نفط وغاز العراق بين القانون والسياسة
كتب الخبير النفطي سيمون ويتكينس مقالاً لموقع (Oil Price) حول العلاقات النفطية بين بغداد وأربيل، أشار فيه إلى أنه في ظلّ الجغرافيا السياسية الشرق أوسطية متعددة الأبعاد، يصعب أحيانًا رؤية الصورة الكاملة، وهذا ما ينطبق بالتأكيد – حسب رأيه - على كثيرين ممن يتابعون الصراع الدائر بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، والذي يبدو ظاهرياً خلافاً حول صلاحيات استخراج وتصدير النفط والغاز من أراضي الإقليم، فيما يمثل في الحقيقة صراعاً حول قضايا السيادة وحدود الصلاحيات المتاحة لحكومته على مختلف الأصعدة.
قراءات مختلفة للدستور
واعتبر المقال حرمان إقليم كردستان من أموال مبيعات النفط المستقلة، عبر حظر التسويق والملاحقة القانونية وحجب المستحقات المالية، بمثابة وسائل لضم كردستان من جديد إلى عراق موّحد. وضرب الكاتب أمثلة على ذلك، بما اعلنته تركيا مؤخراً عن رغبتها في بناء خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز الطبيعي من الجنوب مباشرة إلى موانئها، متجاوزةً الشمال. وادعى بأن انهيار اتفاقية 2014 بين بغداد وأربيل حول تصدير الأخيرة 550 ألف برميل يومياً مقابل حصولها على 17 في المائة من الموازنة الاتحادية، كان انهيارا مرغوباً به من الجانبين.
وذكر الكاتب بأن الدستور العراقي ربما يساعد بشكل كبير في خلق هذا الالتباس، لخلوه من أي وضوح قانوني حول من يملك حقوق النفط في الإقليم وسلطة التحكم في تدفقات النفط المتنازع عليها. ولهذا تستند أربيل في المطالبة بهيمنتها على النفط على المادة 112 من الدستور، التي تمنح حكومة الإقليم سلطة إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول التي لم تكن منتجة في عام 2005، وعلى المادة 115 التي تخول سلطات الإقليم والمحافظات جميع الصلاحيات غير المنصوص عليها حصراً للحكومة الاتحادية، معتبرة ذلك ترخيصاً دستورياً لبيع وتحصيل عائدات صادراتها من النفط والغاز. من جهة ثانية، لا تعترف بغداد بهذه التفسيرات وتصّر على أن النفط في كل البلاد هو ملك حصري لأبنائها، وإن شركة سومو الاتحادية هي المسؤولة عن بيعه وتسويقه.
قوانين خلافية
وأشار الكاتب إلى أن الخلاف الحالي بين الطرفين قد بدأ في 23 نيسان 2013 عندما أقرّت حكومة إقليم كردستان مشروع قانون يسمح لها بتصدير النفط الخام بشكل مستقل من حقولها وحقول كركوك في حال لم تدفع بغداد حصتها من عائدات النفط وتكاليف الاستكشاف. كما أقرت الحكومة حينها مشروع قانون لإنشاء شركة لاستكشاف وإنتاج النفط منفصلة عن صندوق الثروة السيادية الخاص باستقبال جميع عائدات الطاقة. وكانت حكومة إقليم كردستان تنوي من مشروع قانون عام 2013 أن تمنح نفسها استقلالًا ماليًا كاملاً يسبق استفتاءً مخططاً له، وهو ما أجهضته المحكمة الاتحادية العليا في شباط 2024، عندما ألزمت أربيل بتسليم "جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية" إلى بغداد.
العوامل الخارجية
وأعرب الباحث عن تصوره بأن الكرملين يرى في إبعاد الغرب عن صفقات الطاقة في العراق، نهاية للهيمنة الغربية على الشرق الأوسط، فيما سيكون الموقف العراقي الموحد في قطاع الطاقة مريحاً للصين، التي تدير شركاتها أكثر من ثلث احتياطيات النفط والغاز العراقية المؤكدة وأكثر من ثلثي إنتاجها الحالي. كما أشار إلى أن كلاً من طريق التنمية ومبادرة الحزام والطريق يستبعدان المرور في كردستان، مما سيخلق مصاعب أكبر لها في تسويق منتجاتها النفطية في المستقبل.
احتجاج الكارتل
ونشرت صحيفة "ذي ناشيونال" الناطقة بالإنكليزية تقريراً حول المشاكل التي تواجه القطاع النفطي في الإقليم، أشارت فيه إلى أن جمعية صناعة النفط في كردستان، والتي تضم ممثلي الشركات العاملة في الإقليم، قد انتقدت في بيان اصدرته مؤخراً حكومة بغداد لجهودها "المحدودة وغير المثمرة" لاستعادة صادرات النفط عبر خط الأنابيب العراقي التركي، والتي أدى توقفها لخسارة البلاد لأكثر من 20 مليار دولار.
اتهامات ومعوقات
وأوضحت الجمعية أنها لا تزال مستعدة لاستئناف الصادرات فورًا عبر هذا الخط بمجرد إبرام اتفاقيات ملزمة تضمن سداد هذه الصادرات بما يتماشى مع الشروط التعاقدية الحالية لكل شركة نفط دولية، وتسديد جميع متأخرات الدفع المستحقة. وأوضح التقرير بأنه ورغم توصل بغداد وأربيل إلى اتفاق لاستئناف الصادرات، فأن العملية لم تُستأنف بعد، حيث يُطالب منتجو النفط الدوليون بضمانات الدفع والتنفيذ الشفاف لأحكام قانون الموازنة، متهمين وزارة النفط الاتحادية بإعاقة الوصول إلى حلول عادلة.