لا يرتبط ملف حصر السلاح بيد الدولة، الذي تقول الحكومة أنه يتصدر أولوياتها، بينما لم يتبق من عمرها سوى سبعة أو ثمانية اشهر، بالبندقية التي يمتلكها المواطن، بل بسلاح الفصائل خارج إطار الدولة وبترسانات العشائر التي قد تكون مستعدة لمواجهة الأجهزة الأمنية اذا ما فكرت بنزع الأسلحة الثقيلة منها.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال في وقت سابق من هذا العام، أن حصر السلاح بيد الدولة يمثل جزءًا أساسيًا من البرنامج الحكومي، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل بالتنسيق مع القوى السياسية لتحقيق هذا الهدف، لكن المشكلة ان غالبية تلك القوى تمتلك أجنحة مسلحة غير مستعدة للتفريط بها، كونها تشكل قوة ضغط في تحقيق مكاسبها السياسية والمالية والانتخابية.
وفي إطار الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار في العراق، تواصل وزارة الداخلية تنفيذ برنامج حصر السلاح بيد الدولة، الذي يهدف إلى تقليل انتشار الأسلحة غير المرخصة، وإعادة تنظيم الأسلحة المتداولة بين المواطنين والعشائر والفصائل المسلحة. وبرغم ذلك يعتقد خبراء في الشأن الامني ومراقبون أن تحقيق الأهداف المرجوة لا يزال يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ما يتعلق بنزع الأسلحة الثقيلة من الفصائل المسلحة والعشائر، التي تعتبر من أكبر مصادر تهديد الأمن المجتمعي.
الحملة مستمرة حتى نهاية ٢٠٢٥
وأكد اللواء الحقوقي منصور علي سلطان، مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة وتنظيم الأسلحة، وسكرتير ومقرر اللجنة الوطنية لحصر السلاح بيد الدولة، أن "عملية شراء الأسلحة مستمرة عبر المنصة المفتوحة في بوابة (أور) التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، إلا أنه لم يتقدم أي مواطن بطلب الشراء حتى الآن".
وأشار سلطان لـ "طريق الشعب"، إلى "استمرار جهود تسجيل أسلحة المواطنين في دورهم السكنية، حيث تجاوز عدد المسجلين حتى الآن (35) ألف رب أسرة، وتستمر العملية لغاية ١٢/٣١ من العام الجاري. كما تم ضبط أكثر من ألف قطعة سلاح غير مرخصة خلال عام 2024، وإعادة الأسلحة التي تم تسليمها للعشائر، فضلاً عن سحب أكثر من (32) ألف قطعة سلاح متنوعة من وزارات مدنية.
وأكد، أن "الجهود مستمرة في ضبط ملايين من الاعتدة والذخائر ومئات الصواريخ والقنابر غير المنفلقة".
وأضاف أن "القوات الأمنية تواصل محاربة ظاهرة (الدكة العشائرية) وإطلاق العيارات النارية، إلى جانب غلق محلات بيع الأسلحة غير المرخصة واتخاذ الإجراءات القانونية بحق مروجي العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، منبها الى أن "هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجية الحكومة لتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد"، داعياً المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والمساهمة في إنجاح هذه الحملة.
ودعا اللواء وسائل الإعلام إلى دعم جهود اللجنة الوطنية لحصر السلاح بيد الدولة وحثّ المواطنين على الاستفادة من هذه الفرصة.
حلول صغيرة لمشكلة معقدة!
فيما يجد الخبير الأمني أحمد الشريفي ان "برنامج نزع السلاح في العراق يعد خطوة طموحة ومطلبًا جماهيريًا لتحقيق السلم الأهلي، لكنه لا يلامس الواقع، ولا يشكل حلولًا حقيقية للأزمة القائمة".
ويقول الشريفي لـ"طريق الشعب"، أن "المشكلة الأساسية لا تكمن في السلاح البسيط الذي يمتلكه المواطنون، بل في الأسلحة الثقيلة والمتطورة التي بحوزة العشائر والفصائل المسلحة، والتي تشكل الخطر الأكبر على الأمن والاستقرار".
ويضيف أن "الإرادة السياسية، ممثلة بوزارة الداخلية، عاجزة عن نزع الأسلحة الثقيلة من العشائر والفصائل المسلحة، رغم أنها السبب الرئيس في زعزعة الأمن المجتمعي"، مرجعًا ذلك إلى "وجود ضغوط سياسية تعرقل أي محاولة جادة لحصر السلاح بيد الدولة". وينبه الشريفي الى أن "تنفيذ برنامج نزع السلاح أمر مستبعد في ظل غياب موقف سياسي موحّد ودعم حقيقي من الأطراف السياسية النافذة، لاسيما أن العشائر والفصائل المسلحة تحظى بغطاء سياسي وحزبي يحميها من المساءلة". ويؤكد أن "حصر السلاح بيد الدولة يتطلب قرارًا سياسيًا شجاعًا وإرادة حقيقية، خاصة أن نزع السلاح من العشائر والفصائل المسلحة أصعب بكثير من نزعه من المواطنين، وهو ما يجعل هذه الجهات أقوى من الأجهزة الأمنية ويعرقل أي جهود لتحقيق الأمن المجتمعي".
استغلال الفراغ الأمني
من جانبه، ذكر المحلل السياسي علي البيدر أن "نظرة المجتمع إلى السلاح ما تزال قاصرة، حيث يُنظر إليه كقوة إضافية سواء للمجتمع أو للمنطقة أو للعشيرة أو حتى للمكونات المذهبية والطائفية".
وأوضح البيدر لـ "طريق الشعب"، أن "هذا المفهوم نشأ في ظل غياب الدولة وضعف مكانتها بعد عام 2003"، مشيرًا إلى أن السلاح أصبح يُستخدم من قبل الجماعات المسلحة في هذا الفراغ الأمني.
وأشار البيدر إلى أنه على الرغم من وجود رغبة مجتمعية في معالجة هذه المشكلة، إلا أن الإرادة السياسية والموقف الحكومي لا يزالان يحتاجان إلى المزيد من العمل.
وقال، إن البداية لا يجب أن تكون من المواطن، لأن المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه القضية، وسيستسلم لتطبيق أي قرارات قد تتخذها الدولة إذا لم يرَ أي جدية في تنفيذ هذه القرارات.
وتطرق البيدر إلى التحديات التي تواجه الحكومة في سحب السلاح من الجماعات المسلحة، مشيرًا إلى أن الحكومة في هذه المرحلة قد تجد صعوبة في مواجهة هذه الجماعات، ما قد يدفع الأمور إلى تدخل دولي ويزيد من تعقيد المشهد.
وأكد أن الحل يجب أن يكون دبلوماسيًا، عن طريق الحوار والمفاوضات، واستثمار الجوانب الشخصية في التعامل مع هذه القضايا. وخلص إلى ضرورة بدء معالجة المشكلة من "الأقوى"، وهم الجماعات المسلحة، لكي تنهار تدريجيًا منظومة السلاح المنتشر في المجتمع العراقي، وفقًا لخطة استراتيجية عميقة وجدية.