اخر الاخبار

العراقيون بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة

كتب منقذ داغر وكارل كالتينذالر مقالاً لموقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أشارا فيه إلى أن العلاقات بين العراقيين وحكوماتهم اتسمت بعدم الثقة منذ سقوط نظام صدام حسين، لكن هناك تغييراً تعيشه البلاد مع توجهها نحو دورة انتخابية جديدة. ويُظهر هذا التغيير مواقف متضاربة في الرأي العام، فمن جهة يتحسن رضا العراقيين عن أداء الحكومة، فيما يعرّف نصف العراقيين من جهة أخرى، أنفسهم بهوياتهم الفرعية، العرقية أو الطائفية دون ذكر هويتهم الوطنية، وهو ما يبقى يثير المخاوف من الاضطرابات أو الصراعات.

مقياس الرأي العام

ورصد المقال مقياساً للرأي العام يعتمد خمسة مؤشرات رئيسية تتعلق بالرضا عن الحياة، وتقييم المواطنين للأداء الديمقراطي، وفعالية حوكمة النخبة الحاكمة، ومستوى التفكير الطائفي لدى السكان، ومدى تعريف الناس بهويتهم العراقية، مقارنةً بالهويات المحلية. وعلى ضوء هذا المقياس وجد المستطلعون تحسناً طفيفاً في البنية الأساسية للمواقف تجاه الاستقرار الديمقراطي من 2.3 /4 عام 2021 إلى 2.5 /4 في العام الحالي.

وجاء التحسن الإيجابي نتيجة ارتفاع نسبة الثقة بالحكومة من 26 في المائة إلى 54 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وارتفاع نسبة من يقولون بأن الوضع الأمني جيد إلى حد ما أو جيد جدًا بشكل ملحوظ، من 22 إلى 70 في المائة. أما في الجانب السلبي فقد أعطى 53 في المائة من المستطلعة آراؤهم، الأولوية لهوياتهم الفرعية (الدينية، العرقية، الطائفية، إلخ) على هويتهم العراقية الأوسع، في تدهور ملحوظ إذ كان ثلثا الناس يرون أنفسهم عراقيين بعد الانتصار على داعش في 2017 فيما أفاد 58 في المائة منهم بأنهم عراقيون أولاً في منتصف عام 2022.

التحشيد الطائفي

وعزا الكاتبان هذا التراجع في الشعور بالهوية الوطنية إلى وسائل الإعلام العراقية، التي تُنظّم في معظمها على أسس طائفية وعرقية، وقيام بعضها بزيادة حدة الخطاب الطائفي، خاصة خلال العام الماضي، في مسعى تنافسي للتأثير العاطفي على مختلف طوائف البلاد بغية تعبئتها سياسياً.

وأكد المقال على أن ظاهرة اختلاف الآراء حول مختلف القضايا - الحكومية منها وغير الحكومية – إنما ترتبط بالانتماءات العرقية والطائفية للعراقيين، حيث عبر أكثر من 60 في المائة من سكان المحافظات الغربية عن أنفسهم بالهوية العراقية خاصة مع تحول السكان من التشاؤم إلى التفاؤل بعد الانتصار على داعش، فيما تراجع هذا التفاؤل في المحافظات الجنوبية وحلت محله خيبة أمل شديدة ظهرت في اقتصار من عرّف نفسه بالهوية العراقية أولاً على 52 في المائة فقط. وينطبق الأمر نفسه على كردستان حيث يعتقد 11 في المائة فقط من الناس بأن العراق يسير في الاتجاه الصحيح، ولا يثق سوى 33 في المائة بالحكومة المركزية مقابل ثقة 62 في المائة في المحافظات الغربية و56 في المائة في المحافظات الجنوبية.

الهوية الوطنية في العراق

وفي الوقت الذي اعتبر فيه المقال الطائفية من أخطر الآفات التي تهدد العراق، وهو ما ظهر جلياً في صعود داعش، أكد على أن إعطاء الأولوية للهويات الفرعية على الهوية الوطنية أدى إلى تصدّع السياسة العراقية، وتشرذم عدد من الأحزاب واعتماد العواطف في المشاركة السياسية بدلا من الاعتماد على البرامج القائمة على رؤى متنافسة، وإلى نشوء نظام سياسي قائم على ضمان تعاون مختلف المجموعات الفرعية في صنع السياسات وتنفيذها. وتؤدي المحاصصة الناتجة عن ذلك، إلى تقسيم الوظائف والسلطة بين نخب مختلف المجموعات الفرعية في العراق، مما يساهم في تفشي الفساد والشلل السياسي في العديد من القضايا الرئيسية.

ورغم ذلك ترفض النخب استبدال النظام بنظام برلماني يستحوذ فيه الفائز على كل شيء، لأنه سيهدد مصالح جماعاتها المحلية، مما يجعل المشهد الحزبي السياسي قائماً على هويات محلية وأحزاب مبنية على قادة محددين بدلًا من منصة أيديولوجية، وعلى اتخاذ القرارات المتعلقة بمن سيتولى السلطة غالبًا خلف أبواب مغلقة.

عرض مقالات: