ملاحقة العديد من المدونين والصحفيين العراقيين، وتزايد ضغوط الترهيب والابتزاز والتهديدات المجهولة عليهم، وهو ما دفع بالكثيرين منهم إلى الفرار إلى إقليم كردستان.

سياسة خارجية عائمة

وزعم الكاتب بأن العراق يفتقر إلى سياسة خارجية واضحة، لا تهدف فقط إلى تحقيق الهدوء على المدى القصير، بل تضمن أيضًا المصالح الوطنية على المدى الطويل، عبر الحفاظ على الحياد دون التقاعس، وتأمين الحدود، ماديًا وسياسيًا، وحصر السلاح بيد الدولة، وتمتين التعاون الإقليمي، بشكل يشترك فيه العراق بنشاط في الحلول السياسية، مما يمكنه من ترسيخ مكانته كعامل استقرار، بدلاً من أن يكون مرة أخرى منطقة عبور للمصالح الأجنبية، وهي السياسة التي تتحول بها بغداد من بيدق إلى منصة لتهدئة التوتر الإقليمي وتحقيق التعاون الاقتصادي، وقيام تحالفات جديدة تتجاوز منطق التكتلات.