اخر الاخبار

تستمر عملية الشد والجذب بين العراق والكويت، بعد أن عادت مشكلة اتفاقية خور عبد الله الى الواجهة مرة أخرى، في ظل تقديم رئيسي الجمهورية والحكومة طعنين أمام المحكمة الاتحادية، بشأن قرارها ضد الاتفاقية التي اعتبرتها "غير دستورية"، كونها لم تحصل على تصويت أغلبية الثلثين من اعضاء مجلس النواب، طبقا للمادة 61 من الدستور العراقي.

وفي 22 نيسان المنصرم، أرجأت المحكمة الاتحادية العليا في العراق البت في هذين الطعنين.

ويعد ملف خور عبد الله أحد أبرز الملفات المتعلقة بقضية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وشهدت الأيام الماضية تصاعدًا في التوتر الدبلوماسي بين العراق والكويت على خلفية ملف ترسيم الحدود البحرية لما بعد العلامة 162، وهو الامتداد البحري الذي لم يُستكمل ترسيمه بين البلدين منذ صدور قرار مجلس الأمن 833 في العام 1993.

ونظم عشرات من الناشطين وأعضاء في البرلمان، السبت الماضي، وقفة احتجاجية في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، دعما لقرار المحكمة الاتحادية العليا ببطلان اتفاقية تقاسم ممر خور عبد الله المائي بين العراق والكويت، مطالبين المحكمة بتوثيق قرارها لدى الأمم المتحدة.

وقدم رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤخرا، طعنا بقرار المحكمة الاتحادية بشأن اتفاقية خور عبد الله، "في إطار سعي الحكومة للحفاظ على العلاقات الثنائية مع الكويت وتجنب أي توترات قد تنجم عن هذا القرار القضائي".

وجدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حرص بغداد على تجاوز الخلاف مع الكويت بشأن قضية تنظيم الملاحة بخور عبد الله.

وكان مجلس الأمن الدولي أصدر في عام 1993 القرار رقم 833 الذي ينص على ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، بعد الغزو العراقي للكويت سنة 1990. وتم توقيع اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في ممر خور عبد الله بين العراق والكويت عام 2012، وصادق عليها البرلمان عام 2013.

وقسمت الاتفاقية ميناء خور عبد الله بين العراق والكويت، ويقع في أقصى شمال الخليج العربي بين كل من جزيرتي وربة وبوبيان وشبه جزيرة الفاو، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكلا خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر في محافظة البصرة جنوبي العراق.

شريان سيادي حيوي

وفي وقت تتصاعد فيه التحذيرات من تداعيات التنازل عن خور عبد الله، يجمع مختصون في شؤون الحدود والمياه الدولية على أن هذا الممر البحري ليس مجرد شريط مائي ضيّق، بل هو شريان سيادي حيوي، يمتد أثره إلى عمق الأمن الوطني والاقتصاد العراقي، لاسيما مشروعي ميناء الفاو وطريق التنمية.

ويرى الخبراء، أن أي تراجع في هذا الملف لا يعني فقط خسارة منفذ استراتيجي فقط، بل يُمهّد لحصار بحري محتمل، وتحكّم كويتي بحركة السفن، ما يعرض سيادة العراق للتهديد المباشر.

ورغم امتلاك العراق لوثائق وخرائط تاريخية تثبت أحقيته الكاملة في الخور، إلا أن غياب الإرادة السياسية، ما تزال تعرقل حسم هذا الملف لصالح العراق.

"خيانة للأمانة وحنث باليمين"

من جهته، عدّ رئيس لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة النيابية العراقية، النائب ياسر الحسيني، أن ما جرى في اتفاقية خور عبد الله "خيانة للأمانة وحنث باليمين".

وقال الحسيني في تصريح صحفي، تابعته "طريق الشعب"، إن "ما حدث في اتفاقية خور عبد الله لا يمكن تفسيره إلا بأنه خيانة للأمانة وحنث باليمين، فكلنا أقسمنا اليمن".

وتابع "نريد توضيحا من رئيس مجلس الوزراء عن أسباب ذهابه إلى المحكمة الاتحادية، مطالبًا المحكمة بإلغاء قرارها السابق، وما مصلحة العراق من ذلك؟".

التحكيم الدولي ممكن.. ولكن!

في هذا الصدد، أكد خبير الحدود الدولية اللواء الركن د. جمال الحلبوسي، أن أهمية خور عبد الله تكمن في كونه المنفذ البحري الوحيد الذي يربط العراق بالعالم عبر البحار والمحيطات، مشيراً إلى أن المساحة التي يُطل منها العراق لا تتجاوز 58 كيلومتراً، وهي مساحة ضيّقة جداً مقارنة بجيرانه؛ فالكويت تمتلك ساحلاً بطول 499 كم، فيما يبلغ طول الساحل الإيراني 2850 كم.

وأوضح الحلبوسي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن هذه الواجهة البحرية "على الرغم من ضيقها، تُعد ذات أهمية استراتيجية بالغة للعراق، إلا أنها محدودة من حيث القدرة على إنشاء موانئ جديدة أو توسيع الموانئ القائمة؛ ومع ذلك، فإن بالإمكان استثمارها في الجوانب الاقتصادية والتجارية والعسكرية، لا سيما في حماية البنية التحتية البحرية للبلاد".

وشدّد الحلبوسي على أن "لا الحكومة ولا أي طرف آخر يملك الحق، تحت أي ذريعة، في التنازل عن شبر واحد من أرض العراق"، مؤكداً أن المسؤولين أقسموا على الحفاظ على سيادة البلاد براً وبحراً وجواً، والدستور العراقي يُلزمهم بعدم التفريط بسيادة الدولة تحت أي ظرف أو ضغط.

وأضاف أن الكويت "دأبت على استغلال الظروف الصعبة التي مرّ بها العراق"، مشيراً إلى أنها "تستخدم أدوات ضغط متعددة، وتستقوي بدول أوروبية، بهدف التمدد على حساب الأراضي العراقية، كما حدث مع جزيرتي بوبيان ووربة، التي تعد اراضي عراقية".

وأشار اللواء الحلبوسي إلى أن العراق يمتلك كامل الوثائق والخرائط التربيعية التي تُثبت أحقيته في خور عبد الله، وهي مثبتة لدى جهات رسمية عراقية وأطراف دولية، داعيا إلى استخدامها في المحافل الدولية، وفي مقدمتها محكمة البحار، من أجل تعزيز الموقف العراقي.

ووصف الحلبوسي خور عبد الله بأنه "أحد المقومات الأساسية في ميزان القوى الإقليمي"، لافتاً إلى أن هذه المساحة المطلة على منطقة اقتصادية بحرية تحمل أهمية استراتيجية وأمنية كبرى.

ونبه إلى أن "العراق يستطيع اللجوء إلى التحكيم الدولي، بما في ذلك محكمة العدل الدولية ومحكمة البحار"، لكنه يرهن ذلك بـ"توفّر الإرادة السياسية وجمع الوثائق وإعداد موقف قانوني قوي بمساعدة خبراء قانونيين وقضائيين".

وحذّر الحلبوسي من أن تراجع من المحكمة الاتحادية أو تنازل من الحكومة عن الخور سيؤدي إلى خسارة نصف الواجهة البحرية العراقية، ونصف البحر الإقليمي، والمنطقة الاقتصادية بالكامل. كما سيمنح الكويت القدرة على فرض سيطرتها على مرور السفن والناقلات النفطية، ما يعني “خنق العراق بحرياً وخسارة الحق التاريخي بشكل لا يمكن استرجاعه”.

التنازل يجهض طريق التنمية

من جهته، حذّر الخبير المائي د. رمضان حمزة من أن خور عبد الله يُمثل المساحة البحرية الوحيدة للعراق، التي تؤدي إلى منطقته الاقتصادية البحرية قبل ميناء الفاو، مشيراً إلى أن هذا الممر الحيوي يمثل الامتداد الطبيعي للسيادة العراقية في الخليج.

وقال حمزة في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "الخور كان، تاريخياً، جزءاً لا يتجزأ من محافظة البصرة، وكان تحت سيطرة عشيرة بني تميم في ذلك الوقت. ولا تملك الكويت أي حقوق قانونية أو تاريخية فيه"، لافتاً إلى أن التنازلات التي أعقبت عام 2003، واتفاقية آذار تحديداً، هي التي فتحت الباب أمام الطموحات الكويتية في هذه المنطقة.

وأكد حمزة أن "أي تنازل من الحكومة عن حقوق العراق في خور عبد الله لصالح الكويت، سيؤدي إلى إجهاض مشروع طريق التنمية بالكامل، كما ستتأثر سلباً فاعلية ميناء الفاو، الذي يعتمد على هذا الممر البحري كرافد استراتيجي".

وزاد بالقول: ان "أهمية خور عبد الله تكمن في كونه امتدادا طبيعيا لميناء الفاو، ومساحة مائية تكمل السيادة البحرية العراقية، لكن الخطر الأكبر أن الكويت ستتحكم بالكامل بحركة السفن الداخلة والخارجة، ما يمنحها ورقة ضغط دائمة على العراق".

وعدّ حمزة ان "التنازل عن خور عبد الله ليس من صلاحية أي جهة، انما ذلك يمثل استخفافا صارخا بحقوق العراق البحرية؛ فمجرد التفريط بهذا الممر يعني تسليم مفاتيح الملاحة البحرية للكويت. وسيبقى العراق حينها متفرجاً عاجزاً، خاضعاً للضغط متى ما أراد الطرف الآخر".

مجلس التعاون الخليجي يندد..

وشدد المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، خلال اجتماعه الاستثنائي الـ47 في دولة الكويت، لمناقشة مستجدات ملف ترسيم الحدود البحرية بين العراق والكويت لما بعد العلامة (162)، شدد على وجوب احترام العراق لسيادة دولة الكويت ووحدة أراضيها، والالتزام بكافة المعاهدات والقرارات الدولية، وخصوصًا قرار مجلس الأمن رقم (833) لعام 1993.

وكان الحزب الشيوعي العراقي، قد شدد على ضرورة الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية بشأن اتفاقية خور عبد الله، مؤكداً أن الاتفاقية تنطوي على غبن واضح للعراق في استخدام ممراته المائية، ما ينعكس سلباً على مستقبل الموانئ العراقية، وفي مقدمتها ميناء الفاو الكبير.

وأوضح المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، في بيان، أن "اتفاقية خور عبد الله تضر بالمصلحة الوطنية العراقية، وتؤثر على السيادة البحرية للعراق"، مشدداً على "أهمية التمسك بقرار المحكمة الاتحادية باعتباره مستنداً إلى أحكام الدستور، وضرورة عدم الرضوخ لأي ضغوط تؤدي إلى التفريط بحقوق العراق التاريخية".

وأكد الحزب أن حماية الممرات المائية العراقية وضمان استخدامها الكامل تمثلان أولوية وطنية ينبغي على جميع القوى السياسية والحكومية الالتزام بها، داعياً إلى موقف موحد يصون المصالح السيادية للبلاد.

عرض مقالات: