مع تقلص الغطاء الأخضر في عموم العراق، يتمدّد التصحر والجفاف وتتواتر العواصف التراتبية، بينما يتراجع التنوع الإحيائي، الأمر الذي يتسبب بتفشي الأمراض وبنزوح الناس من الأرياف إلى المدن بعد أن صارت تفتقر لأبسط مقومات العيش الصحي والكريم.
وبدلا من التوجه الحكومي نحو مشاريع الأحزمة الخضراء في بغداد والمحافظات، وصل جشع الأحزاب المتنفذة وقوى السلطة إلى الغابات، التي تسهم في الحفاظ على ما تبقى من تنوع بيولوجي، وفي تحسين جودة الهواء.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أطلق خلال العام الماضي، الاستراتيجية الوطنية لحماية وتحسين البيئة في العراق، والتي وصفها بأنها ستكون حاسمة في جهود العراق وأهدافه التنموية لمواجهة التحديات البيئية: التصحر، وخسارة التنوع البيولوجي، واستنزاف الموارد المائية.
وتعتبر غابات العراق جزءًا مهمًا من التنوع البيولوجي والموروث الطبيعي للبلاد، وتلعب دورًا بارزًا في حماية التنوع البيولوجي وتحسين جودة الهواء، والحفاظ على التوازن البيئي، بالإضافة إلى كونها موطنًا للعديد من الكائنات الحية التي تعتمد عليها في بقائها، لكنها تواجه اليوم إضافة لتحدي التغير المناخي، تحديات عديدة أخرى تهدد استدامتها، خاصة في ظل التجاوزات التي تتعرض لها، من بينها التوجه لتحويل بعض أراضيها إلى مشاريع استثمارية.
تحذيرات برلمانية
وكشف عضو لجنة الحفاظ على عقارات الدولة في مجلس النواب أمير المعموري، عن وجود اعتراضات برلمانية على مشروع استثمار الغابات، محذرًا من أن تحويلها إلى أراضٍ سكنية يشكل انتهاكًا خطيرًا للمعالم الطبيعية، ويهدد البيئة الحضرية.
وقال المعموري في تصريح صحفي، أن هناك "11 غابة كبيرة تابعة لوزارة الزراعة"، مشيرًا إلى أن "بعض صلاحياتها نُقلت إلى المحافظات، ما فتح المجال أمام التلاعب والتجاوزات"، مضيفا أن "بعض الغابات تعرّضت لعمليات إزالة متعمدة عبر قطع أشجارها وتحويلها إلى فحم، بهدف تصفية الأرض وتحويلها إلى مشاريع استثمارية، تحت ذريعة تصنيفها كأراضٍ بيضاء".
وأضاف المعموري، أن "غابات الموصل، على سبيل المثال، تمثل جزءًا من الإرث البيئي والطبيعي الذي يجب الحفاظ عليه"، لافتًا إلى "رفض أهالي المدينة ونوابها تحويل هذه المساحات إلى مشاريع سكنية".
وأكد أن اللجنة النيابية المختصة تواصلت مع رئاسة الوزراء والجهات المعنية لوقف تنفيذ هذه المشاريع.
وفيما يتعلق بعقود الاستثمار، شدد المعموري على ضرورة "إجراء تعديلات جوهرية عليها"، مبينًا أن الغابات ليست مجرد مشاريع ربحية، بل تمثل مساحات طبيعية مخصصة للعائلات.
وأبدى النائب استغرابه من التوجه نحو استثمارها بطريقة غير مدروسة، محذرًا من أن هذا النهج قد يؤدي إلى تدمير البيئة وفقدان موارد طبيعية ثمينة.
الغابات بخير..؟
وفي السياق، قال مدير عام دائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة، د. بسام كنعان: أن صلاحيات الغابات لم تُنقل إلى المحافظات، مشيرًا إلى أن قرار المحكمة الاتحادية أكد بقاء هذه الصلاحيات ضمن نطاق الوزارة باعتبارها مهام اتحادية ولم يتم نقل الصلاحيات لأي محافظة.
وأضاف لـ"طريق الشعب"، أن التصريحات التي تتحدث عن نقل الصلاحيات غير دقيقة.
وفي ما يتعلق بعقود استثمار أراضي الغابات، أوضح كنعان أن الاستثمار يخضع لقانون الغابات والمشاجر، وقد وُضعت تعليمات خاصة لتسهيل تنفيذه، مشيرا الى انه على أساس هذه التعليمات "تم تشكيل لجان مشتركة بين دائرة الغابات ودائرة الاستثمارات الزراعية لوضع محددات وضوابط الاستثمار، وبعد دراسات مستفيضة، تمت المصادقة على الفرص الاستثمارية من قبل المجلس الوزاري الاقتصادي ومجلس الوزراء، لكن العقود لا تزال في مرحلة المسودة ولم تُنفذ حتى الآن".
وأوضح كنعان، أن "الاستثمار في الغابات يكون للأغراض التي أنشئت من أجلها، ويقتصر على تأهيلها، ومن الممكن إقامة فعاليات سياحية بيئية، مع عدم السماح بأي استغلال عقاري أو سكني أو تجاري لا يتماشى مع الهدف الأساسي للغابات".
وبخصوص الادعاءات حول إزالة أشجار الغابات عمدًا وتحويلها إلى فحم لغرض تغيير طبيعة الأراضي، نفى كنعان وجود معلومات دقيقة بهذا الشأن، موضحًا أن هناك 11 غابة فقط تتبع رسميًا لدائرة الغابات والتصحر، بينما تخضع باقي الغابات في المحافظات لإدارة الحكومات المحلية.
وبيّن، أن دائرته تقدم المشورة الفنية بما يخص الغابات.
ودعا في حال تأشير أية تجاوزات او تجريف إلى تحديدها بدقة لمتابعتها قانونياً.
وحذّر المتحدث من التجاوز على الغابات قائلا: إن "الدائرة ستتخذ إجراءات قانونية صارمة ضد أي تجاوزات على أراضي الغابات برفع دعاوى قضائية أصولية ضد المتجاوزين أمام المحاكم المختصة"، مبينا أن "جميع هذه الغابات فيها مشاتل لإنتاج الشتول الغاباتية، وتم تجهيز أكثر من 600 ألف شتلة خلال عام 2024، ضمن مبادرة رئيس الوزراء لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة".
وبيّن، أن دائرته تواجه تحديات، أبرزها ضعف التخصيصات المالية، لكنها مستمرة في تهيئة الشتلات الغابية وتجهيز الدوائر والمؤسسات الحكومية بها".
واختتم حديثه بأنّ الغابات تمثل “رئة المدن”، خاصة في ظل التغيرات المناخية وارتفاع معدلات التلوث، داعيًا إلى زيادة الاهتمام بها وحمايتها، لما لها من دور محوري في تحسين جودة البيئة وصحة المواطنين.
غياب الدور الرقابي والتنفيذي
مدير منظمة "الحقوق الخضراء" فلاح الأميري، قال لـ"طريق الشعب"، إن الإهمال بجميع أنواعه يمثل تحديًا رئيسيًا يواجه العراق في مختلف القطاعات، وخاصة في مجال البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، منوهاً إلى ان هذا الإهمال يؤثر بشكل مباشر على تدهور الغابات، التصحر، التغير المناخي والتلوث البيئي.
وأضاف قائلاً انه برغم عدم كثافة الغابات في العراق، لكن المساحات الخضراء فيه تلعب دورًا مهمًا في البيئة والمناخ والاقتصاد، كما هو الحال في الموصل او بعض مناطق الفرات الأوسط، ومحافظات شمال العراق في إقليم كردستان".
وعن أهمية وجود الغابات الطبيعية والمزروعة بيّن الأميري أنها تُعد بالوعات لامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى المضرة، وفي نفس الوقت تزيد من نسبة الأوكسجين، وتعمل على تنقية الهواء من الغبار، مصدات للرياح والأتربة، تثبيت التربة وتقلل التصحر، فضلا عن أنها تمثل موائل لمختلف الحيوانات والطيور وتسهم في المحافظة على التنوع البيولوجي والأيكولوجي.
وأوضح، أنّ الغابات "توفر بيئة مناسبة للعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والحيوانات البرية، ما يسهم في الحفاظ على التوازن البيئي. كما أنها تسهم في استدامة التنوع النباتي، خاصة الأشجار المحلية مثل البلوط والجوز في شمال العراق والنخيل في وسطه".
ولفت الأميري إلى انّ هناك ضعفا في سياسات حماية الغابات والمساحات الخضراء، وغياب شبه تام لأي خطط فعالة لإعادة تأهيل الغابات والمناطق الحرجية التي تعرضت للإزالة أو الحرائق او الحروب، علاوة عن ان المشاريع البيئية غالبًا ما تكون محدودة أو غير مستدامة بسبب نقص التمويل والإدارة غير الفعالة".
وانتقد الأميري عدم وجود قوانين صارمة لمنع القطع الجائر للأشجار والتعديات على الأراضي الخضراء، كما هو الحال في الاستثمارات في المجمعات السكنية أو في التنقيب واستخراج النفط.
وأردف بالقول: إن العراق يمتلك ثروات مائية وزراعية يمكن أن تقلل من آثار التغير المناخي، لكن سوء التخطيط والإهمال أدى إلى فقدان هذه الموارد تدريجيًا، بينما مشاريع الزراعة المستدامة والتشجير غير مدعومة بشكل كافٍ، ما يفاقم أزمة الأمن الغذائي والبيئي.