اخر الاخبار

العراق ومشكلة المياه المتفاقمة

اهتمت مواقع إخبارية وصحف أجنبية مجدداً بمشكلة الجفاف التي يعاني منها العراق، والتي تشير معطيات كثيرة إلى أنها في طريقها للتفاقم سواء جراء التغيرات المناخية أو بسبب تقليص الإطلاقات المائية في نهري دجلة والفرات وروافدهما.

مستوى لم يسبق له مثيل

فقد نشرت صحيفة (ذي ناشيونال) الناطقة بالإنكليزية تقريراً أشارت فيه إلى أن احتياطيات المياه الوطنية في العراق انخفضت إلى ما يقارب النصف لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ 80 عامًا، خاصة بعد تقلص واردات البلاد من نهري دجلة والفرات وانخفاض هطول الأمطار في فصل الشتاء الأخير قياساً بما كان عليه الأمر في عام 2014، مما يهدد المزارع والقطاع الصناعي والمستهلكين بشكل عام.

وذكر التقرير بأن المياه باتت مشكلة رئيسية في بلد يبلغ عدد سكانه 46 مليون نسمة ويعاني من أزمة بيئية خطيرة بسبب تغير المناخ والجفاف وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى ما تحتجزه السدود المقامة في دول المنبع (إيران وتركيا) من مياه ومنع تدفقها في نهري دجلة والفرات، اللذين يرويان العراق منذ آلاف السنين.

تدهور الإنتاج الزراعي

ونسب التقرير للمتحدث باسم وزارة الموارد المائية توقعه أن يبدأ موسم الصيف بما يقل عن 18 مليار متر مكعب، وهو ما سيجبر المزيد من المزارعين على هجر أراضيهم، خاصة مع قيام السلطات بتقليص النشاط الزراعي من أجل ضمان إمدادات كافية من مياه الشرب، والحفاظ على المساحات الخضراء والمناطق الإنتاجية، التي تبلغ مساحتها أكثر من 1.5 مليون دونم. وذكر التقرير بأن الحكومة سمحت في العام الماضي للمزارعين بزراعة 2.5 مليون دونم من الذرة والأرز والبساتين، كما يُفترض أن تكون لها خطط فعّالة لإدارة المياه، على ضوء اتفاقية إطارية بين العراق وتركيا، مدتها عشر سنوات، وتهدف في معظمها إلى الاستثمار في مشاريع تضمن إدارة أفضل للموارد المائية.

تاريخ حضاري في الري

ولموقع " Green Prophet" المتخصص بالحلول المستدامة لقضايا العالم، كتبت جولي شتاينبك مقالاً ربطت فيه بين واقع العراق المائي حالياً وبين تاريخه العظيم في إدارة موارده المائية، يوم اتقنت بلاد ما بين النهرين فن إدارة المياه وسبقت بتطورها أنظمة القنوات المائية الرومانية.

وأوضح المقال بأن سكان الأهوار اليوم، وهم أحفاد أولئك الذين كانوا أول من اخترع طرق الري المناسبة، يواجهون تقلصاً في مياه الأنهار التي كانت تدعم تلك الثقافات القديمة، وذلك بسبب السدود المقامة أعلى النهر، والملوحة، والصدمات المناخية، وسوء الإدارة، وهي عوامل خطيرة أدت إلى إرهاق البنية التحتية للمياه في العراق وجعلها قديمة الطراز، مما يتطلب الإسراع في مواجهة الأزمة التي تزداد إلحاحًا عامًا بعد عام، وتتمظهر في ندرة المياه، وجفاف الأنهار وتخلف النظم الزراعية.

هجرة وتدهور بيئي

وأضافت الكاتبة إلى أن الزراعة تستهلك الآن أكثر من 90 في المائة من مياه العراق، ومع ذلك، تتراجع غلة المحاصيل. وتشير بعض التقديرات إلى أنه بدون إجراءات إصلاحية ستنخفض غلة القمح والشعير بمقدار النصف بحلول عام 2050.

وأكدت الكاتبة على أن المجتمعات الريفية في العراق، التي ما تزال تعتمد على الزراعة التقليدية، تُقتلع اليوم من جذورها بالفعل بسبب نقص المياه، فيما تتبخر الأهوار، التي كانت تزخر بالتنوع البيولوجي والحياة الثقافية، ويهدد اختفاء المياه من أراضي الأجداد بقطع الروابط التاريخية والدينية والهوياتية.

وبينت الكاتبة بأن هذا الواقع أشعل صراعاً، ليس فقط بين الدول التي تتشارك في منظومات الأنهار، بل داخل العراق نفسه، حيث تتزايد النزاعات حول حقوق المياه، وتصل للعنف في بعض المناطق، إلى درجة لم يتبقَّ أمام جيل الشباب، ولا سيما النساء وصغار المزارعين، سوى خيارات محدودة، لا تتعدى التكيف أو المغادرة.

غياب الحلول

وعلى الرغم من خطورة الوضع، يفتقد العراق للحلول ويتبنى بحذر التقنيات الحديثة، التي قدمت الكاتبة عدداً منها كاستخدام الألواح الشمسية لتوليد الطاقة بدلاً من مضخات الديزل، وتقييم درجة الرطوبة ومواعيد الري من خلال أدوات الاستشعار عن بُعد، وإحياء جمعيات مستخدمي المياه التي تقودها المجتمعات المحلية، واعتماد التعاونيات في إدارة المياه بطريقة حديثة ومناسبة للواقع الصعب، ولخلق وتطوير الثقة بين الناس.

عرض مقالات: