اخر الاخبار

اثار قرار العراق، اخيراً، برفع الرسوم الكمركية على بعض السلع والبضائع الايرانية في إطار تشجيع وحماية المنتجات المحلية وتقليل الاعتماد على المستوردة، تساؤلات حول مدى فعاليته في ظل التحديات الراهنة. ولعل أبرزها ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية وانتشار التهريب، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لتحسين البيئة الصناعية في العراق.

ويؤكد خبراء اقتصاديون، ان هذه الإجراءات كفيلة بحماية المنتج الوطني، لكنها غير كافية لانعاش الصناعة الوطنية، إذ أن حاجة الى اجراءات متعددة ومتكاملة.

يهدد صادرات الحديد الإيرانية

وكشف عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية – العراقية المشتركة، حميد حسيني، عن قلق بلاده من القرار العراقي الأخير برفع الرسوم الجمركية على استيراد حديد التسليح، معتبراً هذا الإجراء "قد يُضعف القدرة التنافسية لمصنّعي الصلب الإيرانيين في السوق العراقية، خصوصاً مع ارتفاع الرسوم من 20 إلى 30 في المئة".

وقال حسيني أن العراق "بدأ تطوير وحدات لإنتاج حديد التسليح في مدن السليمانية وأربيل وكربلاء والبصرة، حيث يجري استيراد سبائك الصلب من إيران وتحويلها محلياً إلى حديد تسليح".

وأضاف أن قيمة صادرات الحديد الإيراني إلى العراق "كانت تتراوح شهرياً بين 75 إلى 100 مليون دولار، وهو رقم كبير ضمن حجم الصادرات الإيرانية إلى السوق العراقية".

وتابع أن العراق "ينتهج حالياً سياسة تقليص الاستيراد لصالح الإنتاج المحلي، من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع التي يستطيع تصنيعها داخلياً"، مشيراً إلى أن بغداد "بدأت إنتاج اليوريا ومقاطع الصلب، وتدرس جدياً تصنيع بعض المنتجات الزراعية والغذائية مثل الطماطم، والمشروبات، والوجبات الخفيفة، والدواجن، والبيض، وقد حققت بالفعل تقدماً في عدد من هذه المجالات".

وأردف حسيني، أن التجربة السابقة للتجار الإيرانيين مع العراق تشير إلى أن “الحكومة العراقية غالباً ما تتراجع عن قرارات رفع الرسوم الجمركية بعد فترة وجيزة، بسبب تأثيرها على توازن السوق المحلي، وهو ما يجعل الإجراءات المؤقتة أقل فعالية"، حسب تعبيره.

وفي ما يتعلق بحجم التبادل التجاري، قال إن "حجم التجارة غير النفطية بين البلدين يبلغ نحو 12 مليار دولار سنوياً، دون احتساب الصادرات غير الرسمية، التي تشمل البضائع التي ترافق المسافرين، وتلك المهربة عبر المنافذ غير الخاضعة للرقابة الجمركية، ما يجعل القيمة الحقيقية لصادرات إيران إلى العراق أعلى من الأرقام الرسمية".

وحول طبيعة التهريب، أشار إلى أن “تهريب البضائع من إيران إلى العراق ليس بالأمر الصعب في بعض النقاط الحدودية”، موضحاً أن "الماشية الحية من أبرز السلع التي تُهرّب إلى العراق، إلى جانب البضائع المخزّنة التي لا تُسجّل ضمن الإحصاءات الرسمية للجمارك".

وفي سياق حديثه عن انضمام العراق إلى منظمة التجارة العالمية، اعتبر حسيني أن العراق “يعاني من ثغرات قانونية كبيرة تحول دون التزامه بقواعد المنظمة”، كما وصفه بـ"الدولة المستوردة"، التي لا تملك صادرات غير نفطية قادرة على الاستفادة من الإعفاءات الجمركية المرتبطة بعضوية المنظمة

غير كافية لإنعاش الصناعة

في هذا الشأن، أكد أستاذ الاقتصاد الدولي د. نوار السعدي أن قرار رفع التعرفة الكمركية على عدد من السلع والبضائع يمثل خطوة صحيحة في الاتجاه نحو دعم الصناعة المحلية، لكنه ليس كافياً لتحقيق الأثر المرجو.

وقال السعدي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن من شأن القرار أن "يحد من المنافسة غير العادلة التي يتعرض لها المنتج العراقي، لا سيما من قبل السلع المستوردة الرخيصة، مثل تلك القادمة من إيران، لكنه مجرد أداة للحماية، وليس ضماناً للنجاح أو التطور الصناعي".

وشدد السعدي على أن النهوض الحقيقي بالصناعة الوطنية "يتطلب إجراءات متوازية ومتكاملة، في مقدمتها توفير بيئة صناعية مناسبة تشمل استقرار الكهرباء، وتحسين البنية التحتية، وتوفير المياه والنقل"، مضيفاً انه "من دون هذه الأساسيات، لا يمكن للمصانع أن تعمل بكفاءة أو تنافس من حيث الجودة والسعر”.

كما أشار إلى أهمية "توفير تمويل فعلي للقطاع الصناعي، إلى جانب دعم حكومي ذكي، يمكّن المصانع من تحديث معداتها وتطوير إمكانياتها"، موضحاً أن “الصناعة لا تنهض بالحماية وحدها، وإنما من خلال الإبداع والمنافسة، كما يجب تدريب الكوادر وتعزيز البحث والتطوير". وفي ما يتعلق بإيران، قال السعدي إنها من أكثر الدول التي قد تتضرر من قرار رفع التعرفة، كونها تصدّر إلى العراق كميات كبيرة من السلع، وتُقدَّر خسائرها المتوقعة ما بين 75 إلى 100 مليون دولار.

وزاد بالقول إن بعض المسؤولين الإيرانيين أقرّوا علناً بأن تهريب البضائع إلى العراق ليس مهمة صعبة، معتبراً أن مثل هذا التصريح يكشف عن ثغرة خطرة في الأمن الاقتصادي العراقي.

 وحذر السعدي من أن "غياب السيطرة على المنافذ الحدودية سيُفرغ أي قرار كمركي من مضمونه، ويحمّل المواطن أعباءً إضافية، بينما تستمر البضائع المهربة في التدفق دون رقابة".

وبيّن استاذ الاقتصاد الدولي أن "الهيمنة الإيرانية على السوق العراقية لا تعود فقط لأسباب اقتصادية، بل سياسية أيضاً"، لافتاً إلى أن إيران "نجحت في توسيع نفوذها الاقتصادي داخل العراق بسبب غياب رؤية تجارية واضحة لدى الجانب العراقي، وضعف الرقابة، والاعتماد الكبير على السلع المستوردة".

وزاد بالقول: “إذا كنا جادين في مواجهة هذا النفوذ، علينا أن نعيد النظر في علاقاتنا التجارية، وننوّع مصادر الاستيراد، وندعم المنتج الوطني بجدية، لا بشعارات فقط”.

وشدد على أن “رفع التعرفة الكمركية هو بداية جيدة، لكنه لن يكون فعالاً ما لم تُرافقه رؤية اقتصادية وطنية، وإرادة سياسية حقيقية، وخطة عملية لدعم الصناعة وضبط الحدود والتصدي لأي سلوك اقتصادي ينتهك السيادة الاقتصادية للعراق”.

بحاجة إلى إجراءات متكاملة

من جهته، قال الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان، إن دعم الصناعة الوطنية في العراق يتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات وليس فقط قرارات منع أو تقنين الاستيراد.

وأضاف أن "قانون التعرفة الكمركية الذي يعد أحد القوانين الاقتصادية المهمة، صدر في عام 2010 إلى جانب ثلاثة قوانين أخرى، لكنه لم يُفعّل بالشكل المطلوب من قبل الحكومة والجهات المعنية، وعلى رأسها هيئة الجمارك".

وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن المشكلة الأساسية "تكمن في ضعف السيطرة على المنافذ الحدودية"، مشيراً إلى وجود 23 منفذاً حدودياً رسمياً، إلى جانب أكثر من 20 منفذاً غير رسمي، ما يشكل خطراً حقيقياً على تطبيق القانون، ويُسهّل عمليات التهريب ويقوّض قدرة الدولة على حماية صناعتها".

وشدد على ان "فرض التعرفة الجمركية يجب أن لا يكون عشوائياً او غير مدروس بل يجب أن تكون هناك دراسة علمية دقيقة ومبنية على بيانات واقعية تتعلق بفائض الإنتاج وتكاليفه، مع وجود رقابة فعلية على المنافذ”.

وأكد انطوان أن تعزيز الصناعة المحلية يتطلب: "أولاً ضبط الحدود ونقاط التفتيش، وتوفير الدعم الكافي لها، إلى جانب نشر “ثقافة جمركية” رصينة داخل المؤسسات والأوساط المعنية"، مشدداً على ضرورة "تسهيل الإجراءات أمام المنتجين المحليين عبر إزالة التعقيدات الإدارية والروتين والبيروقراطية، ما يتيح لهم التفرغ للإنتاج وتحقيق نتائج أفضل".

ودعا الخبير الاقتصادي الى "توفير المواد الأولية الداخلة في العملية الإنتاجية المحلية، وتقديم الدعم المناسب لها، مع تخفيف الضرائب عن المشاريع الإنتاجية المحلية، سواء في القطاعين العام أو الخاص أو المشترك، لكي تتمكن من لعب دورها بفاعلية في السوق”.

وأشار إلى أن التعرفة الكمركية، بحد ذاتها، إجراء مهم لكنها ليست كافية.

ونبه انطوان الى ان هناك حاجة إلى مجموعة متكاملة من القوانين والتعليمات، تنفذ بسرعة، مع وجود إدارة كفوءة في الجمارك، وإرادة سياسية واضحة لدعم المنتج المحلي، صناعياً وزراعياً، بما يضمن عدم حدوث فراغ في السوق أو ارتفاع في الأسعار ينعكس سلبًا على المواطن.

وتحدث أنطوان عن الهيمنة الإيرانية على السوق العراقية، قائلاً: إن "إيران تعتبر السوق العراقية من أهم أسواقها، وتوفر تسهيلات كبيرة لمنتجاتها مثل البيع بالتقسيط أو الآجل، فضلاً عن تسهيلات لوجستية أخرى؛ إذا لم نوفر للمنتج العراقي نفس التسهيلات والدعم، فلن يستطيع الصمود أمام المنافسة”.

وفيما يتعلق بالحدود العراقية الإيرانية، أوضح أنطوان أنها تمتد لمسافة 1360 كيلومترًا، وتشمل تضاريس معقدة مثل الجبال والبحيرات والسهول، ما يجعل تهريب البضائع أمرًا سهلًا في ظل غياب السيطرة الكافية".

واختتم حديثه بالتأكيد على أن "المسألة الأساسية تكمن في إيجاد إرادة سياسية جادة، والتزام حكومي حقيقي، مع تعيين كفاءات مختصة في مواقع القرار لضمان تنفيذ السياسات الاقتصادية الداعمة للصناعة الوطنية".

عرض مقالات: