شهدت الفترة الماضية، تصريحات ومواقف وردود فعل متشنجة تداولتها القوى السياسية المتنفذة، وأضهرت جانبا من أزمة المنظومة السياسية الحاكمة، ورافق ذلك حراك وخطابات واصطفافات طائفية ومناطقية من شأنها التأثير في معادلة الانتخابات المقبلة، وهي ليست جديدة كما يرى بعض المراقبين، لكنها تأتي هذه المرة متزامنة مع مرحلة ترقب واضطراب على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو ما يُفسر بعدم تفهم هذه القوى لحجم المخاطر المؤثرة في الملف العراقي، او عدم اعتمادها خطابا غير الكراهية والتأجيج الطائفي، لإعادة انتاج نفسها سياسيا. وتجلى هذا من بين قضايا أخرى في طرح مشاريع "إقليم النفط مقابل إقليم المياه".
الكراهية.. أسلوب وحيد!
عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق حسين النجار، قال ان "قوى السلطة الحاكمة، لم تدرك بعد كما يبدو الاخطار الداخلية والخارجية المحدقة بالبلد، فهي تعيد تصدير خطاب المحاصصة الطائفية والكراهية في سبيل إعادة إنتاج نفسها في الانتخابات النيابية المقبلة، وهو الأسلوب الوحيد الذي تتقنه وتقدمه للملتفين حولها. وليس لديها أي مشروع لتغيير الواقع المزريِ الذي سببته للعراق والعراقيين.
وأضاف النجار، ان "العراقيين جربوا طيلة المدة الماضية هذه الخطابات وما نتج عنها، وكذلك اختبروا حكم هذه القوى التي باتت تشكل اقلية محدودة جداً، اغتنت على حساب الأغلبية التي تزداد فقراً وحرماناً"، لافتا الى انه "بسبب ذلك لا تفاعل غالبية المواطنين مع الحملات الانتخابية. كون الشعور السائد بأنها لن تنتج شيئا جديدا، وهذا بالفعل ما تريده القوى المتنفذة والفاسدة من اجل حصر المشاركة في الانتخابات بجمهورها الذي ينقسم بين المتحزبين المتنفذين والمستفيدين او المخدوعين. واللافت ان هذا الخطاب يسري دون رادع قانوني او سياسي".
التصويت لقوى التغيير
وقال: "نريد ان تشترك الجماهير في عملية التغيير، من خلال اشراكها بتفاصيل هذا المشروع، اذ انه يعتمد بالدرجة الأساس على حركتها ومشاركتها في عملية صنع القرار من خلال حضورها الفاعل في التصويت للقوى التي تمتلك مشاريع وبرامج للتغيير".
وبين النجار ان "محاولات إعادة انتاج الخطاب الطائفي لن يجدي نفعاً لشعبنا الذي عانى من الويلات، وهو مدعو للتحرك ضد ذلك، والحضور بصورة فاعلة في الانتخابات النيابية المقبلة، كما كان حاضراً في الانتفاضة الجماهيرية في تشرين 2019، وبالتالي بواسطة هذا الحراك المتعدد الاشكال يمكن ان نسير نحو التغيير الذي نريد من خلاله عزل منظومة المحاصصة والفساد والخلاص من نهجها الفاشل، والآتيان بمشروع جديد يستند الى الديمقراطية الحقة والمواطنة والعدالة الاجتماعية".
الطائفيون يشيعون خطاب الكراهية
من جانبه، يرى الصحفي والناشط المدني، شمخي جبر، ان البعض بدأوا يكشرون عن انيابهم الطائفية لاشاعة ثقافة الكراهية والدعوة للتخندق الطائفي المقيت.
وقال جبر لـ"طريق الشعب" ان "الطائفيين من القوى السنية والشيعية، كلما حدثت ازمة هنا او هناك، او حُمي وطيس الصراع السياسي، يمارسون النعيق الطائفي، لكنهم يدركون ان الاحزاب الطائفية فشلت في تحقيق استقطاب طائفي مهما رفعت من شعارات او طرحت مشاريع تفريقية تقسيمة. ولعل فشل مشروع الاقليم الشيعي الذي طرح عام ٢٠٠٥ كان علامة فارقة للتعبير عن التماسك المجتمعي وعدم استطاعة العازفين على أوتار الفرقة، تحقيق أهدافهم".
