ما زالت سياسة القوى المتنفذة ونهج المحاصصة والفساد يفاقمان الهوة الاجتماعية والاقتصادية بين شرائح المجتمع المختلفة، فبينما يواصل نصيب فئة قليلة من المواطنين الذين يسيطرون على الثروة الارتفاع، تبقى الاغلبية الساحقة من المجتمع تعاني من صعوبات معيشية كبيرة، لا تمكّنهم من تأمين واحتياجاتهم المعيشية اليومية.
في المقابل يتلقى هؤلاء الأكثرية وعودا بالجملة من المتنفذين، لكن ينتهي بهم الامر الى الاحتجاج السلمي، رافعين شعارات مطلبية عادلة، ومؤكدين احقيتهم في العيش الكريم.
وحين تصل المطالب الى المتنفذين، تُقابل بالتسويف والتعطيل تارة، او الاستفادة منها سياسياً وانتخابياً تارة أخرى، وهذا ما برز في احتجاجات المعلمين الأخيرة؛ اذ استخدمت المطالب وسيلة لعدد من النواب والمسؤولين في الحكومة كدعاية انتخابية فارغة، سرعان ما تبين زيفها.
سباق سياسي واعلامي
وبدأت الحكومة ومجلس النواب ومسؤولون تنفيذون سباقا سياسيا وإعلاميا على إعلان تقديم حزم من المخصصات والحوافز للكوادر التربوية التي تظاهرت في الأيام الماضية، وأثار ذلك جدلاً واسعاً حول مدى جدية هذه القرارات من جهة، ومدى التنسيق بين الطرفين لتحقيقها من جهة ثانية.
ويتساءل مراقبون حول ما إذا كانت هذه الخطوات تهدف فعلاً إلى دعم المعلمين، أم إلى كسب تأييدهم في ظل الاستحقاقات السياسية القادمة.
قراءة القانون.. إنجاز؟
وقرأ مجلس النواب، اخيراً (القراءة الأولى لتعديل قانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011)، والذي يتضمن رفع مخصصات المعلمين واحتساب الخدمة في المناطق الريفية بشكل مضاعف، وتثبيت عقود 2020 وصرف مستحقات عقود 2024، إضافة إلى شمول التربويين بقطع أراضٍ سكنية.
ومع ان "القانون ما زال في بداياته التشريعية ولم يُقر بعد، تحدثت رئاسة مجلس النواب وأعضاء فيه بان ما جرى هو (إقرار) لحزمة قرارات تشريعية داعمة للمعلمين، وهو ما أثار استغراباً واعتراضاً من المعلمين والناشطين ونواب آخرين".
وقال مراقبون، ان القانون لم يصوت عليه بعد، وان الحديث عن انجاز سابق لأوانه.
حزمة حوافز جديدة
وفي طور منافسة الحصول على ود المتظاهرين من المعلمين، أصدر مكتب رئيس الوزراء حزمة حوافز تشجيعية خاصة بالملاكات التربوية والتعليمية والمرشدين التربويين العاملين في المناطق الريفية والنائية.
وتضمنت هذه الحزمة إضافة سنتين خدمة فعلية بعد إكمال خمس سنوات في المناطق الريفية، وزيادة أجور النقل بنسبة 50%، ومنح قطع أراضٍ بعد عشر سنوات خدمة، وحوافز معنوية وجوائز تكريمية، مع توصية بالتنفيذ التدريجي كنموذج أولي.
واعتبر مراقبون وتربويون هذا الإجراء يتعارض مع خطوة تعديل قانون وزارة التربية، ويمثل حالة من السباق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما قد يؤدي الى تضارب السياسات، ويصعب الوصول الى حل مناسب.
سباق أم تعاون؟
مراقبون ومحللون يرون أن "ما يجري ليس مجرد تعاون بين مجلس النواب ومكتب رئيس الوزراء لدعم المعلمين، بل هو ربما سباق سياسي لكسب تأييد شريحة المعلمين والكوادر التربوية، التي تمثل قاعدة شعبية كبيرة وحيوية في المشهد العراقي. كل طرف يحاول تقديم مكاسب ملموسة قبل إقرار القانون رسمياً، في محاولة لتعزيز موقفه السياسي".
وفي هذا السياق، دعا عضو مجلس النواب باسم الغريباوي، الحكومة الى ايجاد حلول نهائية لمشاكل الفلاحين والتربويين وغيرهم من شرائح المجتمع الذين يتظاهرون يومياً للمطالبة بحقوقهم المادية.
وقال الغريباوي في حديث صحفي، انه "لا توجد مشكلة عصية، جميع مشاكل المجتمع لها حلول في حال وجود إرادة حقيقية للإصلاح".
واشار الى ان "أكثر الحلول التي تطرح غير دائمية ومؤقتة والغرض منها عبور المرحلة الحالية"، منوهاً الى ان "هذه المشاكل ستتجدد مرة اخرى اذا لم يتم وضع حلول نهائية لها".
واوضح ان "ملفات التربية والزراعة وغيرها من المشاكل ليست وليدة اللحظة وانما جاءت نتيجة تراكمات والاخطاء الماضية، الى ان وصلت الى مرحلة الانفجار"، مشيراً الى ان "التظاهرات والاحتجاجات ستأخذ طابعاً تصاعدياً وتستمر في حال لم يتم حلها بشكل جذري".
وتواجه الحكومة ومجلس النواب تحدياً كبيراً في التنسيق والتوافق على حزمة شاملة من الإصلاحات والمخصصات للمعلمين، وسط ضغوط شعبية متزايدة. ما بين قراءة أولى لقانون لم يُقر بعد، وحزمة حوافز منفصلة من مكتب رئيس الوزراء، يبدو أن المعركة السياسية على دعم المعلمين قد تحولت إلى سباق لتقديم المكاسب، بدلاً من شراكة حقيقية تخدم مصلحة هذه الشريحة الحيوية.
المتظاهرون السلميون من الفئات والشرائح المتضررة من نهج المحاصصة الفاشل، ينتظرون ان تحقق مطالبهم بالعيش الكريم وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة النظر في سياسات توزع الثروة.