اخر الاخبار

بعد عقود من التوتر الأمني والسياسي، يشهد ملف حزب العمال الكردستاني (PKK) تطورات لافتة، مع إعلان الحزب حل هياكله التنظيمية، في خطوة وُصفت بأنها "تاريخية" على مستوى المنطقة والعالم وذات انعكاسات مباشرة على الوضع الأمني داخل العراق، وعلى علاقات بغداد - أنقرة.

هذا التحوّل يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة وجوهرية لعل ابرزها عن دور الحكومة العراقية في استثمار الحدث، ومطالبة تركيا بالانسحاب من الأراضي العراقية بعد زوال الذريعة التي استخدمتها لعقود، وعن كيفية تعامل الحكومة العراقية مع هذه التطورات بما يحقق السيادة العراقية.

فرصة حقيقية

وتعليقاً على هذه القضية قال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علي البنداوي، أن التطورات الأخيرة بشأن إعلان حزب العمال الكردستاني نيته إلقاء السلاح وحل أطره التنظيمية تمثل خطوة مهمة ينبغي على الحكومة العراقية استثمارها بفعالية، مشددًا على أن العراق كان هو الطرف الذي دفع الثمن الأكبر في هذا الصراع الممتد منذ سنوات.

وأضاف البنداوي لـ"طريق الشعب"، ان "وجود حزب العمال الكردستاني في اراضينا مثّل ذريعة دائمة للتدخل التركي، سواء عبر العمليات العسكرية أو الغارات الجوية، وقد حان الوقت لوقف هذه التدخلات".

واعتبر أن الاتفاق الأخير يشكّل فرصة نحو إنهاء تواجد الحزب المسلح على الأراضي العراقية ووقف الانتهاكات التركية.

وأضاف البنداوي، ان "من المهم التوضيح أن العراق لا يصنف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بل كحزب محظور، وهو تصنيف يختلف جذريًا عن التصنيف التركي الذي يضع الحزب على قائمة الإرهاب".

واكد ان "خطوة إعلان "حل الحزب" وتسليم سلاحه يجب أن تقابلها خطوات عملية من الجانب التركي، في مقدمتها سحب قواته من شمال العراق ووقف القصف المتكرر للمدن والمناطق العراقية".

وشدد البنداوي على ضرورة أن "تتحرك الحكومة العراقية بدبلوماسية نشطة، بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، من أجل تحقيق نتائج ملموسة على الأرض"، داعيًا إلى “حوار رسمي مع الجانب التركي لإنهاء الوجود العسكري داخل الأراضي العراقية، خصوصًا أن الحجة التي طالما استخدمتها أنقرة لم تعد قائمة بعد إعلان الحزب نيته إنهاء نشاطه العسكري".

وأوضح أن لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب "تتابع هذا الملف بشكل مكثف، وقد أجرت في الفترة الماضية زيارات إلى الجهات الأمنية المختصة، من بينها مستشارية الأمن القومي، كما استضافت مسؤولين أمنيين لمناقشة التطورات المتعلقة بوجود الحزب المذكور والقوات التركية داخل الأراضي العراقية".

وفي ما يتعلق بالقلق من أن يكون إعلان حزب العمال مقدمة لتحركات جديدة، أو محاولة لترسيخ وجود سياسي أو جغرافي في كردستان العراق، قال البنداوي: “نحن ندرك هذه المخاوف، وهناك بالفعل تفاهمات أمنية واقتصادية ومائية بين العراق وتركيا، ولكن إذا لم تكن هناك جدية تركية حقيقية في سحب قواتها، فإن الموقف العراقي يجب أن يتغير، بما في ذلك التحرك على المستوى الأممي".

واختتم البنداوي تصريحه بالتأكيد على أن "أمام الحكومة العراقية فرصة حقيقية للنجاح في هذا الملف الحساس، شريطة التحرك المبكر والجاد، واستثمار المناخ الحالي لتحقيق سيادة العراق على كامل أراضيه".

تحرّك استباقي

من جهته، رأى الخبير الأمني عدنان الكناني أن قرار حزب العمال الكردستاني بشأن إلقاء السلاح قد يكون جزءًا من صفقة سياسية تهدف إلى الإفراج عن زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، مقابل انتقال الحزب من العمل العسكري إلى العمل السياسي.

وأكد الكناني في حديث لـ "طريق الشعب"، أن تركيا لن تقدم على أي خطوة من هذا النوع دون مقابل واضح، متسائلًا: “ما هو الثمن الذي يجعل أنقرة تسمح لعناصر الحزب بالعودة إلى أراضيها بصورة طبيعية، رغم أنهم كانوا حتى وقت قريب ما زالوا مطلوبين للقضاء التركي وتلاحقهم الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية؟”

وأضاف أن "التساؤلات لا تتوقف عند حدود الصفقة المحتملة، بل تمتد إلى طبيعة التنظيمات المرتبطة بالحزب"، مشيرًا إلى أن "حزب العمال الكردستاني قد لا يمتلك “البه كه كه” كجناح عسكري فحسب، بل ربما ترتبط به بشكل غير مباشر ايضاً قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".

ودعا الكناني الحكومة العراقية الى "تبنّي سياسات استباقية في التعامل مع التحديات وعدم الاكتفاء بسياسة رد الفعل؛ يجب أن نتوقع الأزمات قبل وقوعها ونعمل على معالجتها، من خلال مراكز أبحاث وهيئات قادرة على إعداد سيناريوهات لمشاريع تمسّ أمن العراق وحدوده، وطريقة تعامل المؤسسات الأمنية والعسكرية معها".

وأشار إلى أن العراق "يمتلك بالفعل مؤسسات قادرة على أداء هذا الدور، مثل مراكز الدراسات الاستراتيجية في وزارتي التخطيط والدفاع، بالإضافة إلى المديرية العامة للتخطيط والمتابعة في وزارة الدفاع، لكن هذا الدور ما زال دون مستوى التحديات".

وفي ما يتعلق بالوجود التركي داخل الأراضي العراقية، قال الكناني: “حتى الآن لم يُسلّم حزب العمال الكردستاني سلاحه، لكن إن حصل ذلك، فمن المفترض أن تسحب تركيا قواتها من الأراضي العراقية، لأن الذريعة التي استندت إليها في التوغل كانت محاربة الحزب".

واستدرك قائلاً: “مع ذلك، أستبعد أن تقدم تركيا على الانسحاب، بل أرجّح أنها ستزيد من عدد قواتها لتعزيز نفوذها العسكري داخل العراق.

وأضاف إن "تصريحات المسؤولين الأتراك لا توحي بانسحاب قريب للقوات التركية من شمال العراق"، مضيفًا أن "ما نراه على الأرض هو عكس ذلك تمامًا؛ فهناك توسع في القواعد والنشاطات الاستخبارية، سواء عبر الطائرات المسيرة أو غيرها".

سياسة خارجية غائبة

الى ذلك، أكد المحلل السياسي داوود سلمان أن إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح يُعد قرارًا تاريخيًا بالنسبة لتركيا، وهو تطور مفصلي من شأنه أن يرفع الحرج عن العراق ويُضعف مبررات التدخل التركي في شمال البلاد.

وقال في تصريح لـ" طريق الشعب"، إن المرحلة المقبلة "تتطلب من الحكومة العراقية التحرك بمسؤولية وبمستوى الحدث، من خلال التعامل الجاد مع ما تبقى من نفوذ وهيكل حزب العمال في مناطق مثل سنجار وغيرها".

وأضاف سلمان، “ينبغي على تلك الجماعات إما التحول الكامل إلى العمل المدني والاندماج في المجتمع الكردي، والتخلي عن السلاح، أو مغادرة الأراضي العراقية والعودة إلى تركيا، حفاظاً على السيادة الوطنية وبناء علاقات متوازنة مع الجوار".

وأشار إلى أن "الحجة التي استندت إليها أنقرة لتبرير تدخلها العسكري داخل العراق قد انتفت الآن، بعد إعلان الحزب وقف أنشطته المسلحة"، داعياً الحكومة العراقية إلى "الضغط الدبلوماسي على تركيا لسحب قواتها وقواعدها العسكرية من الأراضي العراقية".

وفي معرض حديثه عن السياسة الخارجية، عبّر سلمان عن أسفه لغياب رؤية عراقية واضحة وموحدة في إدارة العلاقات الدولية، قائلًا: “لا نملك سياسة خارجية فاعلة، فكل طرف يغني على ليلاه، والمواقف متفرقة وغير موحدة، وهذا يضعف قدرة العراق على بناء علاقات متكافئة قائمة على المصالح المتبادلة، بعيدًا عن الضغوط والابتزاز".

وصار سلمان يعول عاى الحكومة المقبلة التي تفرزها الانتخابات التشريعية نهاية العام الحالي، بـ”العزيمة السياسية” في حماية سيادة البلاد والرد الحاسم على أي انتهاك تركي مستقبلي، خصوصًا بعد سقوط الذرائع السابقة".

وشدد على ضرورة “فتح صفحة جديدة في كردستان العراق بالتعاون مع حكومة الاقليم لحماية الحدود، ورفض سياسة الكيل بمكيالين في العلاقات الدولية”.

وشدّد المحلل السياسي على أن "الحكومة العراقية يجب أن تكون حكومة لجميع العراقيين، لا مجاملة فيها لحركات مسلحة أو مجاميع خارجة عن القانون"، مطالبًا بـ"فرض القانون على الجميع، وعدم السماح لأي جهة باستغلال ملف حزب العمال الكردستاني كورقة ضغط سياسية".

كما دعا إلى استثمار هذا التحول "لفتح ملفات استراتيجية مع تركيا، تشمل الأمن، والاقتصاد، والتكنولوجيا، والمياه، بعدما أسهم العراق عمليًا في إنهاء تواجد حزب العمال داخل أراضيه، يجب على تركيا أن تبادل ذلك بخطوات مماثلة، وخاصة في ملف المياه الذي يمثل أولوية وطنية".

الوجود التركي في الأراضي العراقية

ويقدر وجود نحو 80 قاعدة عسكرية تركية شمالي العراق، موزعة بين محافظات إربيل ودهوك ونينوى، وعلى امتداد الحدود العراقية ـ التركية، ضمن عمليات انتشار عسكري تقول أنقرة إنها تهدف لمحاربة حزب العمال الكردستاني (PKK).

ووفق المعلومات المتوفرة، فإن القواعد التركية تتنوع بين معسكرات كبيرة وصغيرة، يمتد بعضها إلى عمق 10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية، بينما يتوغل بعضها الآخر حتى 40 كيلومتراً في بعض المناطق، ما يجعل طول الانتشار العسكري التركي داخل العراق يصل إلى نحو 200 كيلومتر بمحاذاة الشريط الحدودي.

ويُقدّر عدد الجنود الأتراك المنتشرين داخل الأراضي العراقية بـ ما لا يقل عن 5 آلاف عسكري، يتمركزون في قواعد تضم معدات عسكرية متنوعة، منها مدافع ومدرعات، بالإضافة إلى وجود مهابط للطائرات المروحية والمسيرة، ضمن عدد من هذه القواعد.

أعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ هيكله التنظيمي وإنهاء نهجه في "الكفاح المسلح"، جاء عبر بيان نشرته وكالة "فرات" المقرّبة منه، أن الحزب "أنجز مهمته التاريخية" في نقل القضية الكردية إلى مسار الحل السياسي والديمقراطي.

وجاء هذا الإعلان عقب انعقاد المؤتمر الثاني عشر للحزب في جبال قنديل بكردستان العراق، بين 5 و7 أيار الجاري، حيث تم اتخاذ قرار بإنهاء كافة الأنشطة العسكرية المرتبطة بالحزب.

ويبعث استمرار الوجود التركي، رغم زوال الذريعة المعلنة، على القلق من استغلال هذا التواجد كأداة ضغط جيوسياسي لتحقيق أهداف توسعية.

وتطالب أوساط سياسية عراقية الحكومة باتخاذ موقف حازم إزاء استمرار هذا التواجد، والعمل دبلوماسيًا وأمنيًا على إنهائه، خصوصًا بعد انتفاء الذريعة التي تستند إليها أنقرة.

عرض مقالات: