العراق وسياسة ضبط النفس
نشر موقع معهد تشاتهام البريطاني مقالاً للباحث رينارد منصور حول ظروف العراق وسط عواصف التوتر والحرب في الشرق الأوسط، أشار فيه إلى أنه ولأول مرة في الذاكرة الحديثة، يجد العراق نفسه على هامش صراع شرق أوسطي كبير، بدلاً من أن يكون في مركزه، خاصة وقد جاءت حرب الكيان مع إيران بعد فترة نادرة من الاستقرار النسبي والتقدم التنموي، وصارت تنذر بنهاية هذا الهدوء الهش وانجرار العراق إلى ما يبدو أنه تحول جذري في النظام الإقليمي.
الخروج من سنوات الصراع
وأشار الكاتب إلى أن إيران قد برزت كقوة إقليمية مهيمنة غداة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أعاد تشكيل المشهد الجيوسياسي، وأنها بقيت كذلك حتى 7 تشرين الأول، حين بدأ تحول غير واضح في مكانتها، رغم أن دلالات كبيرة وكثيرة تميل للتأكيد على أنه سيكون مضطربًا وعنيفًا. ويأتي هذا التحول في وقت بدأ فيه العراق بالخروج من سنوات من الصراع، وتزامن مع الضعف الذي تشعر به مختلف الأطياف السياسية العراقية، وممارستها الحذر من الانجرار إلى صراع إقليمي، بغض النظر عن انتماءاتها الأيديولوجية أو العرقية - الطائفية، بما في ذلك القوى المسلحة ذات العلاقات التاريخية مع طهران.
الحرص على المكاسب
وعزا الكاتب ضبط النفس، الذي ساد في الأحداث بل وفي السنوات الأخيرة، إلى ترسيخ العديد من القوى لنفوذها داخل الدولة العراقية، سواء في الحقائب الوزارية والمناصب الإدارية العليا التي تشغلها أو في الهيمنة على الشركات المملوكة للدولة والتي تدر إيرادات كبيرة، في بلاد تجاوز متوسط ميزانيتها السنوية 100 مليار دولار، متوقعاً أن يبقى عدم الاستقرار أمراً سيئاً لأصحاب الأعمال، خاصة عندما يكون تأثير مشاركتهم في أي نشاط عسكري ضئيلاً.
ماذا يُخبئ الغد؟
وأكد المقال على أنه وفي الوقت الذي كشفت فيه الأحداث محدودية سيطرة العراق على مجاله الجوي وسيادته، فإنها شكلت أساس الحسابات الاستراتيجية للجهات الفاعلة العراقية حتى الآن، رغم أن لا أحد بقادر على التنبؤ بالمسارات التي ستعيد تشكيل حسابات بغداد في المرحلة المقبلة.
وتساءل الكاتب عن موقف بغداد إذا ما اندلعت حرب مطولة بين إيران وإسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، أو إذا ما ادّعت إيران وجود نشاط للموساد ضدها، ينطلق من الأراضي العراقية، وأرادت التدخل للقضاء عليه وتفكيكه بنفسها، أو إذا ما استمرت هدنة بين المتحاربين، تحميها وترعاها واشنطن. وتوقع بأن العراق يفضل عزل نفسه عن التورط المباشر والسعي للتركيز على التنمية الاقتصادية المحلية والاستقرار، ففترات الاضطراب الطويلة ستُقوّض روابط الطاقة والتجارة الحيوية، مما يُعيق الانتعاش الاقتصادي الهش للعراق. كما قد يُعرّض للخطر السلطة التي بدأت النخب العراقية مؤخرًا في ترسيخها، وقد تُعيد التهديدات الأمنية إشعال الصراع الداخلي أو تُورّط العراق في حروب خارجية، بينما قد تُؤدّي الصدمات السياسية من طهران إلى تفتيت توازن القوى الدقيق في بغداد.
وتوقع الكاتب بأن يسعى العراق إلى التعاون مع شركائه في الخليج لتطوير هيكل أمني إقليمي أكثر متانة، مصمم لتقليل التعرض للصدمات الخارجية المستقبلية، مؤكداً على أن أهم عناصر هذا التكامل مع الخليج، يكمن في بذل جهد دبلوماسي مستدام لحل النزاع الحدودي البحري مع الكويت، واستثمار أي فرصة تتاح لتأكيد استقلالية أكبر للقادة العراقيين.
ورأى الكاتب بأن هذا الاستنتاج الأخير لا يبدو واقعياً إذا أعادت طهران فرض سيطرتها واستقرارها داخليًا، حيث من المرجح حينها أن يستمر العراق في مساره الحالي.