العراق وآفاق الصراع الأمريكي الإيراني
تناول الكاتب انتوني بفاف في مقال نشره على موقع المجلس الأطلسي، التطورات التي تشهدها المنطقة في ظل الصراع بين إسرائيل وإيران وتأثيراتها العميقة على مستقبل العلاقات الأمريكية العراقية، أشار فيه إلى أن تراجع تهديد (داعش) وتنامي المعارضة الشعبية للوجود العسكري الأمريكي في إطار عملية العزم الصلب، دفع بواشنطن وبغداد إلى تقليص دور القوات الأمريكية في مكافحة الإرهاب والانتقال إلى علاقة أمنية جديدة، قبل أن تعكر حرب غزة والدعم الذي قدمته واشنطن لإسرائيل، صفو الهدوء وتزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة وتدفع بفصائل مسلحة عراقية للهجوم على قواتها وعلى شركات مرتبطة بها، مما تضاءل معه التعاون الأمني بين البلدين وضاق مجال التوسع في قطاعات أخرى.
زيارة لإذابة الجليد
وأشار المقال إلى أن رئيس الحكومة العراقية سعى، مع اشتداد الحرب في غزة، لتشجيع التعاون الأمني والاقتصادي، فسافر إلى واشنطن وهيوستن وتكساس، ووقّع اتفاقيات مع كبرى شركات النفط الأمريكية، ووعدها بمعاملة تفضيلية على حساب الشركات النفطية الصينية، بالإضافة إلى تأكيد التزامه بالتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، وتوقيع اتفاقيات مع شركات دفاع أمريكية للتدريب والمعدات، في إطار برنامج شامل لإصلاح مؤسسات الأمن، يضّم جميع الجهات المعنية في هذا القطاع ويلعب فيه المستشارون الأمريكيون دورًا بارزًا. الاّ أن سير أحداث الحرب ربما جمّد تفعيل هذا التقدم، وأعاد مستقبل العلاقات إلى دائرة الغموض مجدداً.
ووضع الكاتب احتمالين لمستقبل العلاقات الأمريكية العراقية الحالية، أولها أن لا تكون قادرة على الصمود أمام محاولات طهران ضربها وإقناع بغداد بالتخلي عن الحياد والانحياز لها وطرد المستشارين الأمريكيين المتبقين، خاصة بعد الحرب الأخيرة، مما قد ينهي العلاقة بين البلدين، وثانيها أن تبدي بغداد قدرة على الحفاظ على حيادها، وربما أن تلعب دوراً ما في تهدئة الصراع، تنال به دعماً يقلل من اعتمادها في الطاقة على إيران.
توازن لتجنب المعضلات
ورأى الكاتب إنه وبسبب حجم وكثرة المعضلات التي تواجه العلاقة بين بغداد وواشنطن، اضطرت الدولتان إلى موازنة علاقاتهما مع بعضهما البعض، ومع علاقة كل منهما بإيران. فبنت الولايات المتحدة علاقات أوثق مع العراق لاسيما في الأمن والطاقة، بالتوازي مع علاقة الردع التي اتبعتها تجاه إيران، فيما لم تهتم إيران بتلك العلاقة لأنها ضمنت مصالحها في البلاد من خلال حلفائها ونفوذها الكبير في العديد من القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في وقت نجح فيه العراق بإقامة توازن في علاقته بشريكيه المتصارعين، أبقت له مساحةً للتعامل معهما دون الحاجة ليتعاملا مع بعضهما البعض.
وأعرب الكاتب عن شكوكه من أن يُجبِر التشدد الحالي تجاه واشنطن وقواتها - التي يطعن البرلمان والرأي العام في شرعيتها - الولايات المتحدة على الانسحاب والتخلي عن مُعظم، إن لم يكن جميع، برامج تعاونها الأمني مع بغداد وإنهاء العلاقة بها فعليًا، خاصة إذا ما تزايدت خشية واشنطن من الدخول في مواجهة انتقامية مع مهاجمي قواتها، رغم بقاء بغداد مقاومة للضغط الإيراني، حيث ستخلق كل ضربة رد فعل مضاد، يُنذر بتصعيد دوامة الانتقام ويُقوض مصداقية الولايات المتحدة، ويُوثر سلباً على علاقتها ببغداد.
لكنه عاد واستبعد هذه الاحتمالات، فبالنظر إلى الخيارات التي تواجهها، توقع الكاتب أن لا تختار بغداد التخلي عن حيادها، كما وجد لحلفاء طهران منافع اقتصادية كبيرة من الوضع القائم، لا يمكنهم المغامرة بها إذا ما توسع نطاق الصراع، خاصة بعد أن تجاوزت المليار دولار سنوياً.