وأضاف انه "كثيرا ما تستخدم شعارات طائفية وبخاصة في مواسم الانتخابات، إذ يتوهم من يرفعها انه سيحقق منافع ومكاسب سياسية، بينما صار الجمهور اكثر وعيا ويسعى وراء البرامج والمشاريع التي تحقق التغيير والإصلاح. فقد سقطت الى غير رجعة جميع مشاريع التقسيم، وكانت انتفاضة تشرين 2019 أخر هزيمة للطائفيين ومشاريعهم".
صراع تحريضي!
وأوضح جبر، ان "الحياة السياسية في الكثير من الدول تسودها صراعات سياسية سيما في فترة الانتخابات واللحظات السياسية الحرجة في حياة المجتمع والدولة، وقد تكون الصراعات السياسية الدائرة في اية دولة هي صراعات ارادات سياسية باتجاه اصدار قرارات معينة او اتخاذ مواقف ما، وقد تعبر عن حيوية المشهد السياسي وحرص الفاعلين فيه نحو حياة وتصورات أكثر ايجابية لتقرير حالة ما، وهذا الوصف الايجابي للصراع السياسي يعبر عن حالة الدول المستقرة التي تجري فيها الصراعات في إطار من السلم الأهلي".
ولفت الى انه "حين نقول الصراع فنعني به اختلاف الارادات والرؤى والبرامج والتوجهات، وهذا كفيل بإغناء الحياة السياسية من أجل تقديم خيارات أفضل لواقع المجتمع في حاضره ومستقبله"، مردفا "لكن بمتابعة بسيطة وسريعة للحياة السياسية وحراكاتها في العراق _ منذ التغيير في التاسع من نيسان وحتى الان _ نرى ان الصراع السياسي بين الفرقاء السياسيين يأخذ مديات لها انعكاساتها على الواقع المجتمعي، ما يحوله الى خطاب تحريضي قد يصل في الكثير من الاحيان الى مستوى العنف".
وبيّن "نرى ان الخطب النارية والتصريحات اللا مسؤولة غالبا ما تنعكس على الواقع المجتمعي وعلى حياة الشارع، فتتمظهر على شكل تشنجات مجتمعية او أعمال عنف"، مشيرا الى ان "الكثير من السياسيين عندنا صناع أزمات، وقادرون على إنتاج المشاكل والاشكاليات لكنهم غير قادرين على إنتاج الحلول".
حرث نوعي للشحن الطائفي!
الكاتب والصحفي، فلاح المشعل قال لـ"طريق الشعب" ان "السياسيين يندفعون نحو استخدام الطائفية لغرض تجديد بقائهم وانتخابهم من قبل المغفلين في الانتخابات المقبلة، فهذا يتحدث عن النفط الشيعي، وآخر يتحدث عن ماء سني، في حرث نوعي للشحن والتهديد الطائفي بالانفصال، وهو أمر مخالف للدستور وللقانون".
وأوضح المشعل ان "الموضوع وأهدافه مكشوفة للأذكياء من العراقيين، فهي محاولات يائسة لكي يغطوا على فسادهم وفشلهم بعد 22 سنة من البؤس والإفقار والتخلف".
التصدي لدعوات التقسيم
والمشكلة بحسب المشعل في "بسطاء الناس وهم الأغلبية التي تصدق هذا الكلام، بل ان العديد منهم ربما يندفعون نحو أفعال طائفية مدمرة للمجتمع والناس الأبرياء، وبهذا يحققون للسياسيين الطائفيين أهدافهم القاتلة".
وتمنى المشعل من القضاء والجهات الرقابية أن تتصدى لمثل هكذا دعوات لتقسيم الوطن وخلق عداوات وحروب داخلية وأهلية.