اخر الاخبار

في تشرين الاول من عام 2019، شهد العراق واحدة من أبرز محطات الحراك الشعبي في تاريخه الحديث، تمثلت في انتفاضة تشرين التي انطلقت في بغداد وامتدت إلى محافظات الجنوب، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار الفساد، والبطالة، وسوء الخدمات العامة.

وشارك مئات آلاف العراقيين في هذه الاحتجاجات، وكان معظمهم من الشباب الذي رفع شعار "نريد وطن".

سلطة خائفة

وفي سابقة خطرة تكشف عمق الانفصال بين ممثلي السلطة والشارع، أطلقت النائبة عالية نصيف تصريحات مسيئة شبّهت فيها انتفاضة تشرين السلمية بتنظيمات إرهابية دمّرت البلاد.

لم تكن تصريحات النائبة مجرد زلّة لسان، بل تجسيد فاضح لعقلية سلطة ما بعد 2003 التي ترى في الاحتجاج السلمي تهديداً، وفي مطالب الشعب جريمة، حتى بلغ الازدراء اقصاه حين تُساوى الحركات الجماهيرية المطلبية بداعش والقاعدة، والذي يكشف بوضوح خوف السلطة من الشعب الذي يفترض انها ولدت من رحمه.

تصريحات “مهينة ومشينة”

في هذا الصدد، أعربت الرفيقة هيفاء الأمين عن صدمتها الشديدة من التصريحات التي أطلقتها النائبة عالية نصيف في مقابلة متلفزة على قناة “العهد”، والتي شبّهت خلالها انتفاضة تشرين بحركات إرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”.

وقالت الأمين في تصريح لـ"طريق الشعب"، انها “تفاجأت بصراحة من هذا التوصيف المرعب والمهين والمشين، الذي لا يمكن القبول به إطلاقاً. من غير المقبول أن تُشبه انتفاضة شعبية سلمية طالبت بوطن، بحركات إرهابية قتلت المدنيين ودمّرت البلاد”.

وأضافت الامين قائلة ان "انتفاضة تشرين لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة تراكمات من الفشل الحكومي المتعاقب في تقديم الخدمات، واحترام الحريات، وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم؛ هذه الانتفاضة ضمّت فئات واسعة من المجتمع، وشارك فيها الشباب بشكل أساسي في بغداد والعديد من محافظات الجنوب، ورفعت شعارات ومطالب مشروعة يكفلها الدستور”.

وانتقدت الرفيقة بشدة الربط الذي قامت به نصيف بين هذه الحركة الاحتجاجية المدنية وبين مجموعات إرهابية، قائلة: ان “تشبيه انتفاضة تشرين بالحركات الإرهابية، والادعاء بأن من يقف خلفها هو ذات الطرف الذي يقف خلف داعش والقاعدة، هو أمر خطر، ومسيء لتاريخ هذه الانتفاضة الوطنية، التي ستظل صفحة ناصعة في سجل العراق الحديث”.

دعوى قضائية

وفي رد فعل مباشر على هذه التصريحات، أعلنت الأمين رفع دعوى قضائية ضد النائبة عالية نصيف.

وأوضحت الرفيقة انها التقت يوم أمس برئيس محكمة استئناف الناصرية من أجل ترتيب أوراق الشكوى. وقبل ذلك تواصلت مع عائلة الشهيد أحمد من شهداء تشرين، وطلبت إدراج اسمه في الدعوى، وقد أبدوا تأييدهم الكامل، كما سيشارك معنا جرحى وناشطون آخرون في ايام الانتفاضة، وسينضم المزيد من ذوي الشهداء”.

كما أشارت إلى تواصلها مع النائب علاء الركابي، الذي رحب بدوره بالانضمام إلى قائمة مقدمي الشكوى. وأضافت: “بدأنا فعلياً إجراءات التقاضي، وتم توكيل أول محامي لرفع الدعوى، وبدلًا من تقديمها في الناصرية، سيتم رفعها في بغداد كونها ساحة الحدث، وسنتوجه خلال أيام إلى محكمة الكرخ لهذا الغرض”.

واختتمت الأمين بالقول: “من يطلق هكذا تصريحات لا يمثل الشعب العراقي. هذه النائبة تفتقر إلى الثوابت والمبادئ، وتمرست في التنقل بين القوى السياسية بحثًا عن مصلحة شخصية، فقد كانت بعثية سابقًا، وتنقلت بين كتل مختلفة من القائمة العراقية إلى دولة القانون، ثم تحالفت مع قتيبة الجبوري، وحاليًا مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. هذا السلوك الانتهازي ليس غريباً على من يتنكر لتضحيات شباب تشرين، ولقيم المواطنة والعدالة".

إساءة وتشويه للوعي الشعبي

من جهته، اعتبر الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، أن تصريحات نصيف، والتي شبّهت فيها احتجاجات تشرين 2019 بتنظيمات متطرفة مثل “داعش” و”القاعدة”، تمثل إساءة واضحة لحراك شعبي سلمي شارك فيه مئات الآلاف من العراقيين مطالبين بالإصلاح ومكافحة الفساد وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل.

وقال التميمي في حديث لـ"طريق الشعب"، ان “هذا التوصيف لا يعكس الواقع إطلاقاً، بل يندرج ضمن محاولات متكررة لتشويه صورة انتفاضة كانت تمثل لحظة وعي وطني عابر للطوائف والانتماءات، وتُعد أحد أهم محطات الحراك الشعبي في العراق الحديث”.

وأضاف التميمي، أن “العداء الذي تبديه بعض القوى السياسية تجاه تشرين يعود إلى كونها شكّلت تهديداً مباشراً لبنية السلطة القائمة ومصالحها، وكشفت عن حجم الفجوة المتفاقمة بين الشعب والطبقة الحاكمة؛ الانتفاضة حطّمت هيبة الأحزاب التقليدية وعرّت فسادها، ولهذا جاء الرد عبر التخوين والتشويه بدلًا من الإصغاء للمطالب الشعبية”.

وشدّد المتحدث  على خطورة صدور مثل هذه التصريحات من نائبة في مجلس النواب، قائلًا: “من المفترض أن تمثل النائبة الشعب، لا أن تهاجم أصواته وتخوّن حراكه. مثل هذه المواقف تُكرّس خطاباً إقصائياً وتحريضيًا، وتؤسس لانفصال تام عن نبض الشارع، بدلًا من المساهمة في معالجة جذور الأزمة السياسية والاجتماعية”.

وواصل حديثه ان “الاستعلاء السياسي الذي تنطق به هذه التصريحات لا يؤدي سوى إلى تعميق الانقسام، وزعزعة الثقة المتراجعة أصلًا بين المواطن والدولة”.

عرض مقالات: