اخر الاخبار

مشروع طريق التنمية والديناميكيات الجيوسياسية

لموقع المركز العربي في واشنطن، كتب جورجيو كافييرو مقالاً مطولاً حول هذا الموضوع، ذكر فيه بأن العراق يسعى ومنذ زمن للاستفادة من موقعه الجغرافي وموارده كي يكون بمثابة جسر اقتصادي بين آسيا وأوروبا، حيث راجت في ثمانينيات القرن العشرين، فكرة "القناة الجافة" لبناء مركز عبور تجاري يربط بين مناطق مختلفة من العالم. لكن عوامل عديدة أعاقت ذلك كالحروب والاحتلال العسكري الأجنبي وعدم الاستقرار السياسي والإرهاب، دون أن يتخلى العراقيون عن هذا الحلم، والذي ينوون تجسيده في إنشاء ممر تجاري رئيسي يربط بين الإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق وتركيا والاتحاد الأوروبي، والذي من المقرر أن تكتمل المرحلة الثالثة والأخيرة منه بحلول عام 2050.

أهميته الاقتصادية

بتكلفة تقدر بين 17 و 20 مليار دولار، ينتظر أن ينجز هذا المشروع الضخم المتكون من السكك الحديدية والطرق والموانئ التي تربط الخليج بأوروبا عبر العراق وتركيا، والذي ستموله الإمارات العربية المتحدة وقطر وتساهم فيه تركيا كقوة دافعة رئيسية ويلعب فيه العراق دوراً مركزياً، من خلال جعله ممراً مهماً للتجارة العالمية، يوفر له فرصة لتنويع اقتصاده إلى ما هو أبعد من النفط ويخلق فيه فرص عمل جديدة ويحفز النمو في قطاع الطاقة الخضراء، حتى يتحقق له إيراد لا يقل عن 4 مليار دولار سنوياً، حسب الكاتب، الذي حدد فوائد جمة لتركيا أيضاً ليس أقلها توسيع علاقاتها التجارية مع الشرقين الأوسط والأقصى.

تحديات

وأشار الكاتب إلى أن المشروع الطموح يمكن أن يجلب معه العديد من التحديات، بما في ذلك الفساد، وانعدام الكفاءة، والافتقار إلى الشفافية داخل المؤسسات العراقية، فضلاً عن مخاطر تجدد الصراعات المسلحة، والإرهاب، وعدم الاستقرار السياسي، وما يجري من فوضى في سوريا واحتمال عودة المواجهة العنيفة ضد القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي العراقية. وينقل عن مسؤولين عراقيين قلقهم من التاثير المثبط لعدم الاستقرار على استقطاب الدعم الدولي الكافي لجعل طريق التنمية ناجحاً. كما تتصاعد المخاوف من أن تلعب بعض الدول في المنطقة، أدواراً غير إيجابية، إذا ما شعرت بأن الطريق يمكن أن يقوض مصالحها الوطنية.

مواقف الدول العربية

وإذ اعتبر الكاتب المشاركة الإماراتية والقطرية في مشروع طريق التنمية دليلاً على تطور مستويات التعاون بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي وبغداد، رغم المخاطر التشغيلية مثل عدم الاستقرار السياسي والفساد وضعف الأمن، تساءل عن مدى التأثير السلبي للمنافسة المتوقعة بين طريق التنمية والممر الاقتصادي الهندي – الأوربي (IMEC) على هذه الشراكة، خاصة وإن أبو ظبي جزء منه هو الآخر. كما توقع أن يكون تأثير طريق التنمية على الكويت معقدًا بسبب الخلافات بينها وبين  العراق بشأن حدودهما البحرية في خور عبد الله الاستراتيجي، لاسيما بعد أن قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم دستورية اتفاقية ثنائية وقعت بين البلدين العام 2012 وحددت بموجبها شروط حقوق الملاحة في هذه القناة. وإقترح الكاتب لتجنب العرقلة الكويتية، الشروع بإقامة "مركز تجاري بحري ضخم" مع الكويت كشريك بحيث يكمل الميناءان (الفاو ومبارك) بعضهما البعض بدلاً من التنافس مع بعضهما البعض. 

ووجد الكاتب أن من الصعب أن تنظر مصر بشكل إيجابي إلى طريق التنمية، لأنه يمثل بديلاً لممر قناة السويس، وأسرع منه بحوالي 15 يوماً وأكثر أماناً منه بعد مشكلة انعدام الأمن في البحر الأحمر مؤخراً. وذكر المقال بأنه ومع توقع نمو التجارة الدولية عبر الشرق الأوسط بمعدل سنوي يتراوح بين 10 و15 في المائة، فليس من الواضح كم من العائدات سيأخذها طريق التنمية من مصر.

إيران

ورأى الكاتب بأن وجهة نظر إيران بشأن المشروع معقدة، حيث تخشى من أن يدفع طريق التنمية العراق إلى التعاون الكبير مع أنقرة على حساب طهران، التي تسعى لأن تكون موانئها مراكز مهمة لتعزيز الترابط الاقتصادي بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط والغرب.

غير إن هناك من الإيرانيين من يرى بأن العراق الأكثر ازدهارًا يمكن أن يقدم للإيرانيين العديد من الفوائد لاسيما في مواجهة ضغوط واشنطن التي لم تعد تحتمل.

الولايات المتحدة والصين

وبسبب تأكيد الخطاب الصيني على أن الممر العراقي التركي سيكمل مبادرة الحزام والطريق، وإن لدى بكين حافز كبير للاستثمار فيه،  لم تتخذ واشنطن – حسب الكاتب - أي موقف رسمي بشأن مشروع طريق التنمية، متوقعاً أن تواصل إدارة ترامب الضغط على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لإبعاد أنفسهم عن الصين.

واستنتج المقال بأن على بغداد أن تتقن فن الدفاع عن مصالحها في خضم هذا الصراع المتعدد الأوجه، إذا ما أرادت أن تستفيد من جغرافيتها وحدودها الدولية، لتصبح لاعباً أكثر نفوذاً في النظام الجيوسياسي والجيواقتصادي العالمي.

عرض مقالات: