اخر الاخبار

في الوقت الذي  تسعى فيه الحكومات إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات لضمان الاستقرار الاقتصادي، يواجه العراق أزمة مالية متصاعدة بفعل السياسة المالية التوسعية التي تتبناها الحكومة بحسب مختصين، والتي تُلقي بظلالها على السياسة النقدية وتجعلها في موقف الدفاع لمعالجة الاختلالات الناجمة عنها.

على الرغم من ان الإيرادات التخمينية للدولة في عام 2025 تُقدَّر بـ 134 تريليون دينار، إلا أن الموازنة بُنيت على إنفاق يصل إلى 211 تريليون دينار، ما يخلّف فجوة تمويلية ضخمة تُسد عبر الاقتراض الداخلي والخارجي، وهو ما يهدد بمزيد من الأعباء المالية مستقبلاً.

ضرورة مُلحة

في هذا الصدد، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، أن جميع احتياطي البنك المركزي العراقي تُولده وزارة المالية، نظراً لكون العراق بلداً ريعياً يعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط.

وأوضح، أن "الإيرادات النفطية تُحوَّل إلى الدينار العراقي، ما يساهم في تكوين احتياطات البنك المركزي، الذي بدوره يوفر الدينار العراقي مقابل هذه العائدات، وهو ما يشكل العلاقة الأساسية بين المؤسستين". وذكر صالح في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "البنك المركزي يتمتع باستقلالية عالية، لكن طبيعة الهيمنة المالية العامة تخلق أحياناً نوعاً من العزلة وتضارب المصالح".

ومع ذلك، أكد أن "مستوى التفاهم والتنسيق الحالي بين الجهتين هو الأفضل، حيث يجري التشاور بشكل مكثف لضمان الانسجام بين السياسات المالية والنقدية".

وشدد المستشار المالي على أهمية وجود تناغم وتفاهم مستمر بين وزارة المالية والبنك المركزي"، مؤكداً ضرورة "إطلاع البنك على تفاصيل الموازنة العامة، نظراً لدوره الكبير في إدارة السياسة النقدية، إضافة إلى دراسة سعر الصرف المحدد في الموازنة".

كما لفت الى ان "معظم الديون الداخلية تتحول إلى المصارف الحكومية، ليتم خصمها لاحقاً لدى محفظة البنك المركزي"، مبيناً أن "إطفاء هذه الديون أصبح مسألة معقدة، ما يستدعي مزيداً من التفاوض والتشاور حول آلية التعامل معها".

واضاف، أن "البنك المركزي، في إطار بعض سياساته، يدير ويخصم أوراقاً مالية للحكومة، وهو ما يستدعي تحقيق التوازن لتجنب تضارب الأهداف، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومكافحة التضخم". وأكد أن قانون البنك المركزي ينص على ضرورة التنسيق مع الحكومة، ممثلة بوزارة المالية، في رسم السياسات والإجراءات العامة، مشيراً إلى أن البنك المركزي العراقي يتمتع بتمثيل في المجلس الوزاري للاقتصاد، وهو مجلس معني بوضع السياسات الاقتصادية، ما يعزز أطر التفاهم والتنسيق بين الجهتين".

السياسة المالية توسعية

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن هناك "حاجة ماسة للتناغم والتكامل بين السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتجارية، إلا أن الواقع الحالي في العراق يظهر أن السياسة المالية تتبع نهجاً توسعياً، بينما تتخذ السياسة النقدية موقف الدفاع في محاولة لمعالجة إخفاقات وأخطاء السياسة المالية”. وقال صالح في حديث لـ "طريق الشعب"، أن “الموازنة العامة تعكس هذا التوسع، حيث تبلغ الإيرادات 134 تريليون دينار، في حين تم بناء الموازنة على إنفاق قدره 211 تريليون دينار، ما يخلق فجوة تمويلية كبيرة تتم تغطيتها عبر الاقتراض الداخلي والخارجي”، مضيفاً أن “وزارة المالية باعت سندات وأذونات الخزانة لمصارف حكومية مثل الرافدين والرشيد وTBI، والتي تقوم بخصمها لدى البنك المركزي، ما يعني عملياً أن الدولة تقترض من البنك المركزي بشكل غير مباشر”. وأشار إلى أن “تمويل العجز من قبل البنك المركزي يتم عبر إصدار نقدي جديد، حيث ارتفع حجم العملة المصدرة خلال السنوات الخمس الماضية من 67 تريليون دينار إلى 102 تريليون، ما يؤكد أن البنك المركزي يموّل عجز الحكومة بطباعة نقدية جديدة، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار المالي”.

أما فيما يتعلق بنافذة بيع العملة، فقد بيّن المشهداني أن “البنك المركزي يُفترض أن يشتري الدولار من الحكومة، كونه ناتجاً عن صادرات النفط، ثم يضخه في السوق لتمويل التجارة الخارجية وسد احتياجات الحكومة. إلا أن الإشكالية تكمن في أن الطلب الشهري يبلغ نحو 7 مليارات دولار، بينما لا يبيع المركزي سوى 5 إلى 5.5 مليارات دولار، مما يخلق فجوة إضافية”. وأضاف الخبير الاقتصادي أن “البعض ينتقد البنك المركزي على حجم مبيعاته من الدولار، لكن الواقع أن هذه المبيعات تهدف إلى تلبية احتياجات الحكومة”، مشدداً على أن “الحل يكمن في إعادة ترشيد الإنفاق الحكومي، سواء التشغيلي أو الاستثماري، خاصة وأن العجز المالي يتزايد سنوياً”. وحذر المشهداني من أنه “إذا استمر النهج الحالي، فإن العجز المتوقع في عام 2025 لن يكون 64 تريليون دينار، بل سيرتفع إلى 94 تريليونا، بسبب انخفاض الإيرادات النفطية بنحو 30 تريليون دينار، ما سيؤدي إلى تفاقم الدين الداخلي والخارجي”.

ودعا في ختام حديثه إلى “إعادة النظر في هيكلة الإنفاق الحكومي لتجنب المزيد من الأعباء المالية والاقتصادية”.

الى ذلك، أكد الباحث المختص بالشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن “التناغم بين السياسة المالية والنقدية يعد عاملاً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث يجب أن تكون مخرجات السياسة المالية، مثل الموازنة العامة للدولة، مدخلات للنظام المصرفي، ليتم ضخها لاحقاً إلى السوق”.

وأوضح حنتوش أن “التكامل بين السياستين يسهم في استقرار المؤشرات النقدية والاقتصادية، إذ تعتمد السياسة النقدية على تحفيز الاقتصاد لتحقيق أهدافها، فيما تحتاج السياسة المالية إلى استقرار العملة وتوافر السيولة النقدية، ما يجعل العلاقة بينهما قائمة على التفاعل المستمر”. وأشار إلى أن “العراق يشهد مستوى من التعاون بين السياسة المالية والنقدية، إلا أنه بحاجة إلى مزيد من التطوير والتعزيز”، لافتاً إلى إمكانية “إنشاء مجلس مشترك مستقبلاً لضمان وضع الأهداف الاقتصادية بشكل متكامل ومدروس”.

عرض مقالات: