رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على تشريع قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015، لا يزال هذا القانون غائبًا عن التطبيق الفعلي، بسبب ارادة سياسية تعرقل انفاذه بشكل غير انتقائي.
وتتزايد الدعوات قبل الانتخابات النيابية المقبلة، لتفعيل هذا القانون الذي يعد أداة قانونية جوهرية لضبط الأداء الحزبي، ومكافحة المال السياسي، وإنهاء ظاهرة عسكرة الحياة السياسية، ومنع الاحزاب المخالفة من التنافس الديمقراطي المستند الى البرامج.
ما الهدف من القانون؟
واقر قانون الأحزاب السياسية رقم (36) في العام 2015 ليكون إطارًا ناظمًا للحياة الحزبية في العراق بعد عام 2003، ولتنظيم عملية تأسيس الأحزاب، وضمان استقلاليتها، وتحريم الارتباطات الخارجية أو العسكرية عليها، وضبط مصادر تمويلها. ويتألف القانون من 54 مادة، تُحدّد شروط تسجيل الأحزاب، وواجباتها، وآليات تمويلها، وسبل مراقبة التزامها بالقانون.
لكن منذ صدوره وحتى اليوم، لم يتم تطبيق الكثير من مواده، ما أدى إلى ظواهر عدة تضعف إمكانية قيام دولة مدنية حقيقية، منها تسجيل أحزاب على أسس طائفية أو عرقية، خلافًا لما نصّت عليه المادة (5/ثانيًا) ومشاركة أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة في الانتخابات، في خرق صريح للمادتين (8) و(9) وغياب الشفافية عن مصادر التمويل، خلافًا لما أقرّته المادة (25)، إضافة الى غياب المتابعة والمحاسبة من قبل دائرة شؤون الأحزاب، رغم أن المادة (8/ثانيًا) تلزمها بمتابعة تنفيذ البرامج الانتخابية ومساءلة الأحزاب.
واقع سياسي يكرس الانقسام
وفي هذا الصدد، قال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق علي صاحب ان "تطبيق هذا القانون يعد خطوة أساسية لضبط الأداء الحزبي، وضمان الشفافية في التمويل، وتعزيز التعددية السياسية على أسس وطنية وديمقراطية وضمان التنافس العادل بين الاحزاب".
وأضاف صاحب في حديث لـ"طريق الشعب"، أنّ "قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 وُضع بهدف تنظيم الحياة الحزبية في العراق وفق أسس ديمقراطية، وضمان الشفافية في تمويل الأحزاب، ومنع الارتباطات الخارجية، وحظر تشكيل أحزاب تمتلك أجنحة مسلحة".
وتابع قائلاً: ان "القانون ينص في مادته (9) على أن لا يجوز لأي حزب سياسي امتلاك تشكيلات مسلحة أو ارتباط بتنظيمات عسكرية، ومع ذلك فإن العديد من الأحزاب المتنفذة اليوم تمتلك أجنحة مسلحة تشارك في الحياة السياسية، بل وتفرض إرادتها من خلالها".
وواصل القول: ان "المادة (25)، تُلزم الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها، وهي خطوة تهدف إلى منع المال السياسي المشبوه، لكن ما نراه اليوم هو غياب تام للشفافية عن مصادر الأموال الطائلة التي تتلقاها هذه الاحزاب بدون رقابة، وسط غياب تام لتقارير مالية معلنة أو شفافة".
وتابع أن "المادة (7) تحظر تشكيل أحزاب على أساس طائفي أو عرقي أو مناطقي يهدد وحدة العراق، بينما الواقع السياسي يعكس تكريساً للطائفية والمحاصصة عبر أحزاب بُنيت على أساس هويات ضيقة تخدم مصالح جهات خارجية أحياناً أكثر من المصلحة الوطنية".
ونوه في السياق الى ان "غياب تطبيق هذا القانون لا يعبّر فقط عن ضعف مؤسسات الدولة فحسب، بل هو في الأساس نتيجة غياب الإرادة السياسية الواضحة من القوى المتنفذة في تطبيقه، لأنها تدرك أن ذلك يقوّض نفوذها القائم على السلاح غير المشروع، والمال السياسي، والولاءات العابرة للحدود".
وحذر صاحب من ان "استمرار الوضع الراهن له تداعيات خطيرة، اهمها تفشي ظاهرة عسكرة السياسة، وغياب البيئة الآمنة للانتخابات، وتحكم المال السياسي بالقرار الوطني، وضرب ثقة الناس المتضررة أساساً من العملية السياسية على وفق النهج المتبع حاليا".
واختتم حديثه بالقول ان "الحزب الشيوعي العراقي، طالما اكد ضرورة تطبيق قانون الأحزاب، كما اننا نحمّل الحكومة ومفوضية الانتخابات ومجلس القضاء الأعلى المسؤولية الكاملة عن تفعيل هذا القانون، ومحاسبة الأحزاب التي تنتهكه بشكل ممنهج".
عدم جواز تسجيل الأحزاب الطائفية
من جانبه، قال الخبير في الشأن القانوني، د. سيف السعدي، أن قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، رغم كونه نافذًا ويتضمن 54 مادة، إلا أنه لا يُطبّق فعليًا على أرض الواقع، ما أدى إلى خروقات واضحة تهدد بنية النظام الديمقراطي في العراق.
وقال السعدي في تصريح لـ"طريق الشعب"، “المادة (5/ثانيًا) من القانون تنص صراحة على عدم جواز تسجيل الأحزاب ذات الطابع الطائفي أو المذهبي، ومع ذلك تم تسجيل العديد من الأحزاب التي تحمل تسميات ذات صبغة طائفية، في خرق واضح للقانون”.
وأضاف ان "الأمر لا يقتصر على هذا فقط، فالمادة (8) من القانون تحظر تسجيل الأحزاب التي تمتلك تشكيلات مسلحة، ومع ذلك لدينا أحزاب تمارس العمل السياسي ولها أجنحة عسكرية، في مخالفة صريحة أيضًا للدستور، لا سيما المادة (9/ب) والمادة (7)”.
وأشار السعدي إلى أن الجهة المسؤولة عن مراقبة تطبيق هذا القانون هي “دائرة شؤون الأحزاب”، والتي نصّت المادة (8/ثانيًا) على أنها مكلفة بمتابعة مدى التزام الأحزاب ببرامجها الانتخابية ومحاسبتها بناءً على ما تحققه من تلك البرامج بعد كل دورة انتخابية، وهو ما لا يحدث على أرض الواقع.
وأكد السعدي أن "المشكلة في العراق ليست في القوانين ذاتها، بل في “الاستثناءات” التي تُفرغ القوانين من محتواها".
وحذر السعدي من "خطورة النظام الانتخابي الحالي"، معتبراً أنه يُنتج برلماناً مشلولًا لا يعكس الإرادة الشعبية: “لدينا اليوم أكثر من 400 حزب سياسي، والبرلمان معطّل بسبب عدم اكتمال النصاب وبالتالي تعطيل القوانين، من بينها قانون المحكمة الاتحادية، وقانون النفط والغاز، وكذلك قانون مجلس الاتحاد، ما يعني أن البنية الدستورية للبلاد غير مكتملة”.
ووصفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مسألة تطبيق الإنفاق الانتخابي بالـ"صعبة" لما تتطلبه من إجراءات إدارية ومالية وفنية وقانونية.
سقف الإنفاق الانتخابي
وقال المستشار القانوني للمفوضية، حسن سلمان إن "الإنفاق الانتخابي مطروح، وكان موجوداً في العمليات السابقة بتحديد سقف للإنفاق الانتخابي، إلا أن هناك صعوبة في تطبيقه عمليا لأن المفوضية قامت بالإجراءات المتعلقة بتنفيذ هذا الجانب، إلا أنه يتطلب إجراءات إدارية ومالية وفنية وقانونية".
وتابع سلمان، أن "مثل هذا الأمر يتطلب تضافر الجهود من كل الجوانب الخاصة بالعملية الانتخابية، سواء على مستوى المنظمات أو المراقبة أو الرصد، والتزام الأحزاب بكل هذا"، مبيناً أن "تحديد سقف الإنفاق لا نراه مطبقا بشكل واقعي، ولكن تطبيقه سيجعل من العملية الانتخابية أفضل".
وأكد سلمان، في تصريح للصحيفة الرسمية ان هناك مفاصل عمل تتطلب بعض الإجراءات والأنظمة التي يفترض أن تقوم بها المفوضية استعداداً للاقتراع الانتخابي؛ منها ما هو متعلق بالأحزاب، ومنها ما هو متعلق بالناخبين وفرق المراقبة، سواء كانت دولية أو محلية أو منظمات مجتمع مدني، وغيرها من الجوانب القانونية التي من المفترض أن تقوم بها المفوضية؛ ففي ميدان تحديث سجل الناخبين ينبغي مراعاة التعليمات التي تصدرها المفوضية في هذا الجانب".
وأوضح، أن "هناك أنظمة خاصة بيوم الاقتراع؛ منها نظام المراقبين الدوليين والمراقبين المحليين ووكلاء الكيانات السياسية، وغيرها من الجوانب القانونية الاستعدادية للعملية الانتخابية التي تأخذ الصبغة الانتخابية".