يمر العراق بمرحلة حساسة ومفتوحة على احتمالات متعددة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، وتأثيرها المباشر على أوضاعه السياسية والاقتصادية.
ومع استمرار التصعيد في الشرق الأوسط، وتعقيدات المشهد الداخلي، تبدو الساحة العراقية أمام اختبار صعب يتطلب تحولات جذرية على مستوى التوازنات السياسية، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بملف الفصائل المسلحة والعلاقات مع الولايات المتحدة.
وتتصاعد المخاوف من أن يؤدي عدم التعامل بمسؤولية مع هذه المرحلة إلى تصعيد خطر قد يضع العراق في دائرة الاستهداف الامريكي - الاسرائيلي، في وقت أصبحت فيه إعادة ترتيب التحالفات الداخلية وضبط بوصلة القرار السياسي أمراً ملحاً لتجنب سيناريوهات أكثر تعقيداً.
وأثار إرسال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، والرد الايراني تساؤلات واسعة وجدلاً كبيراً، خاصة أن مضمونها تضمّن تهديدات وتحذيرات مرتبطة بتصعيد التوتر في الشرق الأوسط.
فيما أكد معنيون أن الرسالة جاءت في سياق الضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران لعزلها عن حلفائها الإقليميين، ومن بينهم الفصائل المسلحة في العراق. واشاروا الى ان هذا التطور يضع العراق في موقف حرج، إذ قد تتحول الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران إلى تصعيد ميداني يُضعف استقراره.
ونقلت وكالة رويترز، امس الاثنين، عن سياسيين ومسؤولين عراقيين، معلومات عن استعداد الفصائل العراقية "لنزع سلاحها" لتجنب مخاطر التصعيد في المنطقة، وذلك بعد ضوء اخضر من ايران، ما أتاح للفصائل اتخاذ اية خيارات تضمن سلامتهم واندماجهم في العمل السياسي.
وتقول رويترز ان الحكومة العراقية أبلغت مسؤولي الفصائل انها اذا لم تتحرك لحل الفصائل فان أمريكا ستستهدفها بضربات جوية.
"الضغوط الأقصى" تشمل العراق
من جانبه، قال رئيس مركز التفكير السياسي، د. إحسان الشمري، أن العراق ـ وفق الرؤية الأمريكية ـ لا يزال مرتبطاً بإيران، فإدارة ترامب لم تفصل العراق عن ايران في خطة “الضغوط القصوى” على طهران.
واضاف ان "المذكرة الرئاسية للأمن القومي التي أعادت تلك الضغوط تشمل العراق بشكل مباشر، لاسيما على المستويين المالي والاقتصادي، والمرونة التي اعطيت في وقت سابق انتهت، لا سيما ما يخص التعامل مع الفصائل المسلحة".
وتابع الشمري في حديث لـ"طريق الشعب"، أن آثار هذه العقوبات "قد لا تكون واضحة حالياً، لكنها ستظهر جليا خلال الأشهر المقبلة، ما يضيف مزيداً من التحديات على حكومة السوداني".
وأردف كلامه أن "السوداني يعوّل بشكل كبير على الدعم الإيراني لضمان الحصول على ولاية ثانية، إلا أن ذلك قد يزيد من حدة التوتر مع الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي".
وخمّن الشمري أن "المرحلة المقبلة ستكون من أصعب المراحل التي يواجهها الإطار التنسيقي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية"، مبينا أن "أقل تلك الاحتمالات وطأة قد يكون إعادة تشكيل موازين القوى الداخلية، بينما أخطرها يتمثل في احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري ضد حلفاء إيران داخل العراق".
عزل طهران عن حلفائها
من جهته، حذّر الباحث في السياسي والامني، احمد الياسري، من أن الأشهر القليلة المقبلة قد تحمل أزمات اقتصادية وأمنية كبيرة للعراق، في ظل التصعيد الإقليمي والضغوط المتزايدة على إيران.
ورأى الياسري أن "ما يحدث في غزة واليمن يُعد جزءاً من محاولة أمريكية وإسرائيلية لعزل طهران عن حلفائها وسحبها نحو طاولة المفاوضات، وهو أمر قد تكون له انعكاسات مباشرة على العراق".
وأوضح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن العراق "سيتأثر بشكل أساسي بملف الفصائل المسلحة، ما يستدعي من القوى السياسية العراقية التعامل بمسؤولية وجدية عالية لتجنب تصعيد إضافي".
وأضاف قائلاً أن "هناك حاجة ماسة إلى تغيير ميزان القوى داخل العراق لصالح أطراف سياسية جديدة أقل ارتباطاً بإيران، بهدف امتصاص تداعيات السياسة الأمريكية المتقلبة والانفعالات الإسرائيلية في الحرب الدائرة في الشرق الأوسط".
ثلاثة ملفات أساسية
أما الخبير الأمني سرمد البياتي فحذر من خطورة التطورات المتسارعة في المنطقة، مشيراً إلى أن رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرشد الإيراني علي خامنئي ركزت على ثلاثة ملفات أساسية: الصواريخ الباليستية، المشروع النووي الإيراني، وأذرع إيران في المنطقة.
وأوضح، أن الولايات المتحدة تعتبر هذه الملفات تهديداً مباشراً لأمن المنطقة، وتسعى لوضع حد لها.
وأضاف البياتي في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن التصعيد "قد يتفاقم بشكل أكبر، خاصة إذا استمرت إيران في دعم الحوثيين في اليمن، ما قد يفتح الباب أمام مواجهة أوسع تشمل محاور عدة، منها إيران، الولايات المتحدة، وإسرائيل، لا سيما اذا ما استمر اليمن بقراره في استهداف السفن في البحر الأحمر".
وشدد البياتي على ضرورة أن "ينأى العراق بنفسه عن هذا التصعيد، كما فعل سابقاً خلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله".
وقال فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية، إن رئيس الوزراء ملتزم بضمان أن تكون كل الأسلحة في العراق تحت سيطرة الدولة من خلال "حوار بناء مع مختلف الجهات الفاعلة الوطنية".