لم تبرز قضية قتل المهندس بشير كحالة نادرة في ملف حقوق الإنسان بالعراق، فهناك الكثير من حالات الانتهاك التي لاتقل ترويعاً، لكنها بقيت طي الكتمان. ومع بروز هذه القصة إعلامياً، ظهرت حالات أخرى، ترتبط بأداء بعض المؤسسات الأمنية وقياداتها، وتتعلق بدعاوى كيدية وتهم مفبركة، وجميعها تؤشر مخاوف من انعكاس ما يحدث على الأداء الأمني بشكل عام، لاسيما ان بعض المؤشرات ذات طابع سياسي، يعكس سطوة ونفوذ شخصيات على مؤسسات أمنية وغيرها.
تهم كيدية!
في هذا الملف، برزت قضايا جديدة، بينها ما تعرض له الشاعر والأديب المعروف جمال جاسم أمين في ميسان، والذي داهمت منزله قوة أمنية كبيرة بعض عناصرها من الملثمين، ولا يرتدون الزي الرسمي، مدعين ان منزله يضم عصابة للخطف، وهي حجة "مغرضة" بحسب وصف الشاعر في اتصال مع "طريق الشعب".
وقال أمين، انه "منذ ايام وانا أتعرض لتهديدات بالقتل وتصفية عائلتي عبر اتصالات هاتفية عديدة. الامر الذي دعاني لتسجيل أكثر من شكوى، ولكن بلا جدوى".
وأضاف: "داهمت بيتي قوة مجهولة يصل تعدادها الى 20 شخصا، بينهم مدنيون وملثمون، بدعوى كيدية تتهم ولدي المهندس حيدر بخطف الاطفال!"، مشيرا الى ان "المقتحمين عاثوا بالبيت فسادا.. كسروا الباب الخارجي. أهانوا النساء! لم يحترموا شيئا ابدا".
ولفت أمين الى ان "الغريب في الامر هو نشر منشور كيدي يسيء الى سمعة عائلتي ويصفها بـ(العصابة)!.."، واختتم بالقول: "اضع هذه المسألة امام أعين الشرفاء والمسؤولين بانتظار تحقيق عادل".
وقد يكون الأديب جمال جاسم أمين، محظوظا بسبب علاقاته، حيث تلقى تعاطفا وتفاعلا من قبل أصدقائه، بينهم أحد مستشاري رئيس الوزراء، والذي وعده بالتدخل ومعالجة الموقف، إلا ان هذا الفعل يذكّر من جديد بالقضايا التي يجري التفاعل معها، فيما تغيب عشرات من هذه الحالات عن الواجهة، ولا يتم تداولها وتذهب للنسيان.
تدخلات سياسية!
من جانبه، يقول الباحث في الشأن السياسي، د. سيف السعدي، ان "الجريمة بحق المهندس بشير هي جريمة بحق الإنسانية ويمكن ان تؤثر على صورة العراق في المحافل الدولية، لاسيما فيما يتعلق بحقوق الانسان، خصوصا وأن لدينا 28 سجنا وهذه السجون لا تتمتع بأدنى المستويات الصحية والاجتماعية على الرغم ان المادة 19 من الدستور اكدت على تجهيز السجون بكامل مستلزمات الرعاية الصحية والاجتماعية، وبأماكن مخصصة للإصلاح، لذلك سميت بدائرة الإصلاح، فالسجون هي للإصلاح وليس لارتكاب الجرائم".
ويضيف السعدي لـ"طريق الشعب"، ان "التدخل السياسي أثر في المؤسسة الأمنية تأثيرا كبيرا على الرغم من ان المادة 9 من الدستور اشارت الى ان المؤسسة الامنية لا تتدخل في الشؤون السياسية، لكن نجد أن هذه التدخلات اثرت كثيرا في مراحل التحقيق وحتى في الجوانب الإدارية والقضائية وسير إجراءات التحقيق".
ويواصل السعدي حديثه قائلاً ان حالة بشير كان للإعلام دور في تسليط الضوء عليها، فيما كانت هناك حالات أخرى مماثلة لحالة بشير ولم يتم تسليط الضوء عليها، وذهبت طي الكتمان والنسيان، على الرغم من المناشدات".
ويردف، أن الاعلام تعامل مع حالة بشير بشكل مهني، من اجل ابراز الحقائق.
رقيب على جهات انفاذ القانون!
وأشار السعدي الى ان "السجون بدأت تأخذ طابع الجرائم وانتشار الاوبئة والامراض وهناك شخصيات بريئة تم زجها في السجون ولم تكن تتعاطى المخدرات واصبحت من متعاطيها بالمقابل هناك سجون (VIP)".
ونبّه السعدي الى أن المادة (37 ج) من الدستور، تقول انه يحرّم جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي، ولا يؤخذ بأي اعتراف انتزع بالإكراه، وعلى المتضرر مطالبة الجهات التي قامت بهذا الفعل بالتعويض.
واضاف أن المؤسسة الأمنية بحاجة الى مراجعة لاسيما السجون العراقية وبالتحديد اللجان التحقيقية، وهذا يتطلب تدخلا من قبل السلطة التنفيذية وممارسة اختصاصاتها، مشددا على ضرورة أن يكون هناك رقيب على جهات انفاذ القانون، لا سيما وزارة الداخلية.
وأنهى كلامه بالقول ان "رئيس مجلس الوزراء وجه الجهات التحقيقية بوضع كاميرات مراقبة، وهذا الاجراء لن يكون مجديا، فبالإمكان اغلاق هذه الكاميرات وتعطيلها، اذا ما كانت هناك نية لممارسة الانتهاكات".
ملاحقات واعتقالات
في الأيام الماضية، برزت أيضا حملة اعتقالات وملاحقات ترتبط في الغالب بأحداث تشرين عام 2019، بدأت في محافظة الناصرية بشكل مكثف، ثم انتقلت الى حالات فردية في محافظات اخرى.
وتطورت هذه الاحداث باعتقال ناشطين بارزين في التظاهرات، بتهم يقول المقربون وعوائل المعتقلين، انها كيدية وتستهدف النشاط الاحتجاجي الذي يأخذ بالاتساع لاسيما مع خروج تظاهرات وإضرابات قطاعية مختلفة، يخشى المتنفذون ان تتطور، وتعيد الزخم الذي حصل في تشرين.
وجرى اعتقال ناشط معروف من محافظة ذي قار، وتطويق منزل العائلة لايام من قبل قوة امنية مع استخدام قنابر دخانية واطلاقات نارية خلال عملية التطويق بحسب تصريحات العائلة وشهود عيان. ولاحقا ألقي القبض على شقيق الناشط في محافظة السليمانية بعد اصدار دعوى القاء قبض من محافظة الناصرية بتهم ترتبط هي الاخرى بتظاهرات تشرين. فيما يقول ناشطون انه يجري التحقيق معه بتهمة كيدية وهي الانتماء الى تنظيم داعش الإرهابي.
وفي بابل جرى اعتقال الناشط ضرغام ماجد وبعض المقربين منه بعد دعوى قضائية قدمتها نائبة عن المحافظة، لكن سرعان ما اطلق سراحه بعد ان احتشد عدد كبير من المتظاهرين أمام مبنى المحكمة، واضطرت على أثره النائبة لتقديم التنازل.
وتثير هذه التحركات مخاوف الكثير من الناشطين الذين يصفونها بالاستهدافات المقصودة، والتي ترتبط بحضور قوى فاسدة داخل المحافظات ومحاولة تعزيز حضورها التنفيذي والتشريعي قبيل الانتخابات المزمع اجراؤها في تشرين الأول 2025.