القوات الأمريكية
انسحاب فوري أم اتفاق استراتيجي؟
لموقع (Responsible Statecraft) كتبت تانيا غودسوزيان مقالاً عن تواجد القوات الأمريكية في العراق، ذكرت فيه بأن العراقيين قد كثفوا ومنذ سنوات مطالبتهم بانسحاب هذه القوات من أراضيهم، وأن أصداء هذه المطالبة مازالت تتردد في أروقة الحكومة والناس. ورغم أن الوصول إلى اتفاق حول ذلك استغرق سنوات، فإنه أثمر أخيرًا عن موافقة قوة مهام "تحالف العزم الصلب"، وهي القوة المكونة من 30 دولة والتي شُكِّلت عام 2014 لتنفيذ عمليات عسكرية ضد داعش في العراق وسوريا، على إنهاء مهمتها في أيلول 2025، مع تأكيدِ على بقاء "قوات" في موقع غير محدد لمواصلة العمليات العسكرية في سوريا، وإنجاز شراكات أمنية ثنائية تدعم القوات العراقية وتُبقي الضغط على داعش.
آراء متضاربة
وذكرت الكاتبة بأن هذين البندين، أثارا خلافات كبيرة داخل البلاد، بين قوى سياسية تضغط لإنجاز الانسحاب فوراً وبشكل كامل وبين قوى تعتقد بأن الدعم العسكري الدولي ما زال بالغ الأهمية للعراق، خاصة مع تواصل التهديد بسبب نشاط تنظيم داعش وعدم الاستقرار الإقليمي. وأضافت بأن صوت بعض من قوى المجموعة الأولى، قد شهد خفوتاً في الآونة الأخيرة، بانتظار نتائج المفاوضات بين واشنطن وطهران وتجنباً لتكرار ما حدث من اغتيالات في لبنان واليمن وغيرها.
وأكد المقال على أن الكثيرين لا يرون في وجود القوات الأجنبية عامل استقرار، بل يعّدوه مصدراً لانعدام الأمن ومبرراً للتدخل الأجنبي، ويدعون لوحدة وطنية وتعاونًا وتضامنًا إقليميًا ودوليًا، في مواجهة التحديات الوجودية التي لا تزال تهدد استقرار العراق، والحد من انتهاك القوانين وسيادة الدول. وخلصت المقال إلى القول بأن هذه الآراء المعقدة، والمتناقضة في كثير من الأحيان، تظهر كيف يُلقي مستقبل غامض بثقله على أمة لا تزال تكافح من أجل التوصل إلى توافق.
هل سيرحلون؟
وفي الوقت الذي لخصت فيه الكاتبة، الحجج المحيطة بإنهاء وجود القوات الأجنبية في مسألتين، هل ستغادر القوات، وهل ينبغي لها المغادرة أصلاً، وجدت إن ما وصلها من إجابات غالباً ما اتسم بالغموض، فالوثيقة التي استُقدمت على ضوئها هذه القوات لا تتضمن أي التزامات او أي اتفاقية رسمية بشأن وضع القوات، حيث جاء الأمر وكأنه إجراء طارئ حاسم لمواجهة الوضع العسكري المتدهور بسرعة، والذي لا يجادل أحد اليوم بما كان يمثله من تهديد وجودي للبلاد.
غير إن هذا لا يمنع المنتقدين من القول بأن الغرض من مجيء القوات كان تقديم المشورة والمساعدة وتمكين القوات العراقية من هزيمة داعش وتوفير تعاون أمني طويل الأمد، وهو غرض تم الانتهاء منه منذ سنوات، ولم يعد التحالف ضروريًا، ولهذا آن الأوان لسحب خطاب الدعوة وإنهاء وجود القوات الأجنبية.
وعلى ضوء ذلك تساءلت الكاتبة عما إذا كان من الضروري رحيل جميع القوات الأجنبية، وكيف يمكن تحقيق تعاون أمني طويل الأمد في ظل عدم وجود قوات حليفة على الأرض، وهل سيقبل المنتقدون وجودها إذا ما رأت اللجنة العسكرية العليا التي شُكلت بموجب اتفاقية سحب القوات، ضرورة للاحتفاظ ببعض القوات أو نشر غيرها في المستقبل.
جيش وطني هو الحل
وأكدت الكاتبة على إن المنتقدين يدعون للاكتفاء بجيش قوي ووطني مدرب ومسلح بشكل جيد ومزود بأحدث التقنيات العسكرية والاستخباراتية، ويضربون مثالاً على ذلك في النجاحات التي حققتها قوات الأمن العراقية في حربها ضد الإرهاب. أما الراغبون في بقاء القوات الأجنبية، ومنهم مسؤولون في الحكومة، فيرون بأن قوات الأمن العراقية قادرة على التعامل مع تمرد متوسط المستوى على جبهتين، ولكنها لا تستطيع التعامل مع جيش إرهابي غازٍ كما كان الحال في عام 2014.
وفي مناقشتها للرأيين وجدت الكاتبة بأن لكل منهما جانب من الصحة. فمن جهة يمتلك العراق قوات أمنية ضخمة مسلحة ومدربة وفقًا لمعايير العالم الأول، وتصنّف على أنها سادس أقوى جيش في الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى تعاني هذه القوات من فجوات كبيرة في القدرات بسبب الاعتماد طويل الأمد على الدعم الخارجي، ولا سيما أنظمة الدفاع الجوي الفعالة، والطائرات المقاتلة وطائرات النقل والمروحيات، والمعلومات الاستخباراتية.
وأنهت الكاتبة مقالها بالقول، إن تطوير قوات الأمن العراقية واستمرار وجود القوات الأجنبية، يبقى محور نقاش وطني حول السيادة والأمن، رغم صعوبة ذلك في ظروف تُسيطر عليها تحالفات متغيرة ونزاعات لم تُحلّ.