اخر الاخبار

تواجه المالية العامة للدولة ضغوطاً متزايدة مع اقتراب النصف الثاني من عام 2025، في ظل تراجع متواصل في أسعار النفط مع التطورات المستمرة التي يشهدها هذا القطاع.

والى جانب ذلك، يُرجح أن تمر السنة الحالية بلا موازنة، ولا حسابات ختامية كالعادة، وسط مخاوف من أن تؤدي الضغوط السياسية والمالية إلى تفاقم العجز وتآكل القدرة على تمويل الإنفاقين التشغيلي والاستثماري.

 ويخشى خبراء اقتصاديون من أزمة مالية حادة، قد تدفع البلاد إلى مزيد من الاقتراض، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار الموازنة الاتحادية.

عجز الموازنة لا يهدد الدين العام

وطبقا لوزيرة المالية طيف سامي، فإن الاقتصاد العراقي حقق نموًا بنسبة 5 في المائة في الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2024، متوقعة استمرار هذا الاتجاه التصاعدي خلال عام 2025، رغم التحديات المالية التي تواجهها البلاد.

وذكرت سامي أن "العجز المالي بلغ 5 تريليونات دينار في عام 2024، أي ما يعادل 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بعد استبعاد تسديدات الديون والمستحقات المتأخرة للمشاريع الاستثمارية وقطاع الطاقة".

وعدت هذا المستوى من العجز "منخفضًا، ولا يشكّل تهديدًا".

وكتب الرفيق رائد فهمي على موقعه في الفيسبوك: "فيما يرسم الخطاب الرسمي ومروجوه صورة زاهية عن الاوضاع، يواجه البلد ازمة مالية متزايدة الشدة مع انخفاض اسعار النفط وتضخم الانفاق الحكومي. سد العجز يعني حكما ارتفاع المديونية واجراءات تقشفية ستفاقم الصعوبات المعيشية. الحكومة مطالبة بالشفافية ومصارحة الشعب".

انفاق غير منضبط

واتساقاً مع ما ذهب اليه الرفيق فهمي، قال عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، أن السياسة المالية المعتمدة في إدارة الموازنة الثلاثية أدت إلى دخول العراق في "عجز حقيقي"، نتيجة تراكم مجموعة من العوامل، من بينها تأخر الإنفاق، تراجع أسعار النفط، وعودة آلاف المشاريع المتوقفة.

وقال كوجر أن "العجز المخطط في موازنة عام 2023، والذي بلغ 64 تريليون دينار، لم يتحقق فعليًا بسبب ضعف الصرف، إذ إن بعض المحافظات صرفت فقط بين 38% إلى 70% من مخصصاتها"، مضيفًا أن "العجز المخطط كان يتحول سابقًا إلى وفرة تُرحّل إلى السنوات التالية".

وأشار إلى أن "الموازنة الثلاثية غيّرت هذا النمط، حيث امتد الإنفاق إلى سنوات لاحقة"، موضحًا أن "موازنة 2023 تُصرف في 2023 و2024 وحتى 2025، بينما تصرف موازنة 2024 و2025 تباعًا في سنواتها المحددة، وهو ما فتح الباب أمام الإنفاق غير المنضبط".

وبيّن كوجر أن "الحكومة اضطرت إلى سحب الأمانات لتغطية الإنفاق"، مشيرًا إلى أن "أكثر من 11 تريليون دينار من موازنة 2024 صُرفت لتغطية التزامات مشاريع موازنة 2023".

ونبه إلى أن "الوضع المالي تفاقم بسبب استمرار الفساد المالي، واعتماد الدولة على النفط كمورد شبه وحيد، إلى جانب انخفاض الأسعار، وتفعيل أكثر من 6 آلاف مشروع مجمّد من الأعوام السابقة".

ولفت إلى أن "هذه العوامل، إضافة إلى العقوبات المفروضة على المصارف وبعض الإجراءات الضريبية، تسببت في أزمة سيولة خانقة أدخلت العراق في أزمة مالية مركبة".

الوضع نحو الأسوأ

وحذر الخبير الاقتصادي والاكاديمي نبيل المرسومي من تدهور الوضع المالي في العراق، خلال الفترة المقبلة، متوقعًا أن ينخفض سعر النفط إلى حدود 50 دولارًا للبرميل خلال الأسبوع القادم، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.

وقال المرسومي لـ"طريق الشعب" أن العراق "رغم تحقيقه إيرادات نفطية تجاوزت 30 تريليون دينار خلال الربع الأول من عام 2025، بمتوسط سعر للبرميل بلغ نحو 72 دولارًا، إلا أنه اضطر إلى طرح سندات مالية بقيمة تزيد عن 7 تريليونات دينار، واستخدم أكثر من 3 تريليونات دينار من الأمانات الضريبية لتغطية رواتب الموظفين".

وأضاف أن "هذا الإنفاق المرتفع، في ظل التراجع المستمر في أسعار النفط، ينذر بأزمة أعمق، لاسيما إذا ما واصل سعر البرميل الانخفاض نحو الخمسينات كما يُتوقع خلال الأيام المقبلة".

وزاد بالقول أن ما يشهده قطاع النفط من تطورات متسارعة سيؤدي الى انخفاض الأسعار بعد قرار رفع الانتاج وزيادة المعروض في السوق، الامر الذي يُفاقم عجز الموازنة الاتحادية لعام 2025، مشيرًا إلى أن “رواتب الموظفين والرعاية الاجتماعية لوحدها فقط تستهلك نحو 71 في المائة من الإنفاق التشغيلي".

أزمة كبيرة

وتعقيبا على حديث وزيرة المالية بشأن السيطرة على العجز، عدّ الخبير الاقتصادي صالح الهماشي هذه الطروحات "غير دقيقة"، مشيرًا إلى أن العجز قد يصل إلى ما بين 35 إلى 40 في المائة من حجم الموازنة، والتي تبلغ نحو 170 تريليون دينار.

وأضاف في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الحديث عن أن "العجز طبيعي ولا يؤثر على الدين العام غير دقيق، فعندما يتجاوز العجز 10 في المائة، تبدأ التداعيات بالظهور. ومع بلوغه مستويات أعلى، كـ30 في المائة مثلًا، فإن ذلك سينعكس على الدين الداخلي عبر أدوات مثل السندات، التي تُعد شكلاً من أشكال الدين العام”.

وحذر من ان العراق "يواجه أزمة حقيقية في الإيرادات نتيجة تراجع أسعار النفط، ما سيؤثر بشكل مباشر على إعداد موازنة عام 2025، متوقعًا أن لا تُقرّ الموازنة أصلاً في ظل هذه الظروف".

وأوضح أن "الموازنات العراقية بُنيت على أساس سعر 70 دولارًا للبرميل، ومع انخفاض الأسعار إلى مستويات تتراوح بين 50 و60 دولارًا، فإن العجز سيزداد بشكل كبير، في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى تمويل متزايد لتغطية نفقات الخدمات والمشاريع المتوقفة أو المتعثرة".

وأشار الهماشي إلى أن "انخفاض أسعار النفط بنسبة 30 في المائة، سيفرض على العراق خيارات صعبة، من بينها اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي".

وأكد أن هذا التوجه "سيلقي بظلاله السلبية على مشاريع التنمية والبنية التحتية، بل وحتى على الميزانية التشغيلية"، مبيناً انه "إذا ما استقرت أسعار النفط عند حدود 50 دولارًا للبرميل، فإن العراق سيكون أمام أزمة مالية حادة تؤثر على قدرته على تلبية الاحتياجات الأساسية، سواء التشغيلية أم الاستثمارية”.

وواصل القول إن العراق سيدخل النصف الثاني من العام الحالي من دون ان تُقر موازنة 2025 حتى الآن، مرجحًا أن يتم تجاوزها والبدء بالإعداد لموازنة 2026.

واتم حديثه بالإشارة الى انه "إذا أُقرت الموازنة في هذا التوقيت، فستكون مدفوعة بضغوط سياسية وانتخابية، وهذا سيرفع العجز بشكل أكبر، لا سيما إذا تم احتساب سعر برميل النفط بـ55 دولارًا أو أقل”.

عرض مقالات: