تستغل القوى السياسية المتنفذة، عادة، ملفات الفساد في عملية التخادم في ما بينها؛ فهي بدلاً من أن تقدمها الى القضاء تلوّح بها في وسائل الاعلام، لتبعث إشارات الى الطرف الآخر المقصود: مواجهة الفضائح أو دعم المصالح الحزبية!
وأثار، أخيرا، تصريح لرئيس مجلس النواب محمود المشهداني، في لقاء تلفزيوني، استياء الشارع والمراقبين للشأن السياسي، بسبب حديثه عن "ملف فساد"، يهدد "بانهيار النظام" اذا ما تم كشفه. الامر الذي أثار موجة انتقادات حادة، فضلا عن تساؤلات حول الجدوى من نظام سياسي تتحدث فيه السلطة التنفيذية عن إعادة الثقة للمواطن، بينما تخفي سلطته التشريعية ملفات فساد كبرى.
لم يكن تصريح السيد المشهداني الأول من نوعه، إذ سبقه قيادات سياسية من الصف الأول، بالحديث عن ملفات فساد كبيرة قد تطيح بالنظام في حال كشفها، فيما يحذر آخرون من محاسبة الفاسدين "الكبار" لأن ذلك يشكل "نقطة شروع لانهيار النظام السياسي، وبالتالي يجب الابتعاد عن الخوض فيها".
وفي تصريح للخبير القانوني علي التميمي، قال ان المادة 245 من قانون العقوبات العراقي عاقبت بالحبس لمدة تصل إلى السنة عن أحجام الموظف عن الابلاغ عن الجريمة التي يعرفها. كما عاقبت المادة 247 من قانون العقوبات العراقي ايضا بالحبس اي تصل إلى الخمس سنوات على من يمتنع عن الاخبار عن الجرائم وكان واجبه يلزمه بذلك.
حراسة الفاسدين وحمايتهم!
وقال الرفيق حسين النجار عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ان "هذه المنظومة السياسية الطائفية والفاسدة تعجز حتى عن حماية نفسها من المحاسبة، لذلك هي تحرص على التستر على ملفات الفساد وطمس الحقائق والتغطية على سراق المال العام".
وأضاف النجار ان "القيادات المتنفذة تدعي بأنها تحارب الفساد او هي بعيدة عنه، الا ان الواقع يفضح ممارساتها العملية في حراسة الفاسدين وحمايتهم، وعلى الاغلب ان جزءا كبيرا منهم يستفيد من ذلك، وإلا كيف يمكن تفسير ما يمتلكونه من إمكانيات مادية كبيرة دون ان يكون للفساد يد في ذلك".
وأردف "لقد سمعنا سابقاً من مسؤولين في هذه المنظومة نفس هذا التصريح. وفي الحقيقة ان ادعاء حماية النظام من السقوط فيما لو تم الكشف عن ملفات الفساد ليس صحيحاً، بل الأصح هو التستر على هذه الملفات لحماية المنظومة من محاسبة الجماهير". وتساءل بالقول: "الى متى يمكن ان إخفاء الحقيقة؟".
وتابع عضو المكتب السياسي للحزب "لقد كُشف زيف مدّعي حماية النظام، وبالتالي لم يعد ممكنا استمرار نهج المحاصصة كأسلوب وحيد للحكم، لذا تتصاعد أهمية تغيير هذا الشكل من الحكم عبر المشاركة الواسعة في الانتخابات والتصويت للقوى الحاملة لمشروع التغيير الشامل او الاحتجاج الجماهيري الواسع ورفع شعارات سياسية تطالب ببناء دولة المؤسسات التي تعتمد المواطنة والعدالة كأسلوب جديد في الحكم".
نظام مبني على الفساد!
من جانبه، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، د. غالب الدعمي، إن "كلام المشهداني ليس جديدا، وهناك شخصيات سياسية من المستوى الأول ذكرت مثل هذا الكلام، وقالت انه لو تمت محاسبة الفاسدين فان النظام السياسي سينهار، أي بمعنى ان هذا النظام السياسي مبني على الفساد".
وأضاف الدعمي، "اعتقد ان المشهداني لم يكن موفقا في كلامه، وتمنيت ان لا يذكر مثل هذا الكلام كونه يرأس المؤسسة التشريعية وهي من تحاسب وتراقب عمل الدولة وتحدد مدركات الفساد، وبالتالي قول هذا الكلام دون الشروع بمحاسبة المتورطين بهذا الملف، يجعلنا نتساءل عمن سيراقب ويحاسب الطبقة الفاسدة في العملية السياسية الحالية".
ولفت الى ان "الحديث عن وجود ملفات فساد دون إعلانها والشروع بها وتقديمها للجهات المختصة يثير تساؤلات عدة، ورسائل مريبة تصل الى الناس".
أطنان من ملفات الفساد!
واتسعت موجة الانتقادات على منصات التواصل لمقطع المشهداني، معربين عن امتعاضهم من إدارة المؤسسة التشريعية بهذه الكيفية، وإعطاء صورة عن إمكانية التستر على الفاسدين من المؤسسة المعنية بمحاسبتهم.
وقال الكاتب فلاح المشعل في تدوينة على صفحته "فيسبوك"، انه "في لقاء تلفزيوني يقول المشهداني: اكو ملف فساد إذا نطلعه ينهار النظام"!.
وأضاف "تخيلوا أن رئيس مجلس النواب يتستر على ملفات الفساد، ويخاف "يطلعه" خشية ان ينهار النظام؟!.. ليش هو أكو نظام بالعراق يا مشهداني؟.. نحن نعلم والشعب العراقي بوجود أطنان من ملفات الفساد، جبال من ملفات الفساد، بل أن قاعدة "النظام" وبناءه الفوقي تشكل هيكلية فساد غير مسبوق في العالم!".
وأردف بالقول "لكن النظام لا ينهار يا رئيس المجلس، لأنه محمي من إيران وأمريكا، وحضرتك تعرف ذلك جيدا!".
وهم إعادة الثقة!
فيما طرح الأكاديمي اياد العنبر، مجموعة من الأسئلة ردا على تصريح المشهداني، مشيرا الى انه "أي نظام سياسي هذا الذي يمكن أن ينهار بفتح ملف فساد؟!".
واكمل العنبر أسئلته هل هذا هو النظام الذي دفع العراقيون دماءهم من أجل المحافظة على مكتسباته؟ هل هذا هو النظام الذي تتفاخر العناوين السياسية بأنهم قادته؟ هل هذا هو النظام الذي نجحت الحكومة الحالية بإعادة ثقة المواطن فيه؟.
وشرع عدد من النواب بجمع تواقيع رسمية لمطالبة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني بالإفصاح عن طبيعة ملف الفسـاد الذي تحدث عنه، ودعوا إلى الكشف عن الجهات المتورطة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.