اخر الاخبار

برغم الرهان الكبير الذي وضعته الحكومة على إقرار موازنة ثلاثية تهدف إلى تفادي شبح التأخير المزمن الذي رافق إعداد الموازنات المالية، يبدو أن الواقع لا يزال يراوح مكانه، مكرراً ذات السيناريو المألوف من التباطؤ والتخبط في إعدادها وقراءتها وتمريرها.

ويشير مختصون إلى ان تكرار نفس المشهد، يؤكد وجود خلل بنيوي أعمق، سببه صراعات المحاصصة والتجاذبات السياسية، المسببة لأزمة لها تداعيات مباشرة على السوق المحلي والاستثمار والاعمار والبناء وتلبية حاجات المواطنين الأساسية وإيجاد فرص عمل للعاطلين وخاصة من الشباب.

ترجيحات حول موعد إقرارها

ويرجح المستشار المالي لرئيس الوزراء، أن تقر الحكومة مشروع قانون الموازنة قبل عيد الفطر.

وقال د. مظهر محمد صالح، في حديث صحافي إن "مجلس الوزراء سيقر على الأرجح جدول قانون موازنة 2025 قبل عيد الفطر ويحيله إلى البرلمان".

واضاف أن "الإنفاق يشكل نحو 67 في المائة إلى 70 في المائة من إجمالي حجم النفقات العامة في قانون الموازنة، والتي تضم الرواتب والمخصصات والتقاعد والرعاية الاجتماعية".

وبين أن "حجم الموازنة يبلغ نحو 200 تريليون دينار، وسيكون هناك عجز بحوالي 64 تريليونا".

نتيجة لغياب المحاسبة

في هذا الشأن، أكد عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، انه "من الطبيعي ان يكون هذا الحال حين لا يلقى تأخر الموازنة أي محاسبة أو التزام بالقانون، وحين لا تحتاج الحكومة الجداول بشكل ضاغط ومُلح، بفضل وجود موازنة ثلاثية تتيح لها صلاحية صرف موازنات 2023 و2024".

وأضاف، أن هذه "هي النتيجة الطبيعية حين تكون الحكومة حكومة محاصصة وليست حكومة أغلبية سياسية، ما يسهم في استمرار هذا التأخير".

وأشار كوجر في حديث لـ "طريق الشعب"، إلى أن "تأخر الموازنة في أي دولة يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ المشاريع والتنمية، ما يؤدي إلى توقف عجلة الاستثمار والتطوير".

وأوضح، أن هذا التأخير "ينعكس سلبًا على الموظفين والعاملين في المشاريع والمقاولات، وتأثر هؤلاء ينعكس ويرتد كذلك على شريحة الفقراء وشرائح أخرى من المجتمع".

كما أكد عضو اللجنة المالية أنه لا يوجد أي مبرر لهذا التأخير، مشيراً الى أن "الهدف الأساس من الموازنة الثلاثية هو ان تفلت الحكومة رقبتها من قبضة مجلس النواب بشكل عام واللجنة المالية خصوصاً".

وأوضح، أن الحكومة الآن اصبحت "لا ترد على الكتب الرسمية من اللجنة المالية، ما يعني أنها لا تحتاج إلى البرلمان في هذا السياق، وهو ما كان الهدف من الاصرار على اقرار موازنة ثلاثية".

مشكلة فنية أم ازمة اقتصادية؟

في هذا الصدد، قال استاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي ان تأخير إقرار جداول الموازنة في العراق يعكس خللًا مركبًا يمتد بين العوامل السياسية والإدارية والاقتصادية، ما يجعله أكثر من مجرد تأخير فني، بل مشكلة ذات أبعاد أعمق تؤثر على الاقتصاد الوطني واستقرار الدولة.

ومن وجهة نظره، يرى ان هذا "التأخير هو امتداد لمشكلة هيكلية في عملية إعداد وتنفيذ الموازنات في العراق، حيث يظل الجدل السياسي حول توزيع الموارد والصلاحيات هو العائق الأساسي أمام إقرارها بسلاسة وفي الوقت المناسب".

ونوه في حديث لـ"طريق الشعب"، بأن "العراق، كدولة تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، يواجه تحديًا في وضع موازنة مرنة تستجيب للمتغيرات الاقتصادية والسياسية. ان التأخير في إقرار الجداول يُفاقم من الأزمة المالية، حيث تعاني القطاعات المختلفة من شلل شبه كامل نتيجة لعدم توفر السيولة الكافية لتنفيذ المشاريع أو دفع الالتزامات المالية المستحقة، سواء للقطاع العام أو للمتعاقدين مع الحكومة".

ولفت الى ان هذا التأخير "لا يتوقف عند كونه مشكلة فنية، بل يمتد ليصبح أزمة اقتصادية لها تداعيات مباشرة على السوق المحلي والاستثمار، حيث يعاني القطاع الخاص من تباطؤ في المشاريع الحكومية التي تمثل جزءًا رئيسيًا من الحركة الاقتصادية في البلاد".

وفيما يتعلق بمسؤولية هذا التأخير قال السعدي انها "تتوزع بين عدة جهات، لكن لا يمكن إنكار أن الطبقة السياسية تتحمل الجزء الأكبر منه. فالصراعات الحزبية والتجاذبات بين القوى السياسية تعيق اتخاذ القرارات المصيرية، وتبقي الموازنة أداة للمساومات السياسية بدلاً من أن تكون أداة لتخطيط التنمية الاقتصادية".

وينبه الى أن "غياب الاستراتيجيات الاقتصادية طويلة الأمد يؤدي إلى اعتماد حلول آنية وغير مستدامة، ما يجعل أي موازنة يتم إقرارها لاحقًا غير قادرة على مواجهة الأزمات المالية المتجددة".

أما فيما يخص الموازنة الثلاثية، التي طرحت كحل لضمان الاستقرار المالي على مدى ثلاث سنوات، يرى السعدي أنها "لم تحقق التغيير الجوهري المطلوب. لا يزال التأخير في تنفيذ بنودها مستمرًا، مما يعني أن المشكلة ليست في مدة الموازنة بل في آلية تنفيذها وإقرارها".

واتم حديثه بالقول ان "العراق بحاجة إلى إصلاحات أعمق في سياسات إعداد الموازنة، بما يشمل تعزيز الشفافية، تقليل التدخلات السياسية، وتحسين الإدارة المالية العامة، وإلا فإن التأخير سيظل سمة متكررة بغض النظر عن شكل الموازنة أو مدتها الزمنية".

مبررات التأخير

من جهته، قال المحلل الاقتصادي باسل العبيدي، ان هناك "أربعة أسباب رئيسية وراء تأخر الموازنة، أولها أن وزارة المالية لا تمتلك رؤية واضحة وشاملة للمشهد الاقتصادي العالمي، في ظل التغيرات الاقتصادية والتحديات المستجدة على الساحة الدولية".

وواصل حديثه بالقول أن "السبب الثاني يعود إلى حرص مجلس الوزراء ووزارة المالية على تجنب استغلال جداول الموازنة في المزايدات السياسية، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يسعى البعض إلى توظيف هذه الجداول لأغراض سياسية".

وأضاف العبيدي قائلاً في تصريح تابعته "طريق الشعب"، أن " السبب الثالث يتمثل في رغبة مجلس الوزراء بالحصول على ضمانات من مجلس النواب بعدم إخضاع الموازنة للمناكفات السياسية، والتأكيد على تمريرها بصيغتها المقدمة دون تأخير، فضلاً عما يتعلق بالوضع المالي الحرج الذي يمر به العراق، حيث تعمل الحكومة حالياً على إيجاد حلول لهذه الأزمة المالية".

وأكد في ختام حديثه أن "الموازنة ستُعرض بشكل نهائي للتصويت داخل مجلس النواب بعد عطلة العيد".

لا حسابات ختامية

تواجه جداول موازنة 2025 أزمة جديدة، رغم وجود قرار من المحكمة الاتحادية يلزم الحكومة بتقديم الحسابات الختامية. ورغم ذلك، يبدو أن الموضوع ما زال بعيد المنال ولم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذه.

وأكد الخبير الاقتصادي صلاح نوري أن "عدم تقديم الحساب الختامي للدولة مع مشروع قانون الموازنة يعد مخالفة للمادة الدستورية (62-أولاً)، التي تنص على أنه يجب على مجلس الوزراء تقديم مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره".

وأضاف نوري أنه "من المهم جدًا دراسة مشروع قانون الموازنة العامة بالمقارنة مع ما تحقق من تنفيذ الموازنة السابقة ونسب التنفيذ، بالإضافة إلى معرفة أسباب الانحرافات وجوانب الإخفاق في مشاريع الموازنة الاستثمارية".

وأشار نوري إلى أن "الحساب الختامي يتم تدقيقه من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي، وهذا يمكن مجلس النواب من مقارنة الحساب الختامي والملاحظات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية مع مشروع قانون الموازنة العامة، ما يساعد في تصويب تخصيص الموارد للموازنتين الجارية والاستثمارية".

عرض مقالات